شرق الجزيرة…موسم حصاد ( القبور)
تقرير- معتز محجوب:
لم يحتمل الطفل البالغ من العمر 4 سنوات السير على اقدامه الصغيرة لأكثر من 10 ساعات وهو يهرب ويفر من قريته في منطقة شرق الجزيرة برفقة والدته فسلم روحه ومات من التعب والإرهاق بين يدي أمه ،وذكر شاهد عيان حينها :(تلك اللحظة كانت من أصعب الأوقات التي عشتها في حياتي وقمنا بدفنه في الطريق قبل أن نصل إلى البلدة التي كنا نقصدها)…بذلك المشهد ربما يتلخص لك حجم المأساة التي يعيشها الانسان في مناطق شرق الجزيرة بعد الهجمات الانتقامية التي لاتزال مليشيا الدعم السريع ترتكبها ضد المواطنين في المنطقة بعد انضمام القائد الأبرز للمليشيا في وسط السودان اللواء أبوعاقلة كيكل للجيش السوداني في العشرين من أكتوبر الماضي
ولاتزال المليشيا منذ انضمام كيكل لها وحتي اليوم تنفذ هجمات بربرية فاقت كل الحملات الانتقامية التي حدثت في تاريخ السودان القديم والجديد من لدن حملات الدفتردار وحملات الخليفة عبدالله التعايشي خلال فترة المهدية
المنع من الدفن:
ونفذت المليشيا وعناصرها عمليات قتل ممنهج وعلى أساس عرقي ومنظم للسكان فضلا عن حملات اغتصاب كبيرة ضد النساء وحتي الطفلات لم تسلم من هذه الحملات ،وقامت المليشيا بتصفية المواطنين رميا بالرصاص وذبحا بالسكاكين ،بالاضافة لعمليات تهجير قسري للسكان من مناطقهم وقراهم بعد نهب كل ممتلكاتهم وحتي اغذيتهم ،وتقوم المليشيا باجبار سكان القري بالخروج من القرى بملابسهم فقط وتمنعهم من حمل أي متعلقات شخصية .ومنعت المليشيا أهالي تلك القرى المهجرة حتى من دفن قتلاهم وأمرتهم بتركهم في الشوارع ومغادرة القرى التي هجرتها منهم.
كما قامت المليشيا باحتجاز العشرات من المدنيين في مدن اخري كما حدث في مدن الهلالية ورفاعة حيث منعت السكان والمدنيين من الخروج واحتجزتهم في مساجد تلك المدن.
ومنذ نحو 14 يوم وقت انضمام كيكل للجيش لايمضي يوما دون ان تنفذ فيه المليشيا وزبانيتها عمليات قتل السكان فيوم أمس مثلا قامت بمهاجمة قرية (قوز حماد) شرق مدينة (ود راوة) بشرق الجزيرة واعتدت بالضرب على النساء والمسنين وعملت على نهب ممتلكات المواطنين ثم أجبرتهم على مغادرة القرية فورا بحسب ما ذكر (مؤتمر الجزيرة) وهو مجموعة مختصة برصد انتهاكات المليشيا في ولاية الجزيرة.
احصائات وأرقام:
ويبلغ تعداد سكان شرق الجزيرة بحسب (مؤتمر الجزيرة) حوالي مليون نسمة بحسب احصاءات تقديرية في 2024، بينما تبلغ عدد القرى الموجودة في المنطقة حوالي 515 قرية تم تهجير نحو 400 قرية تهجير قسريا بالكامل بواسطة المليشيا ،وتعرضت 115 قرية للتهجير الجزئي.
وكشف تقرير لمؤتمر الجزيرة ان عدد السكان الذين نزحوا من شرق الجزيرة نحو ولاية نهر النيل والشمالية بلغ نحو 100 ألف نسمة ،وفر 90 ألف نسمة إلى حلفا الجديدة ،كما نزح 70 ألف إلى مدينة القضارف ،ونزح حوالي 40 ألف نسمة الى مدينة الفاو ،وفر نحو 40 ألف نسمة اخرين نحو سهول البطانة ،ووصل منطقة أبودليق أكثر من 20 ألف نازح ،ووصل ذات العدد إلى مدينة الصباغ ،ووصل نحو 30 ألف مدني لمدينة شندير ،وبلغ عدد الواصلين لمدنطقة الفردوس نحو 17 ألف نسمة ،ووصل نحو 10ألف نسمة لمدينة كسلا.
وبلغ أجمالي عدد الفارين والمهجرين قسريا من قري الجزيرة نحو 437 ألف نسمة أي ما يقارب نصف السكان ،وتمنع المليشيا الالاف من الأسر من المغادرة وتتخذهم دروع بشرية ،خوفا من هجوم الجيش السوداني ومن هجمات قوات درع البطانة والعمل الخاص.
بينما يقدر عدد قتلي مناطق شرق الجزيرة وحدها نحو 1455 قتيل والالاف من الجرحي ،كما تم توثيق 48 حالة اغتصاب للنساء والطفلات وانتحار 6 من المغتصبات.
المفقودون:
ويروي فتح الرحمن المبارك من مدينة تمبول لـ(أصداء سودانية) تفاصيل مفزعة ومرعبة لما جرى هناك في المدينة من انتهاكات على يد عناصر المليشيا من اغتصابات وقتل واختطاف وذبح لم ينجو منه حتى الأطفال.
ويكشف فتح الرحمن عن وجود مأساة جديدة تضاف لتلك المآسي في شرق الجزيرة وهي مأساة المفقودين ويؤكد ان مئات الأطفال وكبار السن تاهوا وصاروا مفقودين وتتكبد عائلاتهم المنهكة عناء إضافيا في البحث عنهم ليكشف عن وجه آخر للمآسي التي تعرض لها السكان في شرق الجزيرة.
ويحكي أحمد عبدالقادر أنه ظل مستيقظا لمدة أربع ليال متواصلة بعد أن جافاه النوم وهو يفكر في مصير نجله البكر البالغ من العمر 11 عاما والذي فقده خلال رحلة الهروب والنزوح من تمبول إلى مدينة شندي ،وتمكن من العثور عليه في اليوم الخامس بعد ان ساعدته مبادرات على منصات التواصل الاجتماعي في مسعاه.
وذكر عبدالقادر انهم تعرضوا لأبشع الهجمات من قوات المليشيا والتي مارست السلب والنهب والضرب والقتل ،ويقول بانهم خرجوا بأرجلهم ومن شدة العنف والرصاص العشوائي الذي أطلق عليهم من قبل المليشيا تفرق أفراد الأسرة الواحدة وسلكوا من الخوف طرقا مختلفة في سبيل النجاة ،وهكذا فقد غالبية السكان ذويهم وأطفالهم.
وأحصى متطوعون 108 مفقود فقط في قرية البويضاء المجاورة لمدينة تمبول .وتم الابلاغ عن عشرات المفقودين من السريحة وتمبول ورفاعة والهلالية ومختلف المناطق التي تعرضت لهجمات عنيفة من قوات المليشيا غالبيتهم من الأطفال والنساء وكبار السن ويصعب انقطاع الاتصالات في المنطقة من مهمة البحث او معرفة أي معلومة عن المفقودين.
وابلغ ادم إدريس الذي وصل منطقة الصباغ بولاية القضارف قادما من شرق الجزيرة أنهم فقدوا ثلاثة أطفال هم أبناء إخوانه وأخواته ومازالوا يبحثون عنهم .ويقول ادم بانهم لم يفكروا في وضع النزوح القاسي حيث تنعدم الخدمات الاساسية ونقص الغذاء وينصب تفكيرهم في كيفية العثور على المفقودين.ويوكد ادم على ان الكثير من الأسر التي وصلت منطقة الصباغ فقدوا افرادا من عائلاتهم في الطريق وآخرين غير متاكدين بأنهم تمكنوا من الخروج من المناطق التي هاجمتها المليشيا.
وتكونت غرف ومبادرات على منصات التواصل الإجتماعي تهدف إلى المساعدة في العثور على المفقودين عبر نشر صورهم ومعلومات أساسية عنهم، مع إرفاق تفاصيل اتصال مع ذويهم، وساعدت على الوصول إلى العديد من المفقودين
الموت بالسم:
ويضاف الموت بالسم كشكل آخر من شكل ماساة السكان في شرق الجزيرة حيث توفى العشرات من النازحين بسبب تناولهم غذاء غير صالح للاستخدام الادمي في سهول البطانة ،كما تم توثيق وفاة نحو 23 مواطنا في الهلالية وحدها في مسجد بعد تناولهم طعام مخلوط بسماد اليوريا
القتل بالذبح:
وكشف الناشط خالد العبيد عن تفاصيل مجزرة السريحة والتي راح ضحيتها نحو 150 قتيلا ان من بينهم أكثر من 50 مواطن قتلوا ذبحا ،وذكر العبيد الذي نشط في عمليات إجلاء الجرحي ان حصر القتلي تم عبر ثلاث مراحل واشار الى أن الاحصائيات الأولية شملت ضحايا الساعات الأولى من الهجوم ،وشملت المرحلة الثانية الجثث التي وجدت داخل المنازل وتضمنت المرحلة الثالثة الجثث التي القيت على أطراف قنوات الري وفي الحقول الزراعية.وتقوم المليشيا باجبار السكان الذين يرغبون في اجلاء الجرحي بفرض جبايات تبلغ نحو 6 مليون جنيه.
جثث على الطرقات:
وقال شاهد عيان ان المليشيا اقتحمت منازلهم وهددتهم بالقتل، بزعم أنهم أقرباء للقائد كيكل وروى قائلاً: «وفي أثناء خروجنا رأينا المئات من الجثث المنتفخة ملقاة على الطرقات، تعرفنا على الجثث لكن الجنود كانوا يصوبون أسلحتهم باتجاهنا ويأمروننا بالإسراع في الخروج، وإلا فسنلقى المصير نفسه.
ويبدو ان الولاية التي كانت تعتبر من أكبر الولايات الزراعية في السودان وتستخدم الالاف الجرارات في حفر الأرض للزراعة ،وجدت الجرارات فيها مهنة جديدة تتمثل في حفر الارض لدفن الجثامين في مقابر جماعية وصارت المواسم الزراعية أوقاتا لحصد القتلى عوضا عن المحاصيل ومع أن الموت صار ملازمًا للولاية ، منذ احتلالها بواسطة المليشيا في ديسمبر 2023، فإن ما جرى في آخر الأيام، فاق سوء الظن العريض، حيث ارتكبت المليشيا مجازر وجرائم حرب مروعة، في ظل تجاهل عالمي مريب..