صورة قلمية .. عبدالقادر سالم.. ملك المردوم
بالله شوف
يحاول رسمها/ خليفة حسن بلة
(1)
عبدالقادر سالم كأن بين صوته وأسماع مستمعيه من كل الدنيا عقد واجب النفاذ .. تنص بنوده على الصوت أن يطلق حباله بغناء أصيل وعلى الأسماع الإنصات.. الإندهاش.. والطرب .. ولأصحابها مطلق الحرية في اختيار طريقة التعبير عن طربهم..
(2)
أغنياته وجدت لها مكانا في وجدان الناس .. فقد جاءت مثلما تقول أغنيته (جيناكي زي وزين) لتجد إيقاعات كردفان الكبرى حظها في مسامع الناس ..
فالرجل مولود في عز جنوب كردفان مدينة الدلنج.. مدينة تحيطها الجبال
فتكسوها هيبة ويرسم عليها الخريف جل شهور السنة لوحة من خضرة وندى..وتكتمل بابتسامات أهلها البيضاء وقلوبهم الناصعة البياض.. 1946م كان ميلاده هناك و1964م كان ميلاده الفني في فرقة فنون كردفان ويالها من فرقة..
(3)
في معهد إعداد المعلمين بالدلنج تخرج معلما مكتملا.. وتم تعيينه مدرس مدرس مواد صفية واللاصفية.. ساعده في ذلك مواهب شتى.. كان يجيد حراسة المرمى في كرة القدم ولأنه يعشق الانطلاق والحرية تميّز أكثر في الكرة الطائرة والقفز العالي وهذا ما دفعه للقفز نحو فضاءات أوسع .. فكان التحاقه بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح مبعوثا من وزارة التربية والتعليم في العام 1970م الدفعة الثانية وبذا تكون وزارة التربية والتعليم قد أهدت السودان بالإضافة إلى عطاياها الجليلة فنانا بحجم الوطن..
(4)
بدأ مثل كل فنان بترديد أغنيات أمدرمان لكنه استمع إلى نصيحة الدكتور إدريس البنا يوم أن كان مديرا للاستعلامات (مالك ومال غنا الخرطوم..غني غناكم ده) فإنتبه إلى ايقاعات منطقته وغنائها فعرف أن عليه المساهمة في رفد الوجدان السوداني بنصيبه من إقليمه.. فالأغنية السودانية إنما هي جماع كل أغنيات أقاليم البلاد وإثنياته..لتصدح الموسيقى وتنصت الأسماع لـ ( اللوري حل بي) و (حليوة يا بسامة) و(الله الليموني) وعشرات من جميل ما قدم وتسهم بنصيب وافر في تشكيل وجدان هذه البلاد الودود الولود..
(4)
ولأنه مؤمن بفرادة غناء أهل السودان فقد آلى على نفسه أن يبشر به في بلاد الدنيا.. 1982م كان موعد أوروبا مع إيقاع بكر وأداء طازج لايقاعات (المردوم) و(الجراري) و (النقارة) و(التم تم) و (السيرة).. فرقصت فرنسا وسهرت برشلونة حتى الصباح.. ورددت بلكنة محببة( قدريشنا) و (المحلب الدقاقة) و (كلّم قمارينا) إنجلترا .. إسبانيا.. هولندا .. السويد .. النرويج .. بلجيكا .. سويسرا .. إيطاليا .. الدنمارك .. اليونان ..فنلندا .. آيسلندا · النمسا فحسدت كردفان على أن مكتولها هذا الفتى الأبنوسي الذي جمع متناقضين فخلق منهما جمالا آسرا صوت دافئ وإيقاع صاخب بنظام.. هذه البلاد التي تموت من البرد حيتانها توجته (ملكا للمردوم) فقد أهدى ليلهم القارس البرودة دفئا أفريقيا حميما..مثل ما فعل مع دول في أفريقيا وآسيا..
(5)
روح الفنان التواقة للبحث والمعرفة دعته لمزيد من إعمال العقل فيما يشغل القلب ..فكانت رسالته للماجستير (الغناء والموسيقى لدى قبيلة الهبانية بجنوب كردفان ) في جامعة السودان للعلوم والتكنلوجيا العام 2002م.. وبعد خمس سنوات من ذلك وفي ذات الجامعة نال الدكتوراة في (الأنماط الغنائية بإقليم كردفان ودور المؤثرات البيئية في تشكيلها).. ورفد المكتبة السودانية بمؤلفه (الغناء والموسيقى التقليدية بإقليم كردفان)..
(6)
عبد القادر سالم ..لم يكتف بكل هذا العطاء الجزيل بل قدم من جهده ووقته للمهن الموسيقية وأعضائها في مؤسساتها الرسمية ممثلة في مجلس المهن الموسيقية والتمثيلية وفي مؤسستها الأهلية اتحاد الفنانين السودانيين.. فله هنا وهناك جهد وعرق..
(7)
اعترفت له الدولة فمنحته وسام العلوم والآداب الفضي عام 1976م وجائزة الدولة التشجيعية عام 1983م.. وتبقى أنواط ونياشين وأوسمة تمنحها له قلوب أهل السودان وغيرهم من من استمعوا إلى دفق من الجمال ينبض بقلب سوداني.. فكلما انتهى مشوار استمتاعهم بأغنية تمنوا أن يمضي معهم (زولهم) ويقطع معاهم (دربا عديل) ..(رحلة عمر ومشوار طويل) .. (يمشوه في رمل الدروب في كردفان) .. فكلهم بهذا الغناء مكتول في كردفان..والتي هي السودان..