الإذاعة السودانية (هنا أم درمان يا مرحي) 2 _ 2

عبير الأمكنة:

 

*في هنا أم درمان ثوابت لاتتغير منها شعارات برامج [لسان العرب وحقيبة الفن ومختارات الأحد وعالم الرياضة والساعة والمستمع وربوع السودان فترة المنوعات في رمضان]*

 

*في أيام الزمن الجميل كانت صينية الغداء في كل السودان توضع مع دقات نشرة الساعة الثانية والنصف ظهرا* !!!

 

*ما قدمته وتقدمه الإذاعة السودانية يمثل حقلا علميا بحثيا لطلاب الدراسات العليا في كل المجالات وهاكم الدليل..*

 

*هل تذكرون بماذا اشتهرت بعض الأصوات النسائية المعتقة: (ليلي المغربي) (صفاء محمد حرك) و(إسراء زين العابدين) و(نجاة كبيدة) و(سارة محمد عبدالله)*

 

*معاوية محمد**

 

*مدراء (مدراء بمعني الكلمة):*

في الحلقة الماضية ذكرت قائمة المدراء الذين تعاقبوا على الإذاعة السودانية منذ سنة التأسيس على أيام الاستعمار الانجليزي مرورا بالسودنة وأيام الحكم الوطني حتى يوم الناس هذا، ولكن السمة الغالبة عليهم وبرغم تباين مشاربهم الثقافية والاجتماعية والظروف السياسية التي جاءت بهم، الا أنهم كلهم مهنيون اعطوا المهنة حقها باقتدار وحافظوا على ثوابت البرمجة الإذاعة وعلى خطتها الاستراتيجية التي تقوم على وظائف الإعلام بشكلها المعلوم والمعروف [ أنباء وأخبار وتعليم وتوجيه وترفيه]، وذلك عبر ثوابت محددة ترتبط بالزمن المحدد للبرمجة والتوقيت، وزمن الحلقة وساعتها بل وشعارها ومقدمها ومعدها ومخرجها، ولايتم الخروج على الثوابت الا لضرورة تفرضها ضروريات موضوعية،

ويمكن لي أن اجرؤ على القول بأن كل المدراء الذين تعاقبوا على الإذاعة السودانية كان كلا منهم نسيجا وحده أدى أدواره وفق الظروف المحيطة به باقتدار..

*الثوابت [ثوابت لاتتغير]*

من الثوابت الراسخة في الإذاعة السودانية الالتزام الصارم بشعارات البرامج والتي لاتتغير، وكذلك الثوابت المتعلقة بأزمان وتوقيتات البث، انظر مثلا شعار برنامج (لسان العرب) وهو من البرامج المسجلة والمستمرة لأكثر من خمسين عاما يقدمه الأستاذ المرحوم (فراج الطيب)، فالشعار ظل ثابتا لم يتغير وهو بصوت المذيع عبدالكريم قباني والمذيعة عفاف صفوت والآية الكريمة [لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين] وكذلك من الثوابت شعار برنامج عالم الرياضة [الموسيقي والزمن] و[طريقة تقديم الفقرات] ومن اللافت أن البرنامج يشمل كل الأنشطة الرياضية برغم التركيز على كرة القدم، ولكن يعتمد على الانتشار الأفقي (ولايات محليات مدن مناطق أحياء وفرقان) ومن الملفت أن البرنامج يعتمد شبكة مراسلين من كل الأنحاء في السودان، وكذلك من الثوابت التي لم تتغير شعار فترة المنوعات خلال شهر رمضان المعظم والتي تمتد من الواحدة ظهرا حتى السابعة مساء تتخللها نشرات أخبارية على رأس كل ساعة ومسلسلات ومسابقات وإعلانات تتضمن شروط الرعاية والدعاية للجهات الراعية لبرامج الشهر الفضيل، وكذلك من الثوابت التي لاتتغير شعارات برنامج مختارات الأحد وبرنامج حقيبة الفن بالرمية المشهورة لأولاد شمبات [جلسنا شوف يا حلاتك فرز في ناصلاتن قالن لي جن هوي حبابن يا الله لي الحبايب حبابن]..

ومن اللافت أن هذا الشعار لبرامج حقيبة الفن قد تم استبداله برمية للعبادي [جدي العزاز الجيدو قزاز]، ولكن سرعان ما عاد الشعار القديم بعد احتجاجات مستمعي حقيبة الفن، والمعلوم أن أولاد شمبات هما عوض مصطفى وداعة الله وإبراهيم محمد حسين ولهما أغنيات كثيرة منها (بقعة الآمال) و(قلبي زمان) و(يا رشا ياكحيل) و(غيث هواك سباني) ويا (ليل ابقالي شاهد).. وغيرها..

كذلك من الثوابت أن شعار برنامج ربوع السودان والذي ظل بصوت الفنان أحمد عمر الرباطابي (من أم در يا ربوع سوداننا)

*أصوات نسائية مشهورة*

الإذاعة السودانية ومنذ سنوات التأسيس اهتمت اهتماما بالغا بالمرأة السودانية، فكانت محورا أساسيا من محاورها من خلال البرامج المستهدفة بالمرأة بشكل منفصل أو من خلال بقية البرامج التي تشكل المرأة الركيزة الأهم فيها، فكانت هناك برامج خاصة بالمرأة وهناك برامج تشكل فيها المرأة عنصرا أساسيا ومن المهم أن نذكر أن رائدات الحركة النسوية في السودان من أمثال الأستاذة فاطمة أحمد آبراهيم وسعاد الفاتح البدوي ونفسية احمد الأمين وفاطمة عبدالمحمود وثريا أمبابي وآمال عباس العجب وآمال سراج وآمال مينا قد شكلن حضورا منذ عقد الخمسينات الماضي في الإذاعة السودانية تقديما أو استضافة في بعض برامجها..

أما علي صعيد العمل بالإذاعة فقد حظيت المرأة السودانية بحظ وافر من الإذاعيات نذكر منهن على سبيل المثال لا الحصر (سهام المغربي) (سنية المغربي) و(ليلي المغربي) و(هيام المغربي) والبروفسور (الرضية آدم) “حبوبة كلثوم” بركن الاطفال و(نجاة كبيدة) (شادية خليفة) (إسراء زين العابدين) (نايلة ميرغني العمرابي) (محاسن سيف الدين) (سعاد أبوعاقلة) (صفاء محمد حرك) (إحسان عبد المتعال) (حنان حسب الرسول) (نادية إسحق عبدالرسول) (سوسن علي تاور) (نبيلة عبدالله) و(سارة محمد عبدالله) وغيرهن.. ومن الملفت أن الإذاعيات السودانيات لهن بصمات واضحة، ليلي المغربي اشتهرت ببرامج المنوعات والتي تتناسب مع صوتها (يا صوتها لما سرى عبر الأسير معطرا) كما قال فيها الراحل الشاعر محمد يوسف موسى و(نجاة كبيدة) صوتها المعتق يتسق مع البرامج الإخبارية والسياسية وقد اشتهرت بعبارة شهيرة في نشرات الأخبار التي تذيعها: [السامع الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومتعكم الله بالصحة والعافية]، وإسراء زين العابدين اشتهرت ببرامج المنوعات وقد شكلت مع المذيع محمد عبدالكريم عبدالله ثنائية، ولكنها اشتهرت بصورة أكثر ببرنامج عيادة على الهواء الذي يقدم مساء كل خميس، وقد استفادت قطاعات واسعة من المستمعين من خدماته الاستشارية، ومن الأصوات الاذاعية التي غيبها الموت مبكرا الاذاعية صفاء محمد حرك التي شكلت ثنائية مع زوجها الاستاذ محمد عبدالكريم المجذوب في البرامج الدينية، خاصة برنامج (أنوار) والذي توقف منذ فترة ليست بالقصيرة، ومن الإذاعيات سارة محمد عبدالله (الصباح رباح) والتي استطاعت باقتدار أن تنقل هموم المجتمع السوداني كما وضعها الأستاذ إبراهيم البزعي في إعداده لبرنامج الصباح رباح بلغة [السهل الممتنع] ترافقه تحيات وسلامات بكل اللهجات السودانية..

*الإذاعة حقل علمي وبحثي* :

في تقديري لو بحثنا في مكتبات الدراسات العليا في الجامعات السودانية وكليات الإعلام وغيرها سنجد الكثير من البحوث والدراسات عن الإذاعة السودانية، وتقديري أن الإذاعة السودانية يمكن أن تشكل حقلا علميا وبحثيا ليس علي صعيد كليات الإعلام بل كل الكليات النظرية في علم التاريخ والاجتماع ودراسات السلام وفض النزاعات والقانون وحقوق الإنسان والتربية والمناهج. وفي تقديري أن كتاب البروف علي محمد شمو شاع الدين [تجربتي مع الاذاعة] يمثل مرجعية مهمة للعمل الإذاعي لأنه يعكس بصدق تجربة أكثر من ستين عاما مع الشأن الإعلامي خاصة الاذاعة، وكتاب البروف علي شمو يزاوج بين المعرفة العلمية والتجربة العملية الطويلة..

أيضا هناك كتاب للبروف عوض إبراهيم عوض [الإذاعة السودانية في نصف قرن]،أيضا فيه كثير من المعلومات المفيدة التي تفيد القارئ والباحثين..

*صينية الغداء ونشرة الثانية والنصف* :

من الثوابت المعلومة على أيام سودان الزمن الجميل كانت صينية الغداء التي تحتوي على ملاحين، (مطبوخ) و(مفروك)و (سلطة خضراء) و(سلطة أسود) و(كسرة) و(رغيف) وأحيانا تحلية (كاستر) أو (أنناس) أو (بطيخة) و(موز)، وفي حالة وجود ضيوف (صحن شية) و(مكرونة بالجبنة) أو (اللحمة المفرومة)، كل ذلك يكون مضبوطا على ساعة الاجتماع اليومي للأسر السودانية وهي الساعة الثانية والنصف وهو الموعد المحددة للنشرة الإخبارية المهمة (تحولت الآن للثالثة نشرة موجزة والرابعة عرض إخباري) .. هذا الموعد كان من ثوابت المجتمع السوداني في كل أنحاء السودان مع مراعاة فروق الوقت في بعض الجهات التي تشرق وتغيب فيها الشمس، فمع نشرة الساعة الثانية توضع صينية غداء (سودان الزمن الجميل) وتضبط مع إشارات ضبط الوقت نشرة الساعة الثانية والنصف بالاذاعة السودانية، وهذا التوقيت بالذات كان سببا في نجاح انقلاب الرائد المرحوم هاشم العطا الذي حدد ساعة صفر تنفيذ انقلاب 19يوليو1971م الساعة الثانية والنصف ظهر الاثنين).