والي الخرطوم  لـ(أصداء سودانية): “الشك والريبة كانت موجودة في نظرتي له”

 

  • هذا ما قاله (حميدتي) عندما سلمناه توصيات مؤتمر تطويرالخرطوم قبل (3) أسابيع من الحرب
  • (الملاسنات) في ورشة الترتيبات الأمنية حول الإتفاق الإطاري كانت هي (القشة التي قصمت ظهر البعير)
  • الارهاصات والجو العام المشحون قبل يوم من الحرب كانت تشير إلى نوايا سيئة لهذه المليشيا
  • في صلاة الجمعة بمسجد القوات المسلحة كان هناك وجود كثيف لأفراد (المليشيا) المسلحين بصورة غيرعادية
  • إشادة (غوتيرش) ب (التكايا) شهادة من مسؤول أممي ظلت مؤسساته تبحث عن الزرائع لإثبات وجود مجاعة
  • المناطق الآمنة بالولاية بها (2) مليون مواطن وكميات المساعدات لا تكفي هذا العدد
  • رفعنا شعارالشفافية في التعامل مع المساعدات الإنسانية

حوار – فريق أصداء سودانية:

رغم الآثار الكارثية للحرب التي شنتها مليشيا الدعم السريع على مناطق واسعة من البلاد ، والمعاناة التي واجهت المواطنين في كل مكان ، إلا أن بروز والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة كرجل دولة حقيقي ، لعب دورا بطوليا ووطنيا في تخفيف حدة هذه الآثار على المواطنين المقيمين في ولاية الخرطوم أو الوافدين إليها من عدد من الولايات المختلفة ، فالمتجول في الأحياء الأمنة بمحلية كرري وأسواقها وطرقاتها ومقارها الحكومية ، والهدوء والتطور وبروز وجه الحياة المدني المشرق يمكنه بدون تردد أن يطلق على محلية كرري – حيث يقيم الوالي ويعمل ويقدم ويتحرك – العاصمة الاجتماعية للسودان .
جلسنا إليه في مكتبه وأدرنا معه حوار مطول ، اطلعنا فيه على الكثير من تفاصيل العمل اليومي والخطط القادمة عبر محاور تعتمد بشكل مباشر على تقديم الخدمات للمواطن ، ولا شي غير الخدمات لأكثر من 2 مليون سوداني اختاروا الاقامة في أرض ولاية الخرطوم وتحت حراسة القوات النظامية التي جعلت منها نقطة إرتكاز بدأت منها إستعادة الأرض والمقارالعامة والخاصة من مرتزقة المليشيا وهي ماضية في ذلك بحول الله وسند الشعب وإلى مضابط الحوار…
*حدثنا في البداية عن أجواء الأيام الآخيرة قبيل إندلاع الحرب في 15 ابريل 2023م ، كيف كانت وكيف كنتم ؟
-الحديث عن الأحوال قبيل الحرب اعتقد أن هذا أمر صحيح حتى يتفهم الناس ابعاد هذه الحرب وهذا العدوان ، فقد كنت مسؤولا عن الولاية قبل الحرب وكانت الأمور تسيربصورة طبيعية وكانت الولاية تسعى لتنفيذ مخرجات مؤتمر تنمية وتطوير الولاية ، وهذا المؤتمر انعقد بقاعة الصداقة ما بين 20-21 مارس 2023م أي قبل ثلاثة أسابيع من إندلاع الحرب, وهذا المؤتمر حشدنا له خبراء وأكادميين ومتخصصين في مجالات كثيرة أعدوا ثماني وثلاثين ورقة تناولت كل احتياجات ولاية الخرطوم ورؤيتها حتى تنهض وتكون عاصمة تليق بالشعب السوداني وتنافس رصيفاتها من العواصم، هذا المؤتمر تزامن مع ورش الإتفاق الإطاري أيضا في قاعة الصداقة ، ومن الغريب أننا سلمنا توصياتنا الخاصة بمؤتمر تطوير وتنمية ولاية الخرطوم إلى قائد (المليشيا) الذي كان آنذاك نائبا لرئيس مجلس السيادة ، وأذكر أنه تحدث وقال : ( إن شاء الله بعد عشر سنوات سيكتمل هذا البرنامج ), وبعد ثلاثة أسابيع اندلعت الحرب, ويبدو أن التريب لها كان جاريا.
*هل كان لديك علاقة خاصة بزعيم المليشيا قبل الحرب ؟
-لا توجد، فقط هي العلاقة الرسمية ، أنا والي ولاية الخرطوم وهو نائب رئيس مجلس السيادة وكان كثيرا ما تعقد اجتماعات اللجنة الإقتصادية احضرها بحكم منصبي وهو رئيس اللجنة ، وكانت قضايا الخدمات أيضا حاضرة.
*على المستوى الشخصي كيف كنت تراه وما هو إنطباعك عنه ؟
-الشك والريبة كانت موجودة في نظرتي له ، وحول هذه المليشيات نفسها ، ولماذا تقوى وتدعم بهذه الطريقة ؟ التي لا نراها في القوات المسلحة ، وأنا منزلي كان مجاور للبرج وساعة إنطلاق الرصاصة الأولى كنت لحظتها داخل المنزل ، تداعيات ما قبل الحرب تفاقمت بسبب الإتفاق الإطاري, وفي الإسبوع الآخير احتد النقاش والملاسنات حول محتوى الورش المتعلقة بالاتفاق ، وورشة الترتيبات الأمنية على وجه الخصوص ،فقد كانت هي (القشة التي قصمت ظهر البعير) ، نحن كنا نتابع الموقف عبر لجنة تنسيق شؤون أمن الولاية ، كان بيننا ممثل لهذه القوة (المليشيا) نتابع ساعة بساعة ونرفع المعلومات والقراءات الخاصة بتقييم الموقف، لكن هذه المليشيا اختارت التحرك في وقت العطلة ، الجمعة كانت عطلة وبعد ها السبت ايضا ، فجرى ترتيبها في هذا الوقت.
*هل كانت هناك مظاهر واضحة في المناخ والجو العام ؟
-على قدر الجدل الدائر أذكر إننا صلينا صلاة الجمعة في مسجد القوات المسلحة، كان المسجد مملوء بأفراد المليشيا المسلحين بصورة غيرعادية ، كانت النبرة عالية بسبب تحرك المليشيا إلى مروي ، التحشيد كان ظاهرا وواضحا ،وإعادة تموضع قواتها وأسلحتها, كان هناك توجس من الانفجار، وظهرت تطمينات من قوى تضغط للقبول بالإتفاق الاطاري مساء الخميس بأن هناك اتفاق وشيك وتهدئة, قللت حدة النبرة والتوتر، ووضح أن ذلك كان تكتيكا من المليشيا وتراجعت درجة الاستعدادات، والبلد داخلة على عطلتي الجمعة والسبت ، فالارهاصات والجو العام كان مشحون ويشير إلى نوايا سيئة لهذه المليشيا.
*عندما سمعت أصوات الرصاص في الدقائق الأولى أين كنت وكيف مضت بك الأمور ؟
-كنت في المنزل مع أسرتي, في الصباح كان لدي برنامج إجراء امتحان لأمراء الحج في أم درمان, وقبل أن نخرج بنصف ساعة بدأ صوت الرصاص وأستمر في الإنتشار بشكل واسع وسريع ، بعد قليل تغيرت حركة الشوارع اختفى المارة وتعالت أصوات الذخيرة في الأجواء.
*وكيف مضت بك تلك اللحظات؟
-مكثت في المنزل أربعة أيام وخرجت بعدها بعد أن جاءتني مجموعة من أفراد المليشيا في أول الأمر كانوا غيرمحيطين بطبيعة وظيفتي وموقعي كوالي للخرطوم ، وبعد أن تعرفوا عليّ اشاروا لي بضرورة الخروج, وقالوا لي أنت شخص مدني ونحن نستهدف العسكريين فقط, خصوصا أن المنطقة ومنازل المسؤولين في محيط القيادة كانت خالية من السكان ، ووقعت العديد من الدانات في المنزل وتسببت في بعض الأضرار.
*وماذا حدث بعد الخروج ووصولك إلى ام درمان ؟
-وصلت في ذات اليوم إلى امدرمان ومباشرة وصلت محلية أم درمان ، والمدينة لم يكن بها عمليات عسكرية والحياة طبيعية إلى حد كبير ، استدعيت الموجودين من حكومة الولاية وعقدنا اجتماع واتقفنا على تكوين غرف عمليات لكل وحدة أو وزارة ومحلية أو مجلس, واتفقنا على إدارة شأن الولاية عبر هذه الغرف, وتم تحديد اجتماع اسبوعي للمتابعة ، بعد ذلك تطورالظرف الأمني بالتضييق على الناس وتراجع عدد الحضور, وتم الاتفاق على عقد الإجتماعات اسفيريا للمتابعة.
*ماذا كانت أهم أولوياتكم حينها؟
-الأمن كان أوليتنا الأولى والمحافظة على المواقع التي لم تدخلها المليشيا,وناشدنا المواطنين لتأمين احياءهم وإنارة شوارعهم وعمل رباط ليلي, وساهمنا معهم في تتريس كل الشوارع بتحريك اللودرات والعربات, ودفع الأهالي أموال الوقود بمشاركة فاعلة من الشباب ، وفعلا تم ذلك وكان أحد انجع السبل في الحفاظ على سلامة مناطق كرري, واستمر هذا الحال قرابة الشهرين ،وكان من أولوياتنا تحدي توفير المياه للمواطنين لأنها عصب الحياة ولا ننسى أن مصادر المياه بالخرطوم خرجت منها خدمة المحطات النيلية وتبقت لنا في أمدرمان محطات المنارة والقمائر وبيت المال ،والامداد المائي كان مستقر بشكل جيد ، قما قمنا بصيانة عدد كبير من الآبار حتى لا يتأثر الإمداد المائي بتوقف المحطات ، كما فعلنا خدمة توصيل المياه للمناطق المتأزمة عبر التناكر، الأمر الثالث كان تحدي توفير الكهرباء, لأن خدمة المياه لا تنفصل عن توفر التيار الكهربائي ، تعرضت الكهرباء لإستهداف كبير برغم ذلك كانت مستقرة ومحافظة، العديد من الأتيام بذلت في ذلك الوقت جهودا جبارة في صيانة الأعطال ، الخدمة العلاجية وتقديمها للمواطنين كانت تحدي رابع من تحديات وأولويات عمل الولاية في ذلك الوقت, وكلما نشطت العمليات اكتظت المستشفيات بالجرحى والمصابين وخروج المؤسسات الطبية النظامية خلق عبء على المرافق المدنية ـ ولسد الفجوة الكبيرة توسعنا في المراكز الصحية الفرعية توسع أفقي ورأسي ، وفي هذا الإطار لابد أن نذكر مستشفى النو التي صمدت طوال أشهر وتعرضت للقصف المباشر عدة مرات، وأنا في كل تلك المحاور الخدمية أحيي الكوادر العاملة في القطاعات المختلفة والمتطوعين فقد قدموا نموذج مبهر للتضحية والفداء وقدموا شهداء ومصابين وأسرى ربنا يتقبل منهم جميعا, والتحدي الآخيرهو المحور الإنساني, الحرب أفرزت واقع حياتي جديد يتصل بالبحث عن المأوى والغذاء ، ولتوفير ذلك إنتشرت مراكز الإيواء بالمدراس والمرافق العامة, وسارعت أجهزة ولاية الخرطوم بالتدخل في حلحلة كل الصعوبات التي تقابل هولاء المواطنين ومنذ البداية اعتقد أن محور المساعدات الإنسانية من المحاور المهمة ولا تزال مساعي الحكومة ماضية فيه بالمزيد من التركيز وبذل الجهود ومعظم ما يرد إلينا من مساعدات نوجهه لمراكز الإيواء.
*لاحظنا من خلال وجودنا في أمدرمان إنتشارالعديد من (التكايا) التي توفر الوجبات للمواطنين, حدثنا عن ذلك ؟
-برزت جوانب مشرقة في مسألة تقديم الغذاء, بعض السودانيين أنشأوا (التكايا) وهي موروث سوداني قديم مرتبط بالمجمعات الدينية والخلاوي وبيت الضيافة والمسايد والزوايا ومنازل القيادات الأهلية ، الآن في وقت الحرب تم بعث هذه العادة والقيمة التكافلية من جديد . والأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش أشار في حديث له إلى (التكايا) وقال هذه واحدة من الجهود التي خففت آثار الجرب على المواطنين في السودان وهذه شهادة من مسؤول أممي مؤسساته ظلت تبحث عن الزرائع لإثبات وجود مجاعة.
*لكن برغم ذلك هناك حديث عن فجوات غذائية ؟
-نعم صحيح وهذه الفجوة لم تكن بسبب نقص الغذاء على الإطلاق ولكنها كانت بسبب نقص المال, جميع مداخرات المواطنين الذين يعانون من هذه الفجوة نهبت بيد المليشيا وضعفت قوتهم الشرائية، وكذلك تعطلت أعمالهم ، وايضا هناك العفة المشهور بها السودانيين التي تمنعهم من الطلب والتسول.
*ماهي مصادر المساعدات التي تصلكم بالنسبة للمتضررين من الحرب ؟
-لدينا مصدرين هما المنظمات التي تقدم الكثير من المساعدات وهولاء يستحقون الشكر والتقدير, وهناك مصدر الأهالي وأهل البر والإحسان من داخل وخارج السودان.
*إذن المال هو العامل الحاسم، لأي مدى الحكومة المركزية نجحت في تقديم تمويل مريح للصرف على هذه الشؤون ؟
-نعم هذا الجانب المهم ، كان سببا في قلة كفاءة عمل أجهزة الولاية وما تقدمه من خدمات للمواطنين ، لأن الحكومة الإتحادية تمر بظروف صعبة جدا نحن نعلمها، ولاية الخرطوم كانت تغطي 60% من موارد الحكومة الإتحادية وخرجت كلية عن دورة الموارد القومية، تلتها بالخروج ولاية الجزيرة التي كانت داعم أساسي لموازنة الدولة لكن برغم ذلك هناك مال طواري محفوظ للولاية وهو لا يمكن من تلبية تغطية حجم الاحتياجات ، فعدم وجود المال الكافي أحد العقبات الأساسية.
*هناك شي مهم متصل بالمساعدات الإنسانية وتوزيعها ، ونفس الأمر يتصل بالمال وما يحتاجه لضبط إداري ومالي ومتابعة حتى لا ينصرف إلى اتجهات أخرى رغم صعوبات توفيره ؟
-نحن رفعنا شعار الشفافية في التعامل مع المساعدات الإنسانية ، تبدأ هذه الشفافية من تحديد الجهة مقدمة المساعدات, تتواصل معنا عبرالمفوضية الإتحادية أو وزارة التنمية الاجتماعية, تبدأ المرحلة الأولى بمعرفة الكميات المخصصة ووسيلة الترحيل والمرافقين لها ، في الخطوة الثانية نبدأ اجراءات في الولاية لجنة تنسيق بين التنمية الاجتماعية ومفوضية العون الإنساني والمديرين التنفيذيين, وقبل وصول المعينات نحدد مناطق التوزيع والجهات المستهدفة على أن يكون التوزيع بعدالة حسب الكثافة السكانية وحسب وجود الناس ، ومتفقين على إعطاء الأولوية لمراكز الإيواء وبعض (التكايا) وللمؤسسات كالمستشفيات ، ولدينا مخازن نفرغ فيها المحتويات ويتم توزيعها للمندوبين ، هناك رقابة عبرلجنة ممثل فيها القوات النظامية وممثلي الأهالي ، والوحدة الإدراية التي تتبع لها منطقة التوزيع ,لأن الحديث على عدم عدالة التوزيع كثر وهو أمر مخذي لذلك تجدنا أحرص ما نكون في سد كل الثغرات في هذا الأمر.
*هناك شكاوى من عدم وصول اي مساعدات للعديد من المستحقين ( من الحرب ما ادونا حاجة وما شفنا حاجة )؟
-اشكالية ذلك تتصل بعدم تناسب كميات المساعدات مع العدد الذي يحتاج إلى الدعم والعون والمساعدات ، المناطق الآمنة الآن بها تقريبا 2 مليون مواطن, وكميات المساعدات لا تكفي هذا العدد ولا نصفه، الشفافية موجودة.