
طوفان الأقصى.. إرادة الحياة إذ تسقط التطبيع
عادل الحامدي
*لا صوت يعلو على صوت فلسطين في عام الطوفان، الذي حصدت فيه آلة العدوان الصهيوني الهمجي عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، ودمرت فيه البنية التحتية بشكل شبه كامل في قطاع غزة، وأحالته إلى مكان غير صالح للعيش.. ومع ذلك لم نسمع من أحد من الفلسطينيين ممن هم تحت القصف أنه رفع الراية البيضاء، واختار الهجرة والهروب من الأرض.
*أشهر عجاف عاشها الفلسطينيون في غزة ولازالوا من دون أن يجدوا من أشقائهم العرب والمسلمين ما يستحقون من تضامن وإسناد يوقف المجازر في حده الأدنى وينتصر للحقوق وللعدالة والدولية.
*لكل من الأطراف العربية عذره تجاه فلسطين، بعد أن أحال خصوم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أحلام الربيع العربي الذي انطلق أواخر العام 2010 من قلب تونس الخضراء في المغرب الأدنى قبل أن يمتد لكل ربوع العالم العربي، حيث انخرط الجميع في معارك البناء الديمقراطي وهم يواجهون طواحين الردة بأثمان باهظة.
*لا أحد من الفلسطينيين طلب من العرب والمسلمين ولا حتى من العالم أن يقاتل الاحتلال بدلا منه، ولكنهم ناشدوا العالم أن ينحاز إلى القانون والعدالة الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وخاض الفلسطينيون ولازالوا يخوضون معركة مصيرية تحكموا في مختلف مفاصلها على الرغم من عدم تكافؤ القوة بين محتل مدعوم من أكبر دول العالم، وبين شعب يعيش تحت الاحتلال لنحو ثمانية عقود متتالية، بل ويعيش تحت حصار مطبق لنحو عقدين من الزمن.
*لم يقل أحد أن معركة الطوفان التي انطلقت في تشرين أول / أكتوبر من العام الماضي، ستكون معركة فاصلة ونهائية مع الاحتلال، ولكن المؤكد أنها محطة مهمة في تغيير موازين القوة بين محتل خال أنه يمتلك قوة لا تقهر، وبين شعب أثبت ما دونه المؤرخون وعلماء الاجتماع بأن كل احتلال إلى زوال وإن طال أمده..
*ومع أن الحرب العدوانية التي يشنها الاحتلال ضد قطاع غزة والآن في الضفة والقدس، لم تهدأ، فإن ذلك لم يكن ليقنع أحدا من الأطراف العربية التي سبق أن وطبعت علاقاتها مع الاحتلال، والتي يعتبر السودان للأسف الشديد واحد منها، أن ترفع ورقة تجميد علاقات التطبيع أو حتى لمحت للتهديد بذلك.. وهي رسالة سلبية رآها الاحتلال علامة ضعف عربي تمكنه من عزل الفلسطينيين والاستفراد بهم، وفهمها الفلسطينيون على قاعدة لا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وتوجهوا للشعوب العربية بأن تساندهم بالتظاهر العلني والإسناد المعنوي والمادي في حدها الأقصى وبالدعاء في حده الأدنى..
*سيقول السودانيون بأن تطبيعهم مع الاحتلال واستقبالهم لوزير خارجيته في عاصمة اللاءات الثلاث ربيع العام الماضي، لم يكن ليحدث لولا التآمر الإقليمي على أمن وسلامة سلة غذاء العالم العربي، وسيقول آخرون إن تطبيع السودان لعلاقاته مع الاحتلال لم يكن تطبيعا مكتمل الأركان، وهو ما يفسر اندلاع الحرب الأهلية في ظاهرها منتصف نيسان من العام الماضي بدعم من أطراف إقليمية ودولية معروف علاقاتها الوطيدة بالكيان الغاصب.
*والآن لم يعد أحد من العرب والفلسطينيين ينتظر موقفا من الأنظمة العربية الرسمية المطبعة بوقف هذه العلاقات وإعادة النظر فيها، لأنها علاقات سقطت على الأرض، ولم يعد أحد من العرب بما في ذلك الأنطمة الموقعة نفسها، تؤمن بإمكانية الاطمئنان إلى إقامة علاقات مع كيان غاصب مجرم ومتهم بالإبادة الجماعية من محكمة العدل الدولية وقادته مطلوبون من طرف الجنائية الدولية.
*ولم يقف الأمر عند استهداف الفلسطينيين وحدهم، بل وحتى التضحية بأسرى الاحتلال لدى المقاومة الفلسطينية في سبيل تكريس منطق الغلبة والقهر والظلم الذي قام عليه الاحتلال قبل قرن من الزمان..
*لقد أعفى الفلسطينيون بدمائهم الزكية العرب والمسلمين من واجب الدفاع عن الأقصى، مسرى رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وأكدوا للعالم أن إرادة الحياة أقوى سلاح لمواجهة الاحتلال والاستبداد معا..