رحلتنا فى سلسلة العبقريات

بقلم المصرية / د. إكرام عيد
وهانحن قد وصلنا لعبقرية الإمام
عبقرية علي بن أبي طالب… الفارس الذي كتب التاريخ بسيفه وقلمه
في ساحة الفكر كما في ساحة القتال، وقف علي بن أبي طالب وحده، رجلًا لا يشبه أحدًا.
لم يكن مجرد مقاتل مغوار، ولا مجرد خطيب مفوه، بل كان العقل الذي يجمع بين الحكمة والشجاعة، بين الفلسفة والقوة، بين الزهد والقيادة.
ولد في بيت النبوة، وترعرع في ظل محمد صلى الله عليه وسلم، فتشرب منه الإيمان، والفصاحة، والشجاعة. لم يكن أحد أكثر التصاقًا بالإسلام منه، فهو أول من أسلم من الصبيان، وأول من صلى خلف النبي، وأول من نام في فراشه ليلة الهجرة فداءً له.
لكن عبقرية علي لم تكن في البدايات فقط، بل في كيف عاش، وكيف قاتل، وكيف حكم، وكيف مات.
سيف وكتاب… هكذا عاش علي
في بدر، كان صوته يسبق ضربات سيفه، وفي أحد، قاتل حتى كُسرت سيفه، وفي الخندق، وقف أمام عمرو بن ود العامري، فارس قريش الذي قال عنه النبي:
“برز الإيمان كله إلى الشرك كله.”
فكان علي الوحيد الذي تجرأ على مواجهته… وصرعه بضربة واحدة جعلت الأرض تهتز تحت أقدام المشركين.
لكن إن كان السيف سلاحه في المعركة، فقد كان المنطق سلاحه في الفكر. علي هو الذي وضع أساس الفلسفة الإسلامية الأولى، فأقواله صارت دروسًا في الحكمة والعدل والإدارة. يكفي أن تقرأ نهج البلاغة لتجد نفسك أمام عقلية فريدة لم تتكرر في التاريخ الإسلامي.
العدل كان فلسفته الأولى
حين تولى الخلافة، كانت الأمة في حالة اضطراب، ومع ذلك، أصر على العدل حتى لو كان الثمن حياته. قال كلمته الشهيرة:
“والله لو وُجد المال المسروق عند النساء المتزوجات لرددته إلى بيت المال.”
الزهد كان أسلوب حياته
لم يعش في قصر، ولم يجمع الذهب، بل كان يلبس ثيابًا بسيطة، ويأكل كسرة خبز يابسة، وعندما سألوه: لماذا تعيش هكذا وأنت أمير المؤمنين؟
قال: “كيف أكون قدوة للناس إذا لم أكن مثلهم؟”
المأساة كانت قدره
حكم علي في زمن الفتن الكبرى، حين انقسمت الأمة بين ولاءات سياسية، وكان عليه أن يواجه أخطر الحروب الداخلية في الإسلام: الجمل، وصفين، والنهروان.
وفي النهاية، كانت الضربة الأخيرة… ضربة غادرة من عبد الرحمن بن ملجم، وهو يصلي في مسجد الكوفة. كانت كلماته الأخيرة:
“فزت ورب الكعبة.”
وهكذا رحل علي، لكنه لم يترك فراغًا، بل ترك فكرًا خالدًا. ترك دروسًا في العدل، والقيادة، والصبر، والحكمة، جعلت منه أحد أعظم العقول الإسلامية على الإطلاق.