
مؤسسات الدولة قبل مؤسسات مؤسسات النظام
بعد .. و .. مسافة
مصطفى ابوالعزائم
*سبق لصاحبكم أن نشر مقالاً تحت عنوان ( بنادق ليست للإيجار) وكان قد تضمن إشادة واضحة بمواقف حركة العدل والمساواة السودانية ، فتصدّى للمقال في إثنتين من مجموعات (الواتساب) التي تضُمُ عدداً من أهل السياسة والصحافة إلى جانب عددٍ من منسوبي الحركات المسلحة ، بأن قام بنشر مقالٍ لصاحبكم تمّ نشره في العام 2012 م، وفيه إنتقاد لذات الحركة على مواقف سابقة، في محاولة لإحراج صاحبكم كاتب المقال، فرددتُ عليه فوراً، بأن مواقف حركة العدل والمساواة السودانية الأخيرة ، من القضايا الأساسية والكبرى في منبر جوبا للسلام ، تستوجب الإشادة بها لأنها وقفت ضد تفكيك مؤسسات الدولة، بإسم تفكيك النظام ، وذلك يتمثّل في ما يسمّى بإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية ، من جيش وشرطة وأجهزة أمن، ثُمّ أرسلت لمن قام بذلك الفعل الخبيث، بفيديو لإحدى اللقاءات التلفزيونية معه أواخر أيام الإنقاذ وهو يحاول إقناع مقدمة الفقرة الإخبارية في تلك الفضائية العربية، بأن الرئيس السابق عمر البشير باقٍ في منصبه من خلال ثلاثة خيارات، من بينها قيادته لإنقلاب يقصي من خلاله مناوئيه، ورافضي التجديد له لولاية رئاسية جديدة ، وقد كانت تلك قراءة الرجل للمشهد وقتها، رغم أن الجميع كان قد أيقن بأن النظام قد أوشك على السقوط بسبب عوامل كثيرة لا أعرف كيف فات على الرجل إدراكها، وقد كان من المقربين لعدد من قيادات الحزب الحاكم وقتها، بل كان سعيداً بإختياره ضمن منظومته الشبابية.
*لا يهمنا الآن إن أراد صاحب المداخلة تلك أن يبدو ثورياً، بعد أن تغيّر النظام السابق، أو لا، لكن قُصْر النظر السياسي دائماً ما يكون مشكلةً أمام الوصول لنتائج واقعية أو قريبة حتى من الواقع، لذلك طالبني كثير من الزملاء في مداخلات خاصة أو عبر محادثات هاتفية أن أرد عليه ردّاً مُفحِماً، بينما طالبني زملاء عقلاء ألّا أنجرّ إلى معركة تضيّع الوقت والجهد، في ما لا طائل منه خاصةً وأن صاحب تلك المداخلة إلتزمّ الصمت بعد أن جاءه الرّدُ منطقياً هادئاً ، هو وآخر ممن يبحثون لهم عن موقع في بلاط صاحبة الجلالة … ما علينا.
*رأينا أن نعود لموضوعنا الرئيس، وهو تفكيك مؤسسات الدولة بإسم تفكيك النظام، وإعادة هيكلة المؤسسات العسكرية من جيش وشرطة وأجهزة أمن وغيرها، فالجيش السوداني فوق كل هذه الجهات التي تعمل على تفكيكه، وكذلك الشرطة وأجهزة الأمن، إذ أنه من الممكن إعادة النظر في طريقة الإلتحاق بها بعيداً عن المحاصصات الحزبية والسياسية، بعيداً عن الجهويات والمناطقيّات مثلما يحاول البعض أن يفعل الآن، ولنا تجربة سابقة وقاسية، عقب إنتفاضة أبريل عام 1985 م، عندما إستجاب المجلس العسكري الإنتقالي برئاسة الراحل المقيم، المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب، رحمه الله ، لضغوط بعض القوى السياسية المعارضة و الرافضة لحكم الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ، رحمه الله ، فأصدر المجلس العسكري بعد أقل من أربعٍ وعشرين ساعة من إستيلائه على السلطة، قراره الخطير بحل جهاز أمن الدولة، بل قام بخطواتٍ أوسع من ذلك وأكبر، بأن أصدر أوامره بمحاصرة مباني الجهاز بقوةٍ من سلاح المظلّات عند العاشرة من صبيحة يوم الإثنين السابع من أبريل، وإستدعاء كُلّ الضباط للمشاركة في إجتماع داخل مباني الجهاز، ليتم إعتقالهم الواحد تلو الاخر، ويتمّ نقلهم إلى سجن كوبر وسط هيجان شعبي تحركه أيدي بعض الساسة ، مع شعارات ثورية تُندِّد بجهاز أمن نميري كما أسموه وقتذاك، وكُنت وقتها صحفيّاً شابّاً نشِطاً متأثراً بما حولي، وقد بحثتُ كثيراً لمعرفة التفاصيل والتداعيات ، وإلتقيت بالعميد – وقتها – الهادي بشرى، داخل مباني وزارة الداخلية ، لأسأله عن التفاصيل ومجريات تنفيذ قرار الحل والتصفية ، لكنه صدمني بأن إمتنع عن الإجابة على أي سؤال ، وقال لي بغلظةٍ غير معهودة فيه : (إنت عايزني أديك أسرار الدولة يعني ؟) لا زلت أذكر ذلك الموقف تماماً مثلما لا زال سعادة اللواء الهادي بشرى يذكره تماماً
*ومع ذلك تمّ حل وتصفية جهاز أمن الدولة وإنكشفت وتكشّفت أسرار عظيمة الخطر، وصارت المعلومات السرية المرتبطة بأمن الدولة عرضة للبيع في (سوق الله أكبر ) كما نقول ، وهذه نحاول أن نُفصِّل فيها في وقت لاحق بإذن الله تعالى