قطاع الدواجن .. ركيزة الأمن الغذائي

تقرير – ناهد أوشي:
برغم تداعيات الحرب التي اندلعت في الخامس عشر من أبريل 2023 وتأثيرها علي كافة القطاعات إلا أن قطاع الدواجن في السودان يبرز كأحد القطاعات القليلة القادرة على النهوض السريع اذا ما توافرت له البيئة المناسبة. وبفضل مرونته، ودورته الإنتاجية القصيرة، وأهميته في توفير البروتين الحيواني، يشكل هذا القطاع ركيزة محورية في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل، في وقت يعاني فيه السودان من تراجع حاد في إنتاج اللحوم الحمراء بسبب النزاعات والجفاف.
طفرة القطاع:
هنالك مزحة تقول بأن الدجاجة لم تكن تُذبح إلا إذا كانت مريضة، أو كان من تُذبح له مريضًا بيد ان هذه العقلية تغيّرت مع الطفرة التي شهدها القطاع منذ تسعينات القرن الماضي. حيث انتشرت مزارع التسمين وإنتاج بيض المائدة، وأصبح الدجاج مصدرًا رئيسيًا للبروتين الحيواني، خصوصًا في المناطق الحضرية.
ويشير المدير السابق للشركة العربية و الخبير في قطاع الدواجن ابوعبيدة احمد سعيد إلى ان السودان قبل اندلاع الحرب كان ينتج أكثر من 80% من استهلاكه المحلي من الدواجن وكانت معظم المزارع تتركز في ولايات الخرطوم، الجزيرة، النيل الأبيض، نهر النيل، والشمالية.
لكن الحرب ضربت القطاع كزلزال حيث خرجت أكثر من 80% من المزارع عن الخدمة إما بسبب التدمير والنهب، أو لتحولها إلى مواقع عسكرية، ما أدى إلى توقف الدورة الإنتاجية، وشح الكتاكيت( عمر يوم) نتيجة لفقدان جزء كبير من قطيع الأمهات.
إنتاج مهدد:
واعتبر الكهرباء شريان الحياة لمزارع الدواجن خاصة في فصل الصيف الذي ترتفع فيه درجات الحرارة. فالمزارع تعتمد على التهوية والتبريد للحفاظ على حياة القطيع.
وقال مع الانقطاع شبه الكامل للكهرباء القومية، اضطرت المزارع للاعتماد على المولدات، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج بنسبة تتراوح بين 30% إلى 50%، بحسب تقديرات عدد من المربين. ومع نقص الوقود وارتفاع أسعاره، باتت الاستمرارية في التشغيل مغامرة خاسرة.
تراجع الانتاج:
لم يتوقف الضرر عند المزارع وانما تعدى ذلك إلى الشركات حيث تعرضت أكثر من 90% من شركات الأدوية البيطرية واللقاحات للنهب أو التدمير ما أدى إلى نقص حاد في الأمصال، وسط مخاوف من عودة أمراض كانت قد اختفت بفضل التحصينات الدورية.
وفي جانب الأعلاف اشار سعيد إلى ان توقف عدد من المطاحن الكبرى، وغياب وسائل النقل الآمنة أدى إلى تراجع الإنتاج وارتفاع الأسعار بصورة غير مسبوقة، مما فاقم أعباء المنتجين وانعكس سلبًا على المستهلكين.
خطر غذائي:
قطاع الدواجن هو أحد أكبر القطاعات المشغّلة للعمالة في السودان، ويضم آلاف العاملين في سلاسل الإنتاج والتوزيع والتسويق. ومع انهيار هذا القطاع، ارتفعت أسعار الدجاج والبيض بنسبة تتراوح بين 80% إلى 150%، في ظل تآكل القدرة الشرائية للمواطنين، وتزايد تهديدات الأمن الغذائي.
وتؤكد تقارير منظمة الأغذية والزراعة (FAO) أن الدواجن من أكثر القطاعات فعالية في تحقيق الأمن الغذائي في الدول الخارجة من النزاعات، نظرًا لقصر دورة إنتاجها وسهولة تعافيها.
ونوه ابوعبيدة أحمد سعيد إلى ان أهمية قطاع الدواجن تضاعفت اليوم خاصة بعد تحرير ولايات الخرطوم، الجزيرة، سنار، والنيل الأبيض، وهي المناطق التي تحتضن البنية التحتية الأساسية للإنتاج والتوزيع. في المقابل، ما تزال الحرب أكثر ضراوة في أقاليم كردفان ودارفور، والتي تُعد المصدر الرئيسي للحوم الحمراء في السودان، إضافة إلى إنتاج كسب الفول السوداني، أحد المدخلات الرئيسية في صناعة أعلاف الدواجن.
هذا الواقع الجغرافي الجديد يستدعي إعادة التفكير في خارطة الإنتاج الزراعي والغذائي، وتوجيه الجهود نحو دعم قطاع الدواجن كمصدر بديل وآمن للبروتين الحيواني، يمكن تشغيله في المناطق المحررة بسرعة وفاعلية.
وقال في هذا السياق تبرز الحاجة إلى إطلاق مبادرات لزراعة فول الصويا في جنوب النيل الأزرق وجنوب القضارف، لتأمين بديل محلي مستدام لكسب العلف.
بحانب تحسين جودة الفول السوداني المنتج في ولاية الجزيرة، عبر التوسع في إنتاج الأصناف الخالية من مادة الأفلاتوكسين، ما يضمن سلامته كمكون رئيسي في أعلاف الدواجن.
خطة طوارئ:
وأطلق مناشدة نيابة عن العاملين بالقطاع للحكومة والشركاء الدوليين بضرورة تبني خطة طوارئ وطنية لإنعاش قطاع الدواجن تتضمن إعادة الكهرباء للمناطق الزراعية من خلال خطوط مستقلة أو مشاريع طاقة شمسية لتقليل الاعتماد على المولدات المكلفة.
وتمويل إسعافي مباشر يشمل تأهيل المزارع المتضررة وتوفير الكتاكيت والأعلاف، مع جدولة الديون مع البنوك. وإعفاءات مؤقتة من الرسوم الجمركية والضرائب على مدخلات الإنتاج مثل الأدوية واللقاحات والأعلاف والمعدات.
مع تشجيع التمويل بالآجل بالسماح باستيراد المعدات ومدخلات الإنتاج بالتمويل المؤجل،وتوفير ضمانات خارجية وعمل شراكات إنتاجية بين الشركات الكبرى والمربين الصغار، لتمويلهم بالكتاكيت والأعلاف بنظام التوريد التشاركي.مع شراكات دولية مع الفاو لإطلاق برامج دعم فني وتمويلي للمربين، والاستفادة من تجارب دول تعافت من الحروب مثل رواندا وأوغندا.
تعافي القطاع:
برغم القتامة التي تلفّ المشهد الآن إلا أن الخبراء يؤكدون أن قطاع الدواجن من أسرع القطاعات القابلة للتعافي. فالدجاج لا يحتاج لسنوات للنمو، بل لأسابيع، والمزارع لا تتطلب بنى تحتية معقدة، بل كهرباء مستقرة، أعلافا كافية، وأدوية فعّالة.
إن استثمارًا صغيرًا اليوم في هذا القطاع، يمكن أن يساهم في سد فجوة الأمن الغذائي خلال أشهر قليلة، ويوفر آلاف الوظائف، ويساعد على استقرار الأسر النازحة، ويعيد الأمل في بناء اقتصاد زراعي متوازن.