حسن يوسف ممتشقا معنى فنون التمثيل  رؤية للترقي الإجتماعي وخفْقةٌ قلب برائحة تراب السودان

 

الدكتور فضل الله أحمد عبدالله 

2

واجب الأعمال الإبداعية بجميع أشكالها ، هو دفع

الناس باتجاهات الخروج من مأساوية الحياة إلى مواضع الترشيد والمناصحة ومعرفة ذواتهم عبر الآداب والفنون والنقد .

وذلك الإدراك الواسع نفسه في تقديري هو الذي دفع حسن يوسف أن يخوض تجارب شديدة الخطورة ، بغية الوصول بالمسرح إلى الجمهور في أماكنهم البعيدة ، رحالا متجولا في كل اصقاع السودان ، حتى يسمع الناس صوته الداخلي ويروا صورة أفكاره ، ودخل تجربة الإنتاج الذاتي بتمويل العروض المسرحية ، إضافة إلى خوضه تجربة الكتابة والإخراج معا .

تأملت سيرته ، مذ تاريخ تكوينه الأول ، وقوام نهضته في مرحلته الثانية من تكوين شخصيته الفنية ، بعطائه التشخيصي في مسرحية ( الناس العملو قروش ) إخراج محمد شريف علي ، ومسرحية ( رمي الصاجات ) .. ومسرحية ( سنار المحروسه ) تأليف الطاهر شبيكة ، وإخراج مكي سنادة ، وغيرها الكثير ، من الأعمال في شتى ضروب فنون التمثيل .

اتفحص تلك الأوراق تارة ، وفي أخرى أباغته بالأسئلة الإستقصائية ، إلا أن صوت حسن يوسف يحكي وباستمرار ، عن القلق الذي يعانيه تجاه فن المسرح ومستقبليته في السودان ووضعيات المزاولين له ، وشعرت حجم المخاوف التي تنتابه جراء هذا الأمرالشائك .

حدثني عن خوفه ، بتبدد الأعمار دون أن يبلغوا مطامحهم العليا ، حكى لي عن ذلك ولكن ليس بوجه ينم عن كآبة ، بل بوجه طلق المحيا وابتسامات لطيفة وضحكات تشير إلى صفاء روح إنسان حكيم مشغول بفكرة ضرورة تعظيم أدوار المسرح في السودان والإعتراف بتأثيره في واقع الناس .

وما يلفتك في شخصيته ، أنه ، مذ عرفته في أعوام التسعينيات ، وصحبته ، ما انفك يطرح على حياة المسرحيين كثيرا من الأسئلة ، يطرح السؤال ويجيب عليه في الآن نفسه .

أسئلة وإجابات فيها من الألم ، بسبب الحالة الرجراجة التي تسيطر على وضعيات هذا البلد ، والجمود الذي سيطر على فكرة الفنون التمثيلية والردة الإبداعية على جميع المستويات ونكوص الحاضر عن زهو حياتنا في ماضينا القريب وليس البعيد .

قرأت عن سيرته الفنية، وأخذت زمنا، لا أبرح أن أصبر حتى يحين وقتًا مناسبًا لإعادة القراءة والتأمل المتأني، فينتابني الإحساس بالتقصير في حق مشخص فنان تفصح حالته شغفا جميلا بالفنون التمثيلة .

*روافد تكوين شخصية حسن يوسف*

في لحظة من لحظات تجاذب أطراف الحديث والمؤانسة ، عرضني سؤال عارض لم أستطع كتمه فسألته قائلا :

أنت ولدت وترعرعت في بيئة إجتماعية لا تتباهى بفن المسرح وقتذاك ، على غرار وقتنا هذا ، بل تنكره ، ولا تحبذ للناشئة أن يجعلوا من الفن سبيلا للحياة، فمن أين لك الرافد الأساس في تشكيل شخصيتك؟ وما هي منابع الإلهام الأولية التي دفعتك لإكتشاف فن المسرح ومحاولة التعبير عن الشغف به؟

أجابني بتلقائيته المعهودة قائلا :

بداية التشكيل الأول ، وأنا تلميذ في مدرسة كوستي الابتدائية ، والمعلمين دابوا في تكوين جمعيات خاصة بالأنشطة المهارية – غير الفصلية – للتلاميذ فمن تلك الجمعيات التي أخذتني ، وجذبت اهتمامي

الجمعية الأدبية ، وكانت برعاية أساتذة أجلاء ، بهتمون بأمر الثقافة والفنون .

ثم واصلت نشاطي في المرحلة المتوسطة . حيت توسعت في النشاط المسرحي ، وقمت بتكوين فرقة مسرحية بالمدرسة ، دون أن يكون لي سابق مشاهدة لأي عمل درامي سوداني .

وفي المرحلة الثانوية ، إنتقلت من مدينة كوستي إلى الخرطوم ، ظاهريا ، كان للإلتحاق بالمدرسة ، ولكن كان الهدف الأساس هو الالتحاق بفرقة النهضة المسرحية بقيادة الأستاذ أحمد رضا دهيب ،

فانتسبت إلى فرقته ممثلا ، وتمت رعايتي رعاية كاملة .

وتعلمت كيف أقف كممثل علي خشبة المسرح ، وكيف اتحرك وفق منظورات الفن المسرحي ،

ولعبت أدوارا في التمثل مع الفرقه لعدد كبير من الأعمال المسرحية ، منها مسرحية ( قافلة الأفراح ) وتم تسجيلها لقطاع الأطفال بتلفزيون السودان ، وتلى ذلك عرضنا لمسرحية ( قلب الأم ) وتم أيضا تسجيها في التلفزيون ثم ( مسرحية عجايز ما بتختشي ) والعديد من الأعمال المسرحية والفقرات الدرامية لبرنامج ( جنة الاطفال ) بتلفزيون السودان بجانب ، العروض المسرحية التي عرضناها في مسارح المدارس .

ذلك النشاط مع فرقة النهضة المسرحية بقيادة المخرج أحمد رضا دهيب ، وأنا طالب في مدرسة محمد حسين الثانوية بأم درمان ، كان بمثابة الرافد العظيم من الروافد التي أسهمت في تكوين شخصيتي ، ومعرفة أسس فن المسرح والتمثيل وتوجيه أفكاري .

تلك هي الإشتغالات الإبداعية التي إشتغلها حسن يوسف في بواكير عمره ، التي أسهمت في تكوينه ، ورفعته إلى درج أعلى في مدارج الإشتغال ، من بعد نضج الشخصية ، والحضور المشع ، والأمتلاك المقتدر ، والامتلاء أكثر بمهارات ، وأدوات ، لغة فن العرض المسرحي ، فأصبح الإنتقال ملزما ، وشرطا مهنيا ، للتحول إحترافا للمزاولة والإبداع .

عمل بالتمثيل في مسرحية أخرجها الفنان المسرحي القدير الأستاذ محمد شريف علي وهي مسرحية ( الناس العملو قروش ) ثم مسرحية ( رمي الصاجات ) وساهمت تلك الأعمال جميعها في إلتماع الأسم تمهيدا لحلقة أخرى من حلقات العطاء ، منتقلا إلى ( فرقة نمارق المسرحية ) والمخرج جهاد عبدالمجيد .

ممثلا في عرض مسرحية ( الطاحونة ) ومسرحية ( عنبر عشرة ) ومسرحية ( الموتى يتكلمون ) ومسرحية ( الأطفال يحكمون العالم ) ومسرحية ( ود احمد ) ومسرحية ( وقائع اللحظات الأخيرة ) وتم تقديمها في آخر دورة من دورات مهرجان بغداد المسرحي .

وتأتي الأيام ليتجلى صدق الصوت الداخلي للفنان حسن يوسف ، وصدق وعد الأيام والليالي ، ولذلك فقد أصبح ملزما اليوم وغدا وفي كل يوم بأن يقول كلمة شكر وعرفان لتلك الأيام التي عجمته وعلمته وطهرته وانصفته وساندته ، حتي أكتمل بناء شخصيته ، مبدعا ، مبرهنا للناس ملكته الخلاقة ، وأنه ليس جملة اعتراضية في تاريخ المسرح السوداني ، ولقد ثبت للناس أنه ممثل شاهق في كل خشبات المسارح التي ارتقاها في أوقات مختلفة ، وليس هو وقت عابر في التاريخ ، ياتي ثم يمضي .

نواصل ونتناول إبداعية التشخيص الكوميدي عند حسن يوسف