إيران تغادر الصبر الاستراتيجي وترد.. فماذا بعد؟

 

عادل الحامدي

 

*لم أتفاجأ شخصيا من الرد الإيراني الذي طال عمق الأراضي المحتلة، ثأرا لاغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، ومن قبله رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) إسماعيل هنية، على الرغم من هيمنة نظرية الصبر الاستراتيجي التي ميزت تعامل إيران مع المتغيرات الدولية التي عصفت بدول المنطقة الواحدة تلو الأخرى.

*وعلى خلاف الرد الأول منتصف نيسان / أبريل الماضي، فإن الهجوم الإيراني هذه المرة كان مباغتا نوعا ما، وإن كانت وسائل إعلام دولية قد نقلت عن مسؤولين إيرانيين كبارا قولهم إن طهران أبلغت الولايات المتحدة الأمريكية بالرد قبل وقوعه بوقت قصير.. فقد جاء في وقت يعيش فيه الاحتلال حالة من الزهو والاستكبار، لا سيما وأنه تمكن من الوصول إلى رأس حزب الله ليس فقط على المستوى السياسي، بل وأيضا على المستوى العسكري، وأوقع فيه أوجاعا مؤلمة اعترف بها السيد حسن نصر الله قبل رحيله.

*لقد استفرد الاحتلال مدعوما بسلاح أمريكي وغربي غير محدود، وبغطاء سياسي لا مثيل لها، بالفلسطينيين، وتمكن من إيلامهم وإلحاق الشر بهم على مدى عام كامل، والعالم غير المتواطئ يتابع فقط أعداد الشهداء وضحايا التوحش الإسرائيلي، بينما عالمنا العربي يغط في سبات عميق، وكثير من أنظمته لا يصارع فقط من أجل تأمين الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة لأبناء شعبه وهي الوظيفة الأولى لأي نظام سياسي في العالم، وإنما يصارع من أجل البقاء على قيد الحياة، وهو يواجه فضلا عن التحديات الاقتصادية المتعاظمة، تآمر القريب قبل البعيد.

 

*والحقيقة عندي أن قراءة الرد الإيراني على الاحتلال الإسرائيلي ضمن المشهد الحالي لا يمكنها أن تستقيم ما لم نتناولها في إطارها العام المتصل بالمسار الأمريكي وسياسة الهيمنة التي يسعى لتكريسها في العالم منذ عدة عقود.. فقد استعملت الولايات المتحدة الأمريكية الصحوة الإسلامية السنية في مواجهة الاتحاد السوفييتي سابقا في أفغانستان، ولما أسقطت الدب الروسي، عادت لكسر أدواتها التي استعملتها في ذلك من خلال حرب كونية أطلقت عليها اسم الحرب العالمية على الإرهاب.. فأسقطت طالبان ثم العراق، قبل أن تخترق روح الربيع العربي وتتمكن منه.

*كانت إيران على مدار هذه العقود الطرف الأكثر استفادة من هذه الحرب، وامتد نفوذها عربيا ليغطي دولا عريقة في الانتماء العروبي والقومي من مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان، وغدت قوة إقليمية لها كلمتها في المنطقة، بل ووصل أمر نفوذها مؤخرا أن تم اتمهمها بأنها من تزود روسيا بالصواريخ الباليستية التي تدك بها موسكو العاصمة الأوكرانية كييف المدعومة غربيا

اليوم وبعد هذه العقود العجاف التي عرفتها المنطقة صعودا لثورات الربيع العربي وهبوب رياح التحول الديمقراطي قبل أن تغرق في لج حروب أهلية دامية، يبدو أن الإسرائيليين المنتشين بالقوة العسكرية التي مكنتهم من تدمير قطاع غزة والوصول إلى قادة المقاومة الأخطر في المنطقة وتصفيتهم، وجدوا أن المناخ السياسي والعسكري في المنطقة مهيأ لإسرائيل الكبرى، وأنه وجب تقليم أظافر القوى المتمردة، أو التي يمكنها أن تشوش على هذا الهدف الإسرائيلي الذي يراه نتنياهو قاب قوسين أو أدنى.. ويأتي على رأس المشوشين إيران وسلاحها النووي الذي يقترب هو الآخر من الاستواء على عرشه.

*لقد بدأت الحرب الإقليمية فعلا منذ أن وجه نتنياهو سلاحه من غزة إلى لبنان، وها هي إيران المتمسكة بالصبر الاستراتيجي تجد نفسها في نهاية المطاف مجبرة على وقف الاستفزاز الصهيوني، وهي إذ تفعل ذلك دفاعا عن أمنها القومي كما قال الرئيس الإيراني نفسه، فإنها تنضم لمسيرة القوى المناهضة للامبريالية العالمية وللظلم الذي تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية بحق شعوب هذه المنطقة.

*يخطئ الأمريكيون ومعهم أتباعهم من الدول الغربية الذين انضموا لتحالف دولي مؤيد لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إذا ظنوا أنهم يستطيعون بالقوة الغاشمة فرض الاحتلال على شعوب المنطقة، واستئصال الشعب الفلسطيني وتوزيع من تبقى منه على قيد الحياة على دول العالم.. فسنة الكون تقوم على العدل ومتى ما غاب العدل غاب الاستقرار والسلام وغدا العالم أقرب إلى التوحش منه إلى الإنسانية.. وما أظن أن هذا هو هدف العقلاء من بني البشر.

*كاتب وإعلامي مقيم في لندن