السودان.. هل يصبح نمر أفريقيا القادم؟(1)

  • يجب محاربة المفسدين حتى يتفرغ الشرفاء لنهضة الوطن
  • على الحكومة القادمة إستئصال هذه الآفة التي ظلت تنخر في جسد الأمة السودانية

تحقيق : التاج عثمان
الحرب الدائرة في السودان لديها وجه خفي فهي كما يؤكد خبراء الإستراتيجيات حرب إقتصادية في المقام الأول غذتها أطماع بعض الدول في خيرات السودان الكثيرة والمتنوعة والتي فشلت كل الحكومات الوطنية المتعاقبة في إستغلالها والواقع الراهن للسودان دليل ساطع على ذلك.. وبعد إنتهاء القتال البعض يراهن الفرصة لا تزال مواتية ومتاحة لنهضة بلدنا والتي يرشحها البعض بان تصبح من الدول المتقدمة في كافة المجالات.. التحقيق التالي يستصحب بعض نماذج لدول نهضت من العدم ويجيب على سؤال في غاية الأهمية وهو: هل يصبح السودان نمر أفريقيا الأول؟
درس من عامل:
سأل أحد الإقتصاديين العرب عاملا ماليزيا بسيطا عن سر المعجزة التي حققتها بلاده، فأجاب:”طلبت منا حكومتنا العمل لثمان ساعات في اليوم فعملنا ساعتين إضافيتين كل يوم بدون أجر إضافي حبا للوطن.. فالساعتين الإضافيتين كانتا تطوعا من العمال لقناعتنا ان إقتطاعهما من أوقات راحتنا سيأتي بالخير على مستقبل وطننا ومستقبل أبنائنا
هناك دولا عديدة نالت إستقلالها بعد السودان بسنوات عديدة لكنها للأسف سبقتنا في كل شيء وأصبحت من الدول التي يشار إليها بالبنان وإحتلت مرتبة متقدمة بين دول العالم الحديث، كنموذج حي وعملي على ذلك (ماليزيا)، والتي تعد الدولة المسلمة الوحيدة بين مجموعة نمور آسيا، ويقوم إقتصادها على التنوع.. فإستنادا على تقرير للتنمية البشرية صادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لأهم 30 دولة مصدرة للتقنية العالية، جاءت ماليزيا في المرتبة التاسعة عالميا، متفوقة بذلك على كل من إيطاليا والسويد والصين.. وأصبحت في طليعة الدول التي يطلق عليها (نمور آسيا).. ولكن كيف بلغت ماليزيا هذه النهضة خلال 10 سنوات فقط؟.. باحثون إقتصاديون عالميون مهتمون بالشأن الماليزي، يعزون ذلك إلى
إهتمام السلطة الماليزية بالمواطن الماليزي، حيث أدى ذلك الإهتمام إلى تبادل مشاعر الإحترام مع السلطة، فالحكومة الماليزية تشرك المواطنين في نقاش دوري حول القضايا الإقتصادية عبر مجالس خصصت لهذا الغرض، ولذلك فالمواطن الماليزي يشعر دائما بأنه هو المستهدف من عملية التنمية، وبالتالي أصبح لديه قناعة راسخة ان نهضة بلاده تقوم وتعتمد في المقام الأول عليه كفرد قبل كل شئ
النمر الأسيوي:
كتاب: (الكفاح المستمر من أجل ماليزيا جديدة)، لمؤلفه مهاتير محمد وهو أصلا طبيب، ورئيس الوزراء الأسبق والذي قاد ثورة صناعية وعلمية جديدة في بلاده، وتمكن من تصنيع اول سيارة ماليزية، وأثر على المشهد السياسي في بلاده، وكافح لتوجيه بلاده بعيدا عن الديناميكيات السياسية المدمرة التي غزت الفساد والإنقسام في ماليزيا لفترة طويلة.. فقبل توليه السلطة بنحو 11 عاما أصدر مهاتير محمد كتابا بعنوان: (معضلة ملايو)، إنتقد فيه بشده شعب الملايو المكون للشعب الماليزي وإتهمهم بالكسل والرضا بان تظل بلادهم دولة زراعية متخلفة رغم توفر الإمكانات للتقدم والإزدهار، وهذا ما يحدث تماما الان في السودان الذي ظل ولا يزال يعتمد على الزراعة
مهاتير طبيب جراح قبل ان يكون سياسيا حاذقا، نجح في إنتشال شعبه وبلادة من التخلف إلى الرفاهية، فقد كان الماليزيون يعيشون في الغابات، وكان متوسط دخل الفرد أقل من 1000 دولار سنويا، وكان سياسيا بارعا ماهرا في مرواغة حكومة السياسيين ونجح في تحويل بلاده خلال عقدين فقط من الزمن من دولة زراعية إلى دولة صناعية، ولذلك لُقب بـ(النمر الاسيوي)، والجراح الذي داوى جراح ماليزيا بتجربته المهاتيرية.. وعلينا في السودان وحتى نصبح نمر افريقيا الأول الإقتداء بهذه التجربة المهاتيرية، والتي قامت على منح الأولوية للتعليم والبحث العلمي، والإهتمام بمحو الامية وتتعلم اللغات، والتدريب والتأهيل الحرفي والمهني بإرسال نخبة من الطلبة الماليزيين للدراسة في الجامعات الأجنبية، ووفر الإنترنت في المدارس الماليزية، وادخل الحاسب الآلي في كل ماليزيا، وأنشأ مدارس ذكية تعتمد على مواد دراسية تساعد طلابها على تطوير مهاراتهم بمواد متخصصة في شبكات الإتصال وأنظمة التصنيع، حيث أنشأ اكثر من 400 معهد وكلية جامعية خاصة، وتقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات والقطاع الخاص، وفي عهده تحولت ماليزيا من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية مثل القصدير والمطاط إلى دولة صناعية، فادخل أكثر من 15 الف مشروع صناعي، وقام بإستقطاب إستثمارات أجنبية كثيرة، وإستطاع خلال 22 عاما ان يحقق طفرة صناعية لبلاده، حيث إرتفع الإحتياطي النقدي في ماليزيا من 3 مليارات إلى 98 مليارا، ووصل حجم الصادرات الماليزية على 200 مليار دولار، واصبح قطاع الصناعة والخدمات يساهمان بقرابة 90 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والنتيجة كانت مذهلة حيث إنخفضت نسبة السكان تحت خط الفقر عام 2002 من 52 في المائة إلى 5 في المائة فقط، وإرتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1200 دولار في عام 1970 إلى 9000 دولار عام 2002 وإنخفضت نسبة البطالة إلى 3 في المائة.. كل هذه النجاحات ترجع لتبني مهاتير مجموعة من السياسات اتاحت لماليزيا ان تصبح البنية المثالية للإستثمار في منطقة جنوب آسيا، وذلك حسب دراسات البنك الدولي، بعد ان شدد على رفضه الإستدانة من البنك الدولي لحل الأزمة الاقتصادية والتي عصفت وقتها بإقتصاد دول شرق آسيا نتيجة المضاربة في العملة، كما يحدث لدينا الان في السودان والتي تعد احد عوامل دمار إقتصادنا الوطني بواسطة تجار ومافيا العملات الحرة، والذين وصفهم مهاتير محمد في بداية عهده: “ما يقوم به تجار العملة ليس تجارة وإنما تحكم في السوق والسياسة الماليزية
نموذج مهاتير:
نموذج مهاتير محمد يدعو للتأمل في تجربته الرائدة التي بدأت بتمرده امام قادة حزبه الذين دمروا الأخضر واليابس في وقت عصيب كانت تعاني منه ماليزيا.. وبعد غياب 15 عاما من السلطة عاد مهاتير إلى قيادة ماليزيا مرة أخرى ليستكمل خطته عام 2020، وبدأ عمله رافعا شعار محاربة الفساد عازما على إصلاح أخطا الحكومة السابقة التي تراسها نجيب عبد الرزاق، فبعد يومين فقط من تنصيبه رسميا أدرجت السلطات الماليزية رئيس الوزراء الماليزي السابق نجيب عبد الرزاق وزوجته في قائمة الممنوعين من السفر إثر تحقيقات معه وزوجته وبعض اقاربه بتهم الفساد وتلقي رشاوي خارجية، منها 681 مليون دولار من إحدى الأسر العربية الملكية والتي أرسلت في حساباته المصرفية
الحلقة القادمة:
الإستثمار في البشر رأس الرمح لنهضة السودانــ دول عديدة نالت إستقلالها بعد السودان بسنوات عديدة لكنها للأسف سبقتنا في كل شيء
هل يتحول السودان إلى نمر افريقيا الأول من خلال المدارس والكليات التكنلوجية والفنية؟