الدنيا ليل غربة ومطر

صمت الكلام _فائزة إدريس

 

*تتماثل المصطلحات الثلاثة الهجرة والنزوح واللجوء فيما ترمي إليه من معنى، وهو الرحيل والمغادرة حيث عرف معجم لسان العرب الهجرة (Immigration) بأنها الخروج من أرض إلى أرض بحثا عن فرص أفضل في الحياة. وبالتأكيد يهاجر الشخص بمحض إرادته، و النزوح(Exodus) يشير إلى مغادرة الأفراد لأمكنتهم بسبب ظروف قاهرة مثل الحروب والكوارث الطبيعية، وهو في الغالب نزوح داخلي حيث يبقى النازحون في حدود وطنهم، بينما اللجوء(Asylum) ومصدره لجأ فقد ورد في معجم اللغة العربية المعاصر، إلتجأ الشخص إلى المكان أي لجأ إليه، قصده واحتمى به واعتصم به لإكتساب الأمن والطمأنينة.
*إذا الهجرة إختيارية طوعية، النزوح قهري وفي الغالب داخلي، واللجوء قسري ويستهدف الأمان في دول أخرى.
*الغالبية العظمى من السودانيين يرتدون عباءة المعنى العام المتماثل وهو مغادرة مكان الإقامة بغض النظر عن الأسباب وإن كانت في الآونة الأخيرة التي يمر فيها السودان بتلك الظروف السيئة المسيئة، قد إختلطت وامتزجت المغادرات وتنوعت الأسباب وتداخلت المعاني مع بعضها البعض واصيبت معاجم اللغة العربية الحيرة.
*ويظل الهدف الأساسي للفرد المغلوب على أمره أن يجد مكان آمن خالي من الرعب والزعزعة النفسية وحياة مستقرة يتنفس فيها الصعداء ولوقليلا.
*وينبري القاسم المشترك بين البعض من أولئك ألا وهي الأحاسيس المميتة التي تدب في دواخلهم والجرح العميق الذي يعتمل في صدورهم والغربة الذاتية التي تموج بها أعماقهم فينعكس ذلك بلا شك على جل حياتهم.
*فمن المؤلم جدا أن تترك سكنك ومسكنك ووطنك واستيطانك، فهنالك أشياء لا تعوض ولا تنسى وذكريات عاشها الفرد لا يمكن أن تمر مرور الكرام في الخاطر، فهي الأصل والمنبع الذي تتفجر منه عيون الميلاد والمنشأ وكافة تفاصيل الحياة، فكيف بين يوم وليلة تسلب تلك الأشياء وتفتقد ويهيم الفرد على وجهه مسلوب الإرادة في غفار الأيام، ويعاني ما يعاني من المشقة والعنت والضنك، فلاسبيل له هنا سوى أن يرحل ويغادر قسرا وكرها ولسان حاله يردد أبياتا من رائعة الشاعر العراقي حسن المروانى:
(أنا وليلى)
(نفيت واستوطن الأغراب في بلدي
ودمروا كل أشيائي الحبيبات)…
*نتيجة لتلك الأهوال والمصائب تغيرت وتتغير شخصية معظم الأفراد وفقا لمدى تحملهم ومجابهتهم للشدائد، فهنالك من لديه قوة تحمل كبيرة وآخرون يفتقدون ذلك، الأمر الذي إنعكس عليهم في نواحي عديدة، بداية من هيئتهم العامة إلى تصرفاتهم وطباعهم وخصالهم التي تلونت بألوان غير التي جبلوا عليها واعتاد عليها الغير، فإنمحت أشياء واختلط الحابل بالنابل وأصبح البعض منهم يبحث عن ذاته التي كانت.
*فللنزوح ويلات وللهجرة صدمات وللجوء عثرات، ومابين ذاك وتلك وهذا، تغرق النفس البشرية في وحل الضياع.

نهاية المداد

قد لا تجد وطنا يحتويك لكن بلاشك تحتوي أوطانا في ذاتك
(عبدالعزيز بركة ساكن)