دمعة شاردة

قصة

 

محمد ولد الطيب/ موريتانيا

 

الوقت يمر بسرعة لافتة غير مشفق على نفسيتها المنهكة، بدأ العد التنازلي لوقت الغداء ، وأزفت عودة زوجها الذي لا يقبل بطبعه المساومة و الأعذار مهما كانت مصداقيتها، وهي لا تزال خاوية الوفاض بعد أن أعجزها العثور على نقودها الضائعة، فخشيت أن يلحقها منه مكروه ، فكان لزاما عليها اختلاق خطة للتزود .

فكرت في اقتراض بعض المال من إحدى زميلاتها، لكنها ما لبثت أن غيرت رأيها، خجلت أن ترى متسكعة تفضح عيوب زوجها، وتجرح كبرياءه وتظهر عجزه أمام الناس.

 

وقفت شاحبة اللون تتقاذف في رأسها الأفكار لعلها تتمكن من انتشال كرامتها وتحفظ ماء وجها….

خرجت تائهة إلى سوق قريب من بيتها ، فألفته قد خلا من الناس، والشرطة يطاردون الناس بين الأزقة نظرا لمظاهرات عنيفة نظمتها بعض المنظمات الحقوقية مطالبة بإنصاف المرأة والقضاء على العبودية ومخلفاتها.

كانت تلك صدمة كبيرة بالنسبة لها، فتولت هاربة ضمن موكب الهاربين، تتجاذبها مشاعر متضاربة : فرحا بتلك المظاهرة المطالبة بإنصافها، وحزنا على قوتها التي لم تر له بصيص أمل

 

وبينما هي في تلك الحالة تتمشى ذاهلة رأت أمامها كومة من النقود، فانبسطت أساريرها وأسرعت منقضة عليها ، فذهلت أن النقود هربت منها إذ سحبها أحد الشباب المشاغبين الذين لمحت وجوههم قبل قليل في المظاهرة ، وكانوا قد درجوا على نصب هذا الفخ وما إن يدنو منه شخص لأخذه حتى يسحبونه بخيط دقيق، ثم يهجمون عليه بالضرب المبرح وينادون به سارقا، فيتوافد الناس، ويشبعون المتورط ضربا

 

وقعت المسكينة من دون سابق إنذار في الفخ، فتواثب عليها الشباب المشاغبون يضربونها، ونادوا بها سارقة؛ كانت عيناها تذرف بالدموع وتصرخ لا ألما من الضرب، بل من العار وأنها لن تجد أحدا سيصدقها .

 

وفي غمرة صراخها جاء اثنان من الشرطة وفرقوا الشباب المجرمين .

دخلت المطبخ مسرعة ووضعت الطنجرة على موقد الغاز وصبت فيها الزيت، وفجأة دخل زوجها، ، احمرت وجنتاها،و تسارعت دقات قلبها، فلم تعد تعرف بأي الأمور تبدأ، لكن لم تجدا بدا من الترحيب به:

-كيف كان يومك حبيبي؟

-كان يومي قاسيا كعادة أيامي الماضية لم أربح أي شيء من هذا اليوم…لقد اتعبني لعب الشطرنج .

تمتمت بحرقة :

-تهمني سلامتك فقط.

– لقد دعوت صديقي اليوم للغداء معنا وهو على أثري، ألم تجهزي الأمور كلها؟

 

تروح وتجيء من أمام زوجها المضجع على أريكته كعادته، ولم تجرؤ أن تفاتحه في الأمر، وفي غمرة ترددها ذلك تجاوز الزيت في الطنجرة حد الغليان المعهود، نزعت غطاء الطنجرة، وارتبكت والدموع تنهمر من مقلتيها فسقطت دمعة شاردة في الطنجرة نشب منها حريق هائل التهمت ألسنته وجهها، صرخت صرخة عظيمة، ونقلت إلى المستشفى في غيبوبة، والأحاديث متضاربة حولها، بين من يراها محاولة انتحار أو تمرد ، ومن يراها إخفاء لجريمة السرقة.