نحن  والغرب .. وحرية المعتقد

بعد ..و .. مسافة

مصطفى أبو العزائم

  *إرتفعت أصوات كثيرة ، ومن جهات مقدرة لها وزنها وثقلها في المجتمع السوداني، تنتقد عدم وضع الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي مرجعية اساسية لبلادنا في الوثيقة الدستورية المعدلة.

  *قبل نحو ثماني سنوات تقريبا أفرجت السلطات الأمنية في بلادنا، عن إحدى الفتيات اللاتي ينشطن بالكتابة في مواقع التواصل الإجتماعي، وكانت قد قامت بنشرعدد من المقالات بصفحة (الحوار المتمدِّن) وهي مقالات جريئة وخادشة وبعضها فيه مساس بالذات الإلهية والرسل والأنبياء الكرام، مما استدعى القبض عليها وفتح بلاغ في مواجهتها من قبل النيابة – حسبما تم نشره – تحت المواد (125 – 136) من القانون الجنائي، وقد سبق أن تم القبض عليها في بلاغ تحت المادة (118) إجراءات في الثاني والعشرين من يونيو 2017 م إن لم تخني الذاكرة الهرمة، عقب شكوى تقدَّم بها ضدها والدها، وقد ذكر – حسب المعلومات المتوفرة – أنها تعاني من اضطرابات نفسية، وسلمت له بموجب تعهد ليتم إحضارها مرة أخرى في الأسبوع الأول من شهر يوليو 2017م ، حيث أحيلت إلى المصحة للعلاج، وقد أمضت فيها فترة علاجية قصيرة وخرجت بعد ذلك إلى فضاءات الحرية من جديد ، لكن ذلك لم يستمر طويلاً وتم القبض عليها مجدَّداً بعد أن جاء والدها لتحريك البلاغ مرة أخرى مطالباً بإعادتها للمصحة لتلقي العلاج.

*وقد تم إطلاق سراحها وفق توصية النيابة – بضمان والدها – إلى حين عرضها على القمسيون الطبي لتحديد صحتها النفسية وسلامة قواها العقلية.

*هذه الفتاة المسكينة كانت ستواجه اتهاماً صريحاً بالردة والإلحاد لولا وعي النيابة العامة، ثم بعض التدخلات من البعض وفي مقدِّمتهم زميلنا الأستاذ الهندي عز الدين الصحفي والكاتب المعروف، والذي ناشد من خلال مجموعة خاصة في واحدة من تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي السيد النائب العام بالتدخل والمراجعة حتى لا يتم إستغلال هذه القضية إستغلالاً سياسياً وتتم المتاجرة بحالة هذه الفتاة المريضة، في وقت لم تسلم فيه بلادنا من محاولات لتشويه سمعتها بعد قضية السيدة مريم يحيى وهي القضية المعروفة بقضية الردة والتي هاجرت إلى أوروبا، بل وإستقبلها بابا الفاتيكان.

 *العالم الخارجي لا يعرف ردة ، بل يعرف عدم إعتراف بحرية الإعتقاد، وهذا فهمه وفق مواثيق المنظمات الدولية التي قيَّدت البشرية بما يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بالعقائد والديانات، وهي تسعى من خلال ذلك إلى وقف وإيقاف ما يمكن أن نسميه الإستجابة إلى نداء العقل والمنطق والدخول إلى الإسلام ، مثلما يحدث الآن في أوروبا وكثير من دول الغرب ، بينما الإرتداد عن الإسلام نادر وقليل.

*دستورنا قبل الوثيقة الدستورية، فيه نص واضح عن حرية الاعتقاد، وهو ما يفهمه الغربيون وفلاسفتهم السياسيين بأنه باب مفتوح لحرية الحركة دخولاً وخروجاً من الإسلام، وهو أمر دائماً ما يحرج الحكومة السودانية حال ظهور مرتد أو ملحد يعلن عن إلحاده على الملأ، وقد سبق أن تقدَّم حزب المؤتمر الشعبي بمقترح لإلغاء حد الردة والرجم بناءً على إجتهادات الشيخ حسن الترابي – رحمه الله – لكن لم يؤبه لهذا المقترح، ووئد في مهده ، لأن السلطات الحاكمة ما كان بمقدورها أن تتحمل ردة الفعل الشعبية المتوقعة، في مثل هذه الحالة، لكنها في ذات الوقت كانت تواجه نظرة المجتمع الدولي في هذا الشأن الخطير، رغم أن حكومة الإنقاذ ومن خلال برلمانها المنتخب ذي الأغلبية السياسية الإسلامية ، سبق لها أن أجازت وجوزت القروض الربوية مستندة على فقه الضرورة والظروف الخاصة والإستثنائية التي تمر بها البلاد.

*الحل في وجهة نظرنا هو التأسيس الصحيح لفهم حقيقي للإسلام، بحيث يصعب – بل يستحيل – الإرتداد عنه، وذلك بتطبيق عدالة الإسلام والمساواة بين الناس حكاماً ومحكومين ، أغنياء وفقراء بحيث تطمئن القلوب، لأن الذي نراه الآن إنما يشي بعدم فهم حقيقي للإسلام، ويؤكد على أن الفهم الشعبي والعام للدين قاصر وضعيف، وهو ما يتطلَّب تعديل بعض المناهج وتكثيف المقررات الدينية الصحيحة والمنقحة ، والعمل على الدعوة إلى الحق، بعيداً عن خطل الساسة ودجل المشعوذين ، ممن يتمسكون بصورة الإسلام الشائهة خدمة لمصالح خاصة وشخصية ، وهو ما جعل بعض شبابنا يجرؤ على التصريح بالإلحاد لأننا لم نقدِّم لهم الصورة الحقة للدين الحق

*اللهم أرحمنا وأغفر لنا وأعف عنا واجعلنا من عبادك الصالحين ، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب العالمين.

  *ونسألك اللهم بحق هذا الشهر الكريم وهذه الأيام المباركة أن تقطع دابر الغزاة الجناة ، القتلة وأن تنصر جيشنا العظيم على هذه الشرذمة الضالة ، وأن تشتت شملهم وان تفرق جمعهم وان تنصرنا يا رب العالمين