العقوبات الأمريكية ..ما مكمن التأثير ؟

 

الواثق كمير

*سألني بعض الأصحاب: ما هو تأثير العقوبات الأمريكية في حق القائد العام للجيش السوداني على أوضاع الحرب في البلاد؟ بدوري، سألت وبحثت وما خليت حتى أوفر إجابة موضوعية وأقدم قراءة عن ماهية التأثير ودرجته وعلى من يكون هذا التأثير، وكيفية مخاطبة الأمر من قبل الحكومة. رأيي في هذا المقال المقتضب أنّ هذه العقوبات لن تسهم في تغيير مجرى الحرب أو وقفها، ولا أحسب أن يكون لها، بحسب طبيعتها المالية الشخصية، تأثيراً ملموساً على الأوضاع الاقتصادية. بل فإن مَكْمَنُ تأثيرها سيكون على العلاقات الثنائية بين السودان وأمريكا، في سياق العلاقات مع المجتمع الدولي قاطبة. إنّ الرك والمحك لوقفِ الحرب مرهون بموازين القوة العسكرية على الأرض بين الجيش والمليشيا.

*فالحرب بين الجيش السوداني والجيش الشعبي لتحرير السودان لم تتوقف حتى أدرك كل من الطرفين المقولة السودانية (تلت المال ولا كتلته)، عندما وصل الطرفان إلى نقطة توازن القوة هذه بأن ما يحققه السلام أفضل من مواصلة الحرب. وذلك، بالرغم من العقوبات الأمريكية الثقيلة التى توالت على حكم نظام الإنقاذ منذ سنواته الأولى. فبعد إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب في 1993, فرضت عليه عقوبات اقتصادية متعددة ومتنوعة في 1997، ولحد تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين لأدنى درجاته. وبالرغم من أنّ التجارب أثبتت عدم جدوى العقوبات، بخلاف تأثيرها المعنوي المؤقت، إلاّ أنّها لا تخلوا من آثارٍ سياسية سالبة بالنسبة لأمريكا، خاصة بعد اعتراف وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلنكن، بفشلهم في إيقاف الحرب وإعرابه عن أسفه.

* فيرى كثيرٌ من السياسيين والمراقبين أنّ خسارة هذه العقوبات بالنسبة لأمريكا أكبر من نفعها، إذ أنها ستطلق يد الحكومة للتحلل من، ولتجاوز المناورات الأمريكية والتركيز على حسم الجيش للمعارك. فبجانب أنها قد تطعن في مصداقية أي وساطة أمريكية، بجانب أنّها ربما تخدم القائد العام للجيش أكثر من توقيع الضرر عليه وتجعلة بطلاً قومياً تلتف حوله قطاعات شعبية واسعة.

*العقوبات: هل تضع الجيش والمليشيا الدعم على كفة واحدة؟ إبتداءاً، لم يكن قرار فرض العقوبات الامريكية على القائد العام للجيش مُفاجِئاً، بل كان متوقعاً أن يصدر مباشرة بعد أن طالت العقوبات قائد مليشيا الدعم السريع في 8 يناير الجاري. فغياب العمق الاستراتيجي في سياسة الإدارة الأمريكية لإنهاء الحرب، يجعلها تستخدم العقوبات في شكل مصفوفة تفرض على الجيش ومليشيا الدعم السريع سوياً بالنظر إلى الجانبين على أنهما “طرفان متحاربان”. فمنذ أواخر مايو 2023، بعد أقل من ستة أسابيع من اندلاع الحرب، فرضت هذه الإدارة عقوبات اقتصادية عليهما شملت منع التأشيرات وحظر التعامل مع شركاتٍ تابعةٍ لهما، وتبعتها عقوبات على نفس الشاكلة خلال عام 2024. هكذا، فإنّ أى اجراء كانت تصدره الإدارة الأمريكية ضد مليشا الدعم السريع كان يعقبه إجراءٌ مماثلٌ ضد الجيش، ولذلك عندما عاقبت حميدتي أدرك الجميع أن مسك الختام سيكون البرهان. وبالرغم من أنّ هذه السياسة الأمريكية تُحمل الإدارة الجيش وقوات المليشيا مسؤولية استمرار الحرب، ولكنها لا تضعهما على كفةٍ واحدةٍ أو تساوي بينهما في طبيعة ودرجة الجرائم المرتكبة. ففي اليوم التالي لانهيار مفاوضات جدة، 6 ديسمبر 2023، اتهمّ وزير الخارجية الأمريكي الجيش والدعم السريع بارتكاب جرائم حرب، بينما خصّ المليشيا بتحمّيلها مسؤولية جرائم ضد الإنسانية وممارسة التطهير العرقي. وفي أولِ اجتماعٍ لوفد الحكومة السودانية مع المبعوث الأمريكي الخاص، توم بيربللو، بجدة في 9 أغسطس 2024، بخصوص الدعوة الأمريكية لمفاوضات جنيف، عبرّ الوفدُ عن هواجسه ومخاوفه من موقف الإدارة الأمريكية حول المستقبل العسكري والسياسي للمليشيا. ومن أهمّ الإنجازات التي عددها رئيس الوفد الحكومي، د. بشير أبو نمو، في تقريره المُفصل عن الإجتماع هو انتزاع الاعتراف بعدم المساواة بين القوات المسلحة والمليشيا المتمردة من الناحية القانونية والشرعية، من جانب الولايات المتحدة. فعلى حَدِّ قوله أنَّ المبعوث قد أوضح أنَّه “يؤيدنا تماماً في هذا الطرح وأنه يقوم بتصميم هذه العملية حتى لا يتمكن الدعم السريع من تحقيق المزيد من التوسع في عملياته مما قد يشير لانتصاره، وأنهم لا يرغبون في وجود الدعم السريع أو أن يكون له دور سياسي في مستقبل السودان، وأن مستقبل السودان سوف يحدده الشعب السوداني الذي يرفض الدعم السريع تماماً. مبيناً أن أمريكا لا تضع الدعم السريع في نفس المرتبة الأخلاقية والقانونية الشرعية التي تضع فيها القوات المسلحة