الحوار السوداني السوداني.. تصور بديل(1-3)

علي عسكوري

*منذ فترة ليست قصيرة ظلت فكرة الحوار السوداني -السوداني تدور بين القوى السياسية حتى اصبحت حاليا ال motto المفضل للجميع، يراها البعض انها (المراقة) بلغة حرفاء (الويست)، او طوق النجاة كما يفضل العربيون، ام آخر طلقة وآخر عسكرى بلغة العساكر.

*تسألت كتيرا، وتوجهت بالسؤال التالى لعدد من القادة السياسين: ماهو البديل في حالة فشل الحوار السودانى السوداني؟  اوما هى الخطة (ب) حسب قول الامريكان! اقول ذلك ليس تشاؤما، ولكن من واقع النظرة التاريخية لمحاولات السودانيين السابقة الفاشلة للحوار. عليك ان تبدأ بمؤتمر المائدة المستديرة 1965، مرورا بمحطات كثيرة واتفاقات سلام ومؤتمر اسمراء للقضايا المصيرية وآخرها ( حوار الوثبة) الذي نظمه نظام المؤتمر الوطني كل هذه لم تفض إلى نتيجة, اذن يبقى السؤال ما هو مبعث التفاؤل عند القوى السياسية هذه المرة؟

*أحاول في هذه المقالات طرح تصور بديل لتنظيم الحوار السودانى- السوداني حتى لا يكون حوارا فوقيا بين النخب بلا جذور وحتى لا يكون مصيره مصير المؤتمرات السابقة

عودة إلى التاريخ:

*هنالك حوجة حقيقية للعودة لتاريخ بلادنا حتى نستلهم منه الدروس والعبر، لاننا ان لم نستلهم الدروس والعبر سنكرر الاخطاء، او كما يقال (النسي قديمه تاه)، وقد نسينا قديمنا فتهنا.!

*ذكرنا مرارا أن الدولة الحالية هي ذات الدولة التى صنعها الاتراك بما يناسب شروطهم في استغلال الموارد، ثم جاء البريطانيون وحسنوا شروط الاستغلال فادركوا بعض الاستقرار وقدموا بعض الخدمات وادخلوا نظم حديثة في ادارة الدولة لم يعرفها السودانيون من قبل.

*إذا تركنا الدويلات النوبية القديمة جانبا وقد كانت دويلات وطنية كاملة الدسم نهضت بذاتها وبلغت ما بلغت من المنعة لدرجة تمددها وتوسعها خارجيا، فان الدولة التى اعقبتها كانت دولة سنار (١٥٠٥- ١٨٢١)  التى حكمت حوالى ٣١٦ سنة. وايا كان رأيك في دولة او مشيخة سنار، تبقي الحقيفة الاسياسية التى لا جدال فيها هى انها كانت دولة وطنية نشأت بعد صراع داخلى محض.

كان أهم ما انجزته المجموعات التى اسست دولة سنار اول ايام تكوينها هو تفضيل الحوار على الحرب ونجاح الوساطة التى قادها الشيخ ادريس ود الرباب (قدس الله سره) لحقن الدماء واتفاق الطرفين على تقاسم السلطة (لا اتحاد افريقي ولا امم متحدة) الذين كانا في رحم الغيب! ذلك كان تاريخ اسلافنا فما بالنا اليوم نتوه وننسي تاريخنا. لقد كان اسلافنا اكثر حكمة منا تنازلوا لبعضهم البعض فحقنوا الدماء واسسوا دولتهم.

 *اللافت في كل ذلك ان مناطق نفوذ سنار عند قيامها لم تشمل كردفان او دارفور. وبينما اخضع الفونج لاحقا اجزاء واسعة من كردفان، ظلت دارفور خارج نطاق سلطة سنار الى ان اخضعها الزبير باشا. و حقيقة لم يهتم الاتراك كثيرا باخضاع دارفور وضمها لبقية اجزاء البلاد، وان رغبوا في ذلك، ولم يجردوا لها حملة وقد كان بوسعهم فعل ذلك، ربما زهدوا فيها لبعدها او لعدم قيمتها الاستراتيجية او لصعوبة ادراتها وعلى كل لم يهتموا بضمها الى بقية السودان.

*جاء اخضاع دارفور لاحقا عام 1874 على يد الزبير باشا رحمة  الذي هزم الريزيقات واخضعهم بعد ان نقضوا عهدهم معه فيما يتعلق بأمن القوافل التجارية التى كانت تحمل العاج وريش النعام من جنوب السودان إلى المناطق الاخري والى الخارج، كما كانت تعود ببضائع اخري, انغمس الرزيقات في نهب وسلب القوافل التجارية فجرد الزبير باشا عليهم حملة عسكرية اخضعتهم ودخلت الفاشر.

*خرجت دارفور مرة اخري بعدما اسقط الانجليز حكم الخليفة عبد الله 1898، لمدة 18 سنة ثم اعادوا اخضاعها بعد غزوها وقتل السلطان على دينار العام 1916. اذن فخروج دارفور من الدولة السودانية ليس امرا جديدا، ان كنا نستلهم العبر من  وقائع التاريخ.

*وهكذا نلاحظ ان دارفور اخضعت لدولة الاتراك بعد اكثر من نصف قرن من الغزو التركي لبلادنا. كانت تلك واقعة تاريخية كبري غيرت تاريخ السودان الى اليوم، اذ قبل ذلك لم تكن دارفور جزء من بلاد السودان طوال تاريخه من قبل الميلاد.

*حقيقية، ارتكب الزبير باشا خطأين استراتيجيين تاريخيين ما زالا يؤثران على تاريخ السودان وما جري فيه من احداث حتى اليوم. اولهما اخضاع دارفور وضمها لبلاد السودان ولم تكن تاريخيا جزء منه، اما الخطأ الثانى فاطلاقه لسراح الخليفة عبد الله بعد ان هم بقتله بعد اعتقاله كمشعوذ يكتب (المحايات) للنساء وغيرهم من الذين يصدقون خطرفات الدجالين.

*استصحاب هذه الاحداث التاريخية بالغ الاهمية خاصة فيما يتعلق بالحوار السوداني- السوداني، خاصة وان الغزو الحالى لبلادنا تقف خلفه بعض مكونات ذات المجموعات التى هزمها الزبير باشا قبل مايزيد على القرن ونصف.

اذن، نجحت وساطة الشيخ ادريس ود الارباب في الصلح بين الفونج والعبدلاب، وتم الاتفاق على تقاسم السلطة فيما يعرف اليوم بالفدرالية.

هذه الأرض لنا