العين الخفية
قصة قصيرة
القاص: عبدالله النصر، السعودية
كانت الساعة تشير إلى منتصف الليل عندما جلس الشاب في غرفته المظلمة، محاطًا بصمت ثقيل ووحيدًا إلا من وهج شاشة هاتفه الخافت الذي ألقى ضوءًا شاحبًا وسط العتمة. شعر بشيء غريب، كأن هناك عيونًا تراقبه من زوايا الغرفة، لكنه تجاهل إحساسه المتزايد بالتوتر محاولًا التحديق في شاشة الهاتف. ومع ذلك، لم يستطع أن يمنع عينيه من التجول بين الظلال المتموجة حوله، كأنها تقترب ببطء، تلتفّ حوله.
فجأة، انطفأت شاشة هاتفه وحدها، تاركةً انعكاس وجهه في السواد. لكنه لم يكن وحده؛ بجانب صورته ظهرت عيون غريبة، جامدة، باردة، تحدق فيه بنظرة خالية من الحياة. بدت تلك العيون مألوفة، وكأنها تعود إلى كيانٍ طارد أحلامه منذ طفولته، حلم ظل يتكرر على مدار السنين، يُخفي شيئًا أراد أن ينساه.
تجمد جسده ولم يجرؤ على الالتفات، بينما سمع صوتًا هامسًا ينبعث خلفه، ناعمًا وقاسيًا في آن:
– أخيرًا… وجدتُك.
تسارعت دقات قلبه كأنها تدق طبول الرعب في أذنيه. شعر ببرودة زاحفة تجتاز عموده الفقري، مثل أيدٍ خفية تحاول إحكام قبضتها عليه، تمنعه من الحركة ومن حتى التفكير بالهرب. حاول أن يُحدّث نفسه بصوت داخلي مختنق:
– لا، هذا مجرد وهم… فقط حلم قديم.
لكن الصوت عاد، هذه المرة أقرب، كأن صاحبه يهمس في أذنه مباشرة، بشيءٍ من السخرية المتلذذة بخوفه المتصاعد:
– لماذا تهرب؟.
كانت الهمسة كإبرة تخترق عقله، وازداد الرعب في عينيه وهو يرى الضوء الخافت يتلاشى، لتحل الظلمة تدريجيًا كأن الجدران نفسها تقترب منه، تضيق، وتلتف حوله ببطء لتخنقه. حاول الشاب أن يصرخ، أن يتحرك، لكن صوته كان عالقًا في حنجرته، وكأن هذا الظلام الكثيف قد استولى على قدرته على النطق.
وبينما انغلق عليه الظلام، ظهرت صورة من ماضيه فجأة: ذكرى حلمٍ قديم كان يراوده وهو طفل، عن مخلوق قاتم بلا وجه، يتسلل عبر الزوايا ليأخذ معه كل من يقاومه. لم يكن يدري أن الكيان سيتبعه بعد كل هذه السنين.
ثم، شعر بيد باردة تلامس كتفه، أظافرها الطويلة تخترق قميصه، تُغرس في جلده كأنها تترك عليه علامة لا تزول. كانت اليد باردة بشكل لا يُحتمل، كأنها تأتي من عالم لا يعرف إلا الجليد والموت. وفي لحظة أخيرة من وعيه، قبل أن يبتلعه الظلام بالكامل، سمع الصوت الهامس يقول بوضوح:
– الآن، سنصبح واحدًا… إلى الأبد.
بدأت أطرافه تتصلب، أحاسيسه تتلاشى واحدة تلو الأخرى، وكأن كيانه ذاته ينصهر في هذا الظلام. شعر بذاكرته تتلاشى، بأفكاره تختفي، وكأن الكيان يسحب منه روحه ليتركه خاليًا… مجرد جسد ينتظر.
ثم حلّ الصمت، وغمر الظلام كل شيء. لم يبق سوى عينين متجمدتين، تحدقان في الفراغ، بلا حياة. كان آخر ما شاهده انعكاسه في المرآة، حيث ظهر ظله القديم، عاريًا من أي شعور، يحدق بعينيه الميتتين في الغرفة… ينتظر في صمت ثقيل، صدى خطوات القادم التالي.
وفي الفراغ الثقيل، بقيت عيناه المتجمدتان تحدقان بلا حياة، مترقبة، كأنها تنتظر أن يلتقي بنظراتها شخص آخر… ربما أنت.