بعيداً من السياسة .. قريباً من الفن
بُعد …و …مسافة_ مصطفى ابوالعزائم
* في أمسية صيفية من أمسيات بلادنا الدافئة – رد الله غربتها وغربتنا – كنتُ على موعدٍ ، قبل سنوات قليلة مع الفن و الطرب الأصيل ، و ألف باء الإعلام والصحافة داخل ستديوهات قناة سودانية 24 ، التي بدأت علاقتي بها مع بدايات تأسيسها ، إذ كنتُ أحد ضيوفها الراتبين في برنامجها الخاص بقراءة وإستعراض ما تنشره صحافة الخرطوم تحليلاً ومتابعةً ، ومحاولة لقراءة ما وراء الأخبار ، وهو تعاون لم يقطعه إلا إلتزامي بتقديم برنامج بدأ أسبوعياً في قناة المنال الفضائية ، بإسم ( وقالت المصادر) الذي تحول لاحقاً إلى برنامجٍ يومي قبل أن تتوقف القناة المحترمة ، رد الله غربتها .
* قبل تلك الأمسية بفترة إتصلت علي زميلتنا الإذاعية والتليفزيونية المعروفة والمتميزة الأستاذة يسرية محمد الحسن ، تطلب إلي أن أكون ضيفاً على برنامج عبارة عن سهرة تلفزيونية يتم تسجيلها في ستديوهات سودانية 24 وتبث مساء كل جمعة بإسم” على كيفي” ، وطلبت إليّ الإتصال بالأخ الكريم والصديق العزيز الأستاذ محمد محمد خير ، الصحفي والشاعر والأديب ليكون ضيفاً ، وتركت لي حرية إختيار ضيف ثالث ليكون ضمن المجموعة التي أختيرت لتكون مجموعة هذه الجمعة ، والتي يضيئ سماءها النجم الكبير والمطرب الذي غاب عن الشاشة الفضية زماناً طويلاً ، الأستاذ الفنان الطيب عبدالله ، وقد سعدتُ بأن يكون الأستاذ الطيب هو النجم المحتفى به ، وقد بحثت عمّن يكمل تلك المجموعة فلم أجد غير صديقنا العزيز الدبلوماسي والمؤرخ والشاعر والملحن والطبيب اليمني الأستاذ الجامعي الدكتور نزار غانم ، وهو صديق قديم منذ أن كان والده الدكتور محمد عبده غانم أستاذاً بجامعة الخرطوم ، وكان نزار وقتها طالبا يدرس الطب في جامعة الخرطوم ، وقد جمعنا بداية ثمانينيات القرن الماضي ، أحد أقوى منتديات السودان الأدبية والشعرية وهو “منتدى الحروف” ، وكان علينا ان نلتقي عند السابعة والنصف مساء داخل مقر سودانية 24 ، وقد كان .
* قبل أن يبدأ التسجيل ونحن نناقش الملامح العامة للسهرة ، أكتشف الدكتور نزار غانم أنه جاء لحلقة من برنامج كان ضيفاً عليه قبل أسبوع ، لكنه جاء ملبياً دعوتنا هذه ظناً منه أن هذه سهرة أخرى ، فكان أن إنسحب عائداً إلى سكناه ، رغم رجاءاتنا له بالمشاركة ، لكنه رأى أن الظهور مرتين متتاليتين في سهرة بذات الإسم سيكون خصماً عليه وعلى القناة ، وقد كان منطقه قوياً ومقنعاً ، لتبدأ السهرة التي أجادت الأستاذة يسرية إدارتها بالثلاثة الذين كانوا معها ، وإن أجمعنا على أن نجمها سيكون بلا منازع هو الفنان الكبير الأستاذ الطيب عبدالله .
* السهرة التي أضاء سماءها الفنان الطيب عبدالله تقرر أن تثتها سودانية 24 في اليوم التالي ، وكانت هناك نقاط لابد من التوقف عندها في مسيرة الأستاذ الطيب عبدالله الفنية ، وهو إبن مدينة شندي العظيمة وقد كتب أولى قصائده الغنائية ولحنها وغناها وهو ما زال صبياً يافعاً في المرحلة الوسطى ، وواصل مسيرته في هذا الطريق حتى وهو يدرس في معهد تدريب المعلمين ، والذي كان الفنان الكبير الراحل الأستاذ محمد وردي أحد الذين قاموا بتدريسه فيه ، بل وكان من المعجبين بالفتى النحيل صاحب الصوت الشجي الأخاذ الذي كان يتغنى بأغنياته الخاصة رغم إعجابه بالفنان الكبير الراحل عثمان حسين ، وقد نجحنا في أن نجعله يؤدي أحدي أغنيات الفنان عثمان حسين الرائعة ، حتى أن صديقنا الصحفي والكاتب والشاعر المثقف الأستاذ محمد محمد خير ، تأثر كثيراً وقال إن كل أغنية من أغنيات الفنان الطيب عبدالله ، تلامس حزناً دفيناً وتطرق أبواب مكامن الحزن فيه .. وأن كل أغنية تحكي قصة حب فاشلة لديه .. وقد ضحكنا كبيراً لجرأة وصراحة محمد محمد خير ، لكننا أجمعنا على أن أغنية(السنين) هي واحدة من أيقونات الغناء السوداني، وذكرت لسُمّار سهرة( على كيفي) أنني سبق أن إقترحت على مجموعة من الزملاء والأصدقاء من الصحفيين والشعراء والمتهمين بأمر الثقافة والفنون من بينهم الأساتذة محمد محمد خير ونجيب نورالدين وآخرين أن نعمل على إختيار أجمل مائة أغنية سودانية ، منذ أن عرف السودانيون الغناء الحديث ، حتى أنني تحدثت مع الدكتور منصور خالد – رحمه الله – حول هذا الموضوع خلال مباحثات السلام في كينيا ، وقد رحب بالأمر رغم مشقة الأختيار والتمحيص ومعايير العمل الفني ، وقد تحدثت حول هذا الموضوع مع الأخ الكريم والصديق العزيز الراحل الأستاذ عماد الدين إبراهيم بحضور صديقنا المشترك الأستاذ عادل سنادة ، رغم صعوبة هذا العمل .
*الشاهد أن كل الذين تحدثنا معهم حول الموضوع كانوا يضعون مجموعة من الأغنيات ضمن المائة الأجمل في مسيرة الغناء السوداني ، وكانت (السنين) واحدة من الأغنيات المجمع حولها ، مثلها ومثل(قصتنا) لعثمان حسين ، و (من غير ميعاد) لمحمد وردي ، و(بتتعلم من الأيام) لمحمد الأمين غير أغنيات لفنانين كبار من الرواد مثل حسن عطية وأحمد المصطفى وسيد خليفة والكاشف وغيرهم ، وإلى أن يتحقق هذا الحلم وتصبح الفكرة واقعاً ، نتمنى أن تتحقق الفكرة بعد أن يعم السلام ربوع بلادنا الحبيبة .