السودان.. كيف يصبح نمر افريقيا القادم.. (2ــ2):
![](https://asdaasudania.com/wp-content/uploads/2025/02/تدريب-مهني.jpg)
- جيش من التقنيين والحرفيين يقود ملحمة الإعمار
- نصيحة للشباب.. وظائف المستقبل تعتمد على (المهارات) لا (الشهادات)
- من المسئول عن دمار هذه المحطة البحثية التقنية؟
تحقيق: التاج عثمان:
الحرب الدائرة في السودان لديها وجه خفي فهي كما يؤكد خبراء الإستراتيجيات حرب إقتصادية في المقام الأول غذتها أطماع بعض الدول في خيرات السودان الكثيرة والمتنوعة والتي فشلت كل الحكومات الوطنية المتعاقبة في إستغلالها والواقع الراهن للسودان دليل ساطع على ذلك.. والفرصة لا تزال مواتية لنهضة بلدنا والتي يرشحها البعض بان تصبح من الدول المتقدمة في كافة المجالات.. التحقيق التالي يستصحب بعض نماذج لدول نهضت من العدم بسبب الحرفيين والتقنيين ويجيب على سؤال في غاية الأهمية هو: هل يصبح السودان نمر أفريقيا القادم؟
جيش الحرفيين:
التعليم المهني والتقني يعد أحد المحركات الأساسية للتنمية الاقتصادية، لإسهامه في إعداد قوى عاملة ماهرة قادرة على دفع الإبتكارات التقنية والتحول لاسواق العمل داخل وخارج البلاد، وهو بذلك يعتبر حجر الزاوية لتزويد شبابنا بالمهارات العملية التي يحتاجونها لإقتحام سوق العمل والنجاح فيه.. ما ذهبنا إليه يعززه تقرير لمنظمة العمل الدولية حيث أشار في هذا الصدد:” التعليم والتدريب المهني يمكن ان يعزز وبشكل كبير من فرص الحصول على وظيفة ويحقق النجاح المهني لآلاف الشباب من الجنسين”.
حقيقة ان نظرة المجتمع السوداني السلبية للتعليم الفني اثرت بشكل مباشر على التنمية في السودان ما تسبب في وجود عجز كبير وخطير في الكوادر السودانية الفنية المؤهلة، تم الإستعاضة عنها بعمالة فنية أجنبية مدربة ومؤهلة تدفع لهم أجور باهظة.
وربما تبرز أهمية التعليم المهني والتقني خلال الفترة القادمة، أي مرحلة ما بعد الحرب، خاصة ان خريجي الجامعات في السودان يعانون من عدم وجود وظائف لهم تتناسب مع مؤهلاتهم الأكاديمية بسبب عدم توافق المهارات المكتسبة مع متطلبات وحوجة سوق العمل لمرحلة ما بعد الحرب، وهي كما أشار لي أحد المعلمين التقنيين: “مرحلة الحرفيين التقنيين”.. فالدمار الذي أحدثته المليشيا في البنيات التحتية بالعاصمة الخرطوم وبقية المناطق الأخرى التي ظلت لفترة تحت سيطرتها وعاثت فيها خرابا وفسادا وتدميرا، هذا الواقع الماثل حاليا في السودان يحتاج إلى (جيش من الحرفيين والتقنيين)، لتعمير ما دمرته المليشيا بمعظم مدن وقرى السودان، كما ذكر لي احد قدامى قيادات الحرفيين بقوله:
بعد إنتهاء الحرب والتي شارفت على نهايتها فعلا بفضل قواتنا المسلحة الباسلة بمختلف فصائلها، يأتي الدور على (جيش الحرفيين) والذي عليه قيادة معركة إصلاح ما دمرته المليشيا في البنيات التحتية بمدن وقرى السودان المختلفة.. ورغم إهمال الحكومات المتعاقبة للتعليم الفني والتقني إلا أنني أؤكد رغبة الالآف من قدامى الحرفيين بشتى مدن البلاد المتأثرة بالحرب المشاركة بقوة وفعالية في حرب الإعمار والتعمير ونهضة السودان.. وللعلم بدأت مشاركة الحرفيين في التعمير بمحلية بحري”.
مشهد مؤلم:
للأسف، التعليم الفني والتقني تعرض للإهمال والسخرية من الحكومات المتعاقبة خاصة في عهد الإنقاذ والذي شهد إغلاق كثير من المدارس الفنية وتحويلها لمساكن للموظفين ومنتسبي نظام الإنقاذ، وبعض المعاهد والمدارس نهبت معداتها وأجهزتها غالية الثمن، فأصبحت مستباحة في عهد الإنقاذ بسبب فهمها الخاطئ بأن التعليم الفني هو (صنيعة اليسار)، و(جزء من المنظومة الشيوعية).. ومن أكثر المشاهد المؤلمة والتي تجسد الإهمال في أقبح صوره، ذلك الذي وقفت عليه ميدانيا أثناء زيارتي الصحفية لمحطة أبحاث ام بنين بولاية سنار الواقعة على بعد خطوات من عاصمة الولاية سنجه، والتي كانت تغذي مستشفيات وأسواق الولاية ومدارسها الداخلية وسجونها بالحليب الفرش والجبن والسمن، وكانت مركز مشهور ومهم لتدريب طلاب كليات الطب البيطري والدراسات العليا بالجامعات السودانية وغير السودانية.. وكانت المحطة مركز بحثي عالمي يرتادها علماء في مجال تربية الحيوان من هولندا وإنجلترا للوقوف على التجربة السودانية في ذلك المضمار العلمي الذي ولى بسبب الإهمال والجشع والفساد، وإستقطاع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية المخصصة لتوفير العلف لأبقار المحطة البحثية فنفقت الأبقار من الجوع.. والأدهى تقديم أبقار الأبحاث غالية الثمن هدايا لبعض محسوبي النظام السابق.
مهارات لا شهادات:
رؤية الخبير الاقتصادي، عبد العظيم المهل، تتوافق تماما مع ما ينادي به التحقيق الصحفي لـ(أصداء سودانية)، فهو يؤكد أن رأس الرمح في نهضة السودان تعتمد في المقام الأول على التعليم المهني والتقني، بقوله:
لتعليم في السودان (مقلوب)، إذ يشكل التعليم الفني والمهني 5 بالمائة فقط من العملية التعليمية في السودان، فهناك 86 جامعة تخرج طلاب نظريين السودان ليس في حوجة لهم كأولوية تعليمية.. فإهمال التعليم الفني والمهني إنعكس سلبا على مجمل العملية التنموية خاصة الزراعة والصناعة.. فوظائف المستقبل تعتمد على (المهارات) لا (الشهادات)”.
عدم تشجيع الأسر لأبنائها الإلتحاق بالمدارس والمعاهد الفنية والكليات التكنولوجية أفرز واقعا غريبا في العملية التعليمية فغي السودان، فبسبب إتجاه الشباب للتعليم الأكاديمي بمختلف تخصصاته، وإلتحاق البعض بالكليات النظرية ليس عن رغبة بل لعدم تمكنهم من الكليات الأخرى التي يرغبون فيها، من فإن الفنيين يشكلون 10 في المائة فقط من المهندسين.. وحتى قبل الحرب كان يوجد يكل البلاد 31 مركزا ومعهدا حرفيا، وهي قليلة مقارنة بالحوجة القادمة لنهضة الإقتصاد السوداني.. وفي هذا الصدد صرح الخبير التربوي محمد حمزة لموقع (سكاي نيوز عربية):”نظرة المجتمع السوداني السلبية للتعليم الفني والتقني اثرت بشكل كبير على التنمية في السودان مما تسبب في إيجاد عجز في الكوادر الفنية المؤهلة السودانية والإستعاضة عنها بعمالة أجنبية مدربة تدفع لها أجور باهظة.
مدير إدارة التعليم الفني بالسودان، الهادي الأمين محمد، قال في تصريحات صحفية:”عدد المدارس الفنية بالسودان 400 مدرسة، وميزانية التعليم الفني (صفر)، وهناك مدارس فنية بالولايات أغلقت وتحولت إلى سكن ببعض الولايات: (شمال كردفان ــ جنوب كردفان ــ الجزيرة).. والمدارس الفنية العاملة قبل الحرب كانت تعاني من فاتورة الكهرباء اللازمة للورش التدريبية، ولذلك لا بد من إعفائها من رسوم الكهرباء.
حسب علمي هناك إتجاه لبناء 24 مدرسة فنية بالمناطق المتإثرة بالحرب، بجانب مدارس فنية قومية ونسوية بالعواصم الكبرى، إلا ان التمويل وقف حجر عثرة امام طريق تحقيق هذه الغاية المهمة..اذيع سرا ان الحال المعيشي لمعلمي المدارس الفنية قبل الحرب وصل بهم لدرجة العمل بالأسواق يومي الجمعة والسبت لتدبير مصروفات أسرهم لضآلة مرتباتهم.. هذا الواقع المُر الذي تعاني منه المدارس الفنية والمهنية يجب تغييره خلال فترة ما بعد الحرب، إذا اردنا ان نبدأ خطوات صحيحة لنهضة السودان.