أسباب رداءة الطرق في السودان.. (1 ــ 2):

- جهات سياسية تسببت في إنهيار طريق (سنجه ــ الدمازين)!
- خبير طرق تركي: إستخدام الخرصانة الملساء سبب رداءة الطرق بالخرطوم
- إستشاري هندسة طرق: لتشييد طرق جديدة بمواصفات عالمية يجب إختيار شركات وإستشاريين أكفاء
تحقيق ــ التاج عثمان
مهندس وخبير تركي في تشييد الطرق أنجز معظم طرق مدينة إستنبول التركية إنتهزت فرصة زيارته للسودان وأجريت معه حوارا مطولا عن صناعة الطرق نشر بصحيفة (الراي العام) السودانية قبل سنوات.. كان سؤالي الأول له: ما رأيك في شوارع
العاصمة الخرطوم؟.. أجاب بسخرية مهذبة لكنها موجعة:” هو إنتو عندكم شوارع”.. ومن خلال سياق الحوار شرح لي أسباب رداءة الطرق بالعاصمة الخرطوم وإمتلائها بالحفر وتفتتها وتصدعها رغم عمرها القصير مشيرا ان إستخدام الخرصانة الحمراء الملساء سبب رئيسي لذلك.. (أصداء سودانية) تحصلت على معلومات غاية في الأهمية وتكشف من خلال هذا التحقيق الصحفي الأسباب الحقيقية لظاهرة رداءة الطرق القومية والداخلية في السودان
طريق سنار ــ سنجه:
كلنا ندرك رداءة الطرق في السودان، سواء البرية او تلك التي داخل المدن خاصة العاصمة الخرطوم، ولكن كثيرون لا يلمون بالأسباب الحقيقة التي تقف خلف هذه الظاهرة.. وتقريبا كل الطرق القومية الأسفلتية تحولت إلى طرق ترابية وبعضها تغطيه مئات الحفر مختلفة الأحجام والتي تشكل خطورة بالغة على حركة السيارات التي تجتازها وتسببت في حوادث مرورية مفجعه أزهقت مئات الأرواح.. ويعد طريق شريان الشمال رغم حداثته من أردأ الطرق القومية بالبلاد، بجانب طريق سنجة الدمازين الذي يربط ولاية سنار بإقليم النيل الأزرق.. والغريب ان قطاع الطريق الرابط بين مدينتي سنار وسنجه يعد من أفضل الطرق القومية بالبلاد وظل صامدا سنوات طويلة وفي حالة جيدة في معظم أجزائه.. فما أسباب صموده سنوات طويلة رغم ان الطرق التي شيدت بعده تحولت إلى تراب؟..توجهت بهذا السؤال لإستشاري هندسة الطرق،عبد الرؤوف أحمد محمد عبد الله، والذي عمل لسنوات طويلة مع بعض شركات الطرق داخل السودان، وهو متخصص في إختبارات التربة والخرصانة والأسفلت والكباري، ويعمل حاليا بمختبر للطرق بالدمام بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، فأجاب موضحا:
“طريق سنار ــ سنجه يبلغ طوله 79 كيلو متر، نفذته شركة المقاولون العرب المصرية، والشركة الإستشارية، شركة لويس بيرجر كميساكس وهي شركة دنماركية أمريكية، والمالك الهيئة القومية للطرق.. بداية العمل في الطريق كانت عام 1977 وتم الفراغ منه عام 1981 وتمت إعادة تاهيل الطريق عام 2005 بواسطة شركة الدالي والمزموم بإشراف الهيئة القومية للطرق والجسور، بمعنى انه ظل صامدا بحالة جيدة لأكثر من 44 عاما، وذلك يعود إلى جودة مواد طبقات الردم، حيث كان هناك مختبران لتجربة التربة والخرصانة والأسفلت: إحداهما خاص بشركة المقاولون العرب المنفذة للطريق، والآخر للشركة الإستشارية، وكانت تعتمد نتائج مختبر الشركة الإستثمارية، رغم جودة نتائج مختبرات الشركة المنفذة للطريق.
ومن أسباب جودة الطريق وصموده لسنوات طويلة، إستخدام (العبارات)، وهي عبارات انبوبية وأخرى صندوقية، تم وضعها في أماكنها الصحيحة.. كما تم عمل (خنادق) على جانبي الطريق خاصة في المناطق التي بها تربة طينية ذات لزوجة عالية.. وتم إحلال مواد الحفر برمل خشن ذو مسامات كبيرة لإمتصاص المياه من التربة في تلك المناطق الطينية اللزجة، وبالتالي تمت المحافظة على جسم الطريق بتلك المناطق والتي تتميز بمعدل امطار عالي في الخريف.. ومن أسباب صمود طريق (سنار ــ سنجه) لسنوات طويلة ولا يزال صامدا، جودة طبقة الأساس المساعد والذي تم جلب مواد ممتازه له من منطقتي النورانية والعمارة دقله، واللتان تتوفر فيهما مواد تربة حصوية ذات تدرج طبيعي ممتاز.. كما حرصت الشركة المنفذة والشركة الإستشارية على عمل نموذج للخلطة الاسفلتية وتم تنفيذ النموذج على الطريق حسب المواصفات، وتمت إعادة تاهيل للطبقة الأسفلتية عام 2005 بواسطة شركة الدالي والمزموم بإشراف الهيئة القومية للطرق والجسور.. عموما تم تنفيذ طريق (سنار ــ سنجه) في مراحله المختلفة حسب المواصفات بفضل المراقبة الدقيقة لعمليات الطريق المختلفة”.
طريق سنجه ــ الدمازين:
يعد طريق (سنجه ــ الدمازين) من أردأ الطرق القومية في السودان، حيث إختفت الطبقة الأسفلتية تماما منه وتحول لطريق ترابي، وحتى الأجزاء القليلة التي إحتفظت بالأسفلت تغطيها الحفر الكبيرة، فالطريق إنهار تماما وأصبحت السيارات تتحاشى المرور عليه وتسلك الطرق الترابية على جانبيه فهي أرحم للركاب والسيارات، وتسببت في أعطال كثيرة للمركبات العابرة خاصة إتلافه للإطارات والمساعدات.. والسؤال هنا: ما هي أسباب إنهيار كل هذا الطريق بهذه الدرجة المحيرة والغريبة؟.. إستشاري هندسة الطرق، عبد الرؤوف أحمد محمد عبد الله يوضح الأسباب التي تسببت في رداءة طريق (سنجه ــ الدمازين) بقوله:
” بالطبع هناك أسباب رئيسية أدت لعدم صمود الطريق المذكور وإنهيارة بالكامل، منها أن تنفيذ الطريق تم على عجل وبخطوات سريعة متعجلة وذلك على حساب المواصفات من حيث الدمك للطبقات الأولية، وطبقة الأساس المساعد، وطبقة الأساس الرئيسية، بجانب الأخطاء التي صاحبت عملية ردم العبارات بنوعيها: (الأنبوبية والصندوقية)، وصراحة هناك جهات سياسية تدخلت لإنهاء العمل بالطريق في أسرع وقت، مما أدى إلى (كلفتة) العمل مما تسبب في إنهيار طبقات الردم وبالتالي حدث (نحر) للعبارات بنوعيها، ومن ثم تلاشت طبقات الأسفلت مما أدى إلى إنهيار كامل للطريق، خاصة في مناطق تجمعات المياه، وبالتالي حدث إنقطاع لحركة مرور السيارات بين سنجه والدمازين خاصة في فترة الخريف رغم إجتهادات الصيانة، والتي كانت تنفذها الشركة الوطنية للطرق والجسور، من حين لآخر بواسطة عملية (الترقيع) والتي لا تجدي نفعا مع طريق إنهار إنهيارا شاملا كاملا.. والطريق بصورته الراهنة خطر على حركة المرور والمسافرين من المواطنين، ويحتاج حقيقة للإزالة بالكامل وتشييد طريق جديد بمواصفات الطرق البرية العالمية المعروفة، مع ضرورة إختيار الشركات الوطنية المؤهلة والتي تمتلك الأجهزة الحديثة المتطورة لصناعة الطرق وإختبارات المواد المستخدمة.. مع التنويه تحاشي إستخدام الخرصانة الملساء الحمراء والتي لا تمتص الأسفلت وتجعل أساس الطريق متحركا غير ثابت مما يتسبب في تكون الحفر وتشقق طبقة الأسفلت، والإستعاضة عنها بخرصانة الجبل (المشرشرة) التي تمتص الأسفلت ــ وهو في ذلك يتفق تماما مع ما أشار له خبير الطرق التركي ــ مع ضرورة إختيار شركات الطرق التي تمتلك الأجهزة الحديثة المتطورة اللازمة والمهمة لتشييد الطرق على سبيل المثال: (جهاز فحص تحميل التربة ــ وماكينة كسر مكعبات او أسطوانات الخرصانة لمعرفة إجهاد الخرصانة ــ وماكينة إختبار دمك الخلطة الأسفلتية) وغيرها من الأجهزة الحديثة عالية التقنية”.
الحلقة القادمة:
ــ مهندس طرق: التلاعب في نسبة الخلطة الأسفلتية سبب رئيسي لإنهيار الطرق في السودان.
ــ المنتدي العالمي للإقتصاد بخصوص جودة الطرق يصنف الطرق في السودان بأنها الأسوأ في العالم!!.
ــ كيف يتمتع السودان بطرق برية وداخلية بمواصفات عالمية؟.