توقف الانترنت .. و إرباك مشهد الحياة الاجتماعية

 

 

  • شرق الجزيرة … (الاستارلنك) ينقذ الموقف
  • عبدالله إبراهيم: انقطاع الانترنت أعادنا إلى زمن (الجوابات)
  • ست البنات عثمان: لا يمكننا الاستغناء عن الاتصالات ونحتاجها إلى( المصاريف) والاطمئنان على أولادنا

 

إستطلاع – سهير محمد عبدالله:

ضعف شبكات الاتصالات بسبب الحرب في بعض المناطق بالسودان وتوقفها تماما عن مناطق أخرى كما في شرق الجزيرة جنوب الخرطوم، جعل تلك المناطق تعيش في عزلة تامة، مما ضاعف معاناة مواطنيها لارتباطها المباشر بمعاشهم ولأهميتها القصوى في شتى مناحي الحياة الأخرى، فقد أحدث توقفها شللا كبيرا وارباك في مشهد الحياة الاجتماعية والإقتصادية لديهم ،بعد انتقال الصراع المسلح بولاية الجزيرة فر الكثيرون من مناطقهم التي لم تعد آمنة إلى مناطق أخرى يلتمسون فيها بعض الأمان وتدبير سبل العيش فتفرقت بهم اتجاهات الحياة، و لم يخلو منزل من نازح أو لاجئ، وما بين حالات النزوح واللجوء تأتي الضرورة لإيجاد وسيلة اتصال يسهل معها التواصل مع من أجبرتهم ظروف الحرب لمغادرة ذويهم فضلا عن دورها في تسهيل المعاملات عبر خدمة (بنكك) والتي تتعذر تماما بعدم وجود الانترنت لذا ارتبط معاش الناس بتوفير الاتصالات حتى يتثنى لهم ذلك أيضا.

 

شجاعة حذره:

بعد معاناة طويلة لجأ أفراد من تلك المناطق بمدن وقرى شرق الجزيرة من ميسوري الحال إلى توفير خدمة الاتصال ب (الواي فاي) عبر تطبيق (الاستارلنك) و لم يكن الأمر في بادئه في متناول الجميع كما هو معروف عندما كانت شبكات الاتصالات جميعها تعمل، فقد كانت جلست الساعة الواحدة في (الواي فاي) بسعر 3,000جنيه سوداني تتوفر هذه الخدمة في بعض المدن الكبيرة فقط والتي يتوجب الوصول إليها زيادة تكلفة المواصلات ذهابا وايابا وفي كثير من الأحيان كان الأمر يتطلب شجاعة حذره لأن الوضع في الشوارع المؤدية من وإلى تلك المناطق لا يتوفر فيها الأمن الكافي الذي يجعلهم يحملون أموالهم و هواتفهم دون إخفائها خشية المتفلتين فقد تصل إلى المكان المحدد (للواي فاي) بلا هاتف ومجردا من ما بحوزتك من مال

بعد ذلك تطور الأمر حتى وصل ( الاستارلنك) إلى بعض القرى شرق الجزيرة ولم يعد هناك حاجة للذهاب بعدها إلى المدن الكبيرة مع تفاوت أسعار الجلسات ومدتها من مكان لآخر، فكانت جلسة الساعة الواحدة ب 2,000 وبعد توفر الأجهزة وتعددها أصبح هناك تنافس بين المستثمرين ادى لانخفاض سعر الساعة ل 1,000ج فقط في بعض الأماكن وفي مواقع أخرى بلغ قيمة الساعة والنصف1,000 مستقرة على هذه الأسعار.

 

معاناة أصحاب المحلات:

مالك (الاستارلنك) محمد عادل محمد يرى أن سعر الساعة مناسب وفي متناول الجميع على الرغم من عدم تغطية تكاليف ومصروفات الخدمة التي يقدمونها عبر (الاستارلنك) والتي تشمل التنشيط ومرتبات الموظفين وإيجار المنزل وايجار المقاعد التي يجلس عليها المستخدمين ،ففي البدء تفرض علينا الشركة كأول اشتراك للجهاز الجديد 240 ألف جنيه في الشهر الذي يليه  40 ألف جنيه، وقد تصل الفاتورة إلى 1,000000حسب الباقة التي يطلبها المالك، بعد ذلك يتم السداد شهريا عن طريق رابط الشركة عبر شخص يقيم في الخارج ثم تقوم الشركة بإرسال فاتورة السداد مما يجعلنا كمالكين نحرص على السداد شهريا خشية تراكم رسوم الاشتراك التي قد ينجم عنها العجز لاحقا وفي حال عدم السداد فإن الشركة تمنحنا مدة أقصاها 90 يوما بعدها يتم قطع الخدمة، وأضاف عادل أن لا مشكلات تواجه التطبيق إلا ضعف التيار الكهربائي احيانا، وفي السياق ذاته أكد أن العدد الفعلي لربط الهواتف المحمولة بالانترنت تقدر ب 40هاتفا يتم تنشيطها في وقت واحد خلال الساعة المحددة وعليه فإن أي زيادة في عدد الهواتف سيقلل من فاعلية النت لبقية المستخدمين

 

آراء متباينة:

ست البنات عثمان متحدثة عن معاناتها بسبب انقطاع شبكات الاتصال قالت: لا يمكننا الاستغناء عن الاتصالات لأنها ارتبطت بها  حياتنا ومعانا، فعندما نكون في أشد حاجة إلى( المصاريف) لمباصرة الحياة وعند المرض، نفتقدها ونحتاج إليها في الاطمئنان على أولادنا وأهلنا وممن نزحوا بعيدا عنا ..في السابق كانت البنوك تعمل وكل الوسائل متاحه الآن بسبب الحرب أصبحت الحياة متوقفه وتوقف (الاتصالات زاد الطين بله)

 

العودة لـ(الجوابات):

عبدالله إبراهيم قال أدى توقف شبكات الاتصال إلى انقطاعنا عن معرفة اخبار ذوينا واولادنا سواء كانوا داخل السودان او خارجه انقطاعا تاما  لدينا تجارب قاسية ومريرة بسبب ذلك،أحدها كانت تتعلق حول من يتوفاهم الله من الإخوان أو الاخوات والأهل في مناطق أخرى ومن المقيمين خارج السودان فقد كنا لا نتمكن من معرفة كيف وأين ومتى حدثت وفاتهم، لتاتينا بعد ذلك اخبارهم عبر نعي في وسائل التواصل الاجتماعي بمحض الصدفة أو عبر قروبات العائلة، والمتواجدين فيها بمناطق تعمل فيها بعض الشبكات أو عن طريق إرسال مكتوب بخط اليد عن طريق حافلات وبصات المسافرين القادمين من الولايات إلى مناطق شرق الجزيرة المختلفة وحتى ذلك يكون قد مضى على وفاتهم تلات أيام او اسبوع او شهر او أكثر، فلا تدري بعدها ماذا تفعل ولا شئ يضاهي احساس العجز والحزن والألم الذي يعتصرك بعد ذلك.

حليمه مبارك تبدي بعض الرضا المنقوص لتجربة (الاستارلنك) وتوفيره لشبكة الاتصال عبر (الواي فاي) قائله : لا بديل لشبكات الاتصالات إلا شبكات الاتصالات ( وماعايزين نرجع لزمن الجوابات ) وماعاد بمقدرونا دفع ساعة التواصل المكلفة ب(الواي فاي) وقد لا يتوفر لدينا حتى هذا المبلغ البسيط يوميا في ظل هذه الأوضاع التي نعيشها والتي تجعلنا نخشى فقدان تلك الوسيلة الوحيدة المتاحة لدينا الآن.

مزايا وعيوب:

دكتورة بدور محمد تقول: لاشك أن لتطبيق ((الاستارلنك) خاصية تمكن مستخدميه من التواصل بصورة جيدة وذلك لسرعة الانترنت فيه وقوته إلا أنه لن يعوضنا عن خدمة الاتصالات العامة التي كانت متاحة ومتوفرة لدينا داخل المنازل وخارجها فقد كان بإمكاننا إجراء الاتصالات وتلقيها بوضوح من مختلف ولايات السودان ومن الخارج دون أن نذهب إلى مكان وكذلك الاستمتاع بخدمة الإنترنت بلا حدود و بحسب استطاعة الفرد واختياره للباقه التي تناسب ظروفه بتكلفة كانت في متناول الجميع، الآن بات التواصل مرتبطا بخدمة الإنترنت فقط وعبر تطبيقاته من ماسنجر. او واتساب وغيرها من التطبيقات التي لا تتوفر لدى الكثيرين ويصعب عليهم استخدامها دون مساعدة الآخرين ممن لديهم الخبرة في التعاطي مع تطبيقات الانترنت.

موسى محمد أحمد يرى أن بعض الأماكن التي تتواجد فيها أجهزة(الاستارلنك) لم يتم اختيارها من قبل المستثمرين بعناية كافيه و قد لا تناسب كافة شرائح الجمهور ممن جاءوا يطلبون خدمة الانترنت فيها، فمعظمها تتواجد في محال تجارية داخل الأسواق أو في منازل في الأحياء يستاجرها ملاك تلك الأجهزة للاستفادة من غرفها حتى يحظى المسخدمين بخدمة مريحة ولكن قد يحدث العكس، ففي كثير من الأحيان يمكن أن يتواجد في الغرفة الواحدة ما يقارب الثلاثين شخصا يجلسون في مقاعد متجاورة من بعضها البعض بمختلف أعمارهم الأمر الذي يجعلك تشعر بافتقار المكان لأدنى درجات الخصوصية في التواصل وكثيرا ما تحدث فوضى بسبب ذلك التزاحم فضلا عن تعالي أصوات المتصلين التي قد تفقدك التركيز فتبدو مشوشا طيلة مدة الجلسة التي طلبتها وحتى انقضائها لتذهب بعد ذلك دون الفائدة التي قصدتها.

 

لا وجود للمقارنة:

قالت مواهب حسين لا وجود للمقارنة بين شبكات الاتصالات القومية التي كانت متوفرة لدينا بولاية الجزيرة في كل زمان ومكان قبل انتقال الحرب إليها وبين خدمة الاتصالات عن طريق الإنترنت المحدود التي تعمل الآن ،في ذاك الوقت عشنا أزمة حقيقية وكبيرة ، الآن بعد اتاحة التواصل بالإنترنت عبر (الاستارلنك) أصبح الأمر سهلا وعلى الرغم من ما يمتاز به من سرعة وقوة إلا أن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر والمستمر لأيام في قرى شرق الجزيرة يحرمنا من تلك الخدمة لأن غالبية الأجهزة تعمل بالكهرباء وحتى التي تعمل بالواح الطاقة الشمسية لا تكون متاحة إلا في حال وجود شمس ساطعة أو عبر بطاريات مشحونة مسبقا وقد لاتتوفر الأجهزة التي تعمل بالطاقة الشمسية كثيرا مما يجعلها متوقفة هي أيضا عن العمل وذلك يبقينا على انقطاع تام بمن حولنا حتى عودة التيار الكهربائي.

 

معاناة كبار السن:

عن تجربتها مع خدمة (الاستارلنك)) تقول سمية السر: يصعب الأمر كثيرا عندما ما يتعلق برغبة كبار السن الذين لا يمكنهم الذهاب إلى مواقع ((الواي فاي) والجلوس لساعات لإجراء المحادثات مع أبنائهم بغرض الاطمئنان عليهم سواء  كانوا في الخارج أو في الولايات من الذين. نزحوا بعيدا بسبب الحرب ولا توجد شبكات للتواصل كما اعتادوا عليها في السابق، ومع وجود اجهزة (الاستارلنك) المتحركة بات لديهم القدرة على التواصل عن طريق استئجار تلك الأجهزة وإحضارها إلى المنازل حسب الزمن الذي يرغب فيه المستخدم وبناء على القيمة المتفق عليه مسبقا مع المالك قد تتراوح قيمة الاربع ساعات ما بين 20-25 ألف جنيه

يضاعف من الأزمات:

بعد ان اصبح  العالم قرية صغيرة وضيقه بفضل التكنلوجيا والاتصالات إلا ان انقطاع شبكة الإنترنت والاتصال قد بات يضاعف من الأزمات التي يعاني منها السودان الممزق حاليا بسبب الحرب وتداعياتها التي أخرجت المواطن الذي غلب على أمره من بوابات الحياة الكريمة وبعثرته في ساحات المعاناة الشاسعة بلا دليل