تباريح زمن الريح (٢-٢)

على عسكوري

*رغم كل المآسي التى تسببت فيها الحرب، مازالت غالبية القوى السياسية متمترسة في طرحها القديم، فاليمين ما يزال متمترسا في دولته الدينية رغم الكوارث التي افضت اليها، واليسار الليبرالي ما زال منغمسا في تفاصيل خصومته القديمة مع اليمين يدعوا لدولة هو نفسه لا يعلم تفاصيلها، وتظل تصفية حساباته مع الاسلاميين أهم من السلام والتنمية. دون شك فالطرفين حريصان على اقصاء بعضهما البعض باى تكلفة، سالت بينهما دماء غزيرة وعليه انعدمت مقومات التعايش وصعب عليهما لعق جراحهما الغائرة.
*في معركة الإقصاء المحتدمة استخدما ويستخدمان جميع الأسلحة القديم منها والمستحدث. مثلا تأييد جماعة تقدم لمليشيا الدعم السريع في كل جرائمها حتى ضد أسرهم وقراهم عبارة عن وجه واحد من تلك الأسلحة، فهزيمة اليمين بكل ما هو متاح اهم لليسار والليبرالين من سلامة أسرهم ومجتمعاتهم، وهو الآخر أمر صادم وغريب يماثل غرابة عدد حركات دارفور. ترى اى درجة من العداء والكراهية قد بلغها قطبا الرحى السودانى.
*تكشف هذا المواقف درجة الكراهية السياسية بين قوى سياسية مطلوب منها ان تعيش في وطن واحد..! بالطبع .. ومن وقائع الصراع لم يعد ذلك ممكنا..! فما يحدث هو محاولة افناء القوى السياسية لبعضها البعض مهما كلف الامر..! والى ان تقتنع القوى السياسية ان ليس بوسعها افناء القوى الاخري وان عليها تقديم التنازلات الصعبة لن ينته الصراع وسيفنى الوطن حتى بعد هزيمة المليشيا.
*المحاولات الخجولة التي حدثت في القاهرة واديس ابابا للجمع بين القوى السياسية كشفت الى اى مدى وصل حجم الكراهية والإقصاء بين القوى السياسية. يخادع نفسه والاخرين من يزعم ان تلك الاجتماعات كانت ناجحة.
خلاصة الأمر، في هذا الزمن الاعرج الكالح و حتى بعد انتصار الجيش لا توجد فكرة سياسية محددة يلتف حولها الناس، وهكذا تظل القوى السياسية غارقة في احلام ظلوط البائسة تنتظر المعجزات.

*أثبتت الحرب ان اليمين لن يكن بمقدوره ان يحكم بدولته الدينية القديمة التى رحل مؤسسها، ولا اليسار الليبرالي قادر على طرح مشروع وطنى تلتف حوله الجماهير لعدم وجود قائد ملهم بين صفوفه وهكذا بلغنا مرحلة انعدام الوزن وضبابية الرؤية.
*أكثر ما يعزز اليأس من القوى السياسية هو إلتجأ بعض (المثقفاتية) لما أسموه ب (تنسيقيات) القبائل، وهي ظاهرة انفردت بها قبائل كردفان ودارفور. إلتجأ هولاء المثقفاتية للمكونات البدائية يعكس بوضوح يأسهم من القوى السياسية بعد ان فقدت التأثير على الفعل السياسي.
* تنسيقيات القبائل ظاهرة جديدة تحتاج الى وقفة ودارسة، ففي ما نعلم ان القبيلة يكون لها ناظر او عمدة الخ… لكن ان يكون لها تنسيقية فهذه بدعة اجتماعية جديدة، وليس من الواضح ان كانت هذه التنسيقيات تحت سلطة النظار والعمد ام انها سلطة موازية، وما هي صلاحياتها؟ لله در مجتمعات دارفور وكردفان تتحفنا، كل مرة بالجديد، بدء من الحركات المتناسلة الى التنسيقيات التي اعتقد انها ستتناسل هي الاخرى ايضا.
*ستبدأ المرحلة الأصعب في تاريخ البلاد بعد انتصار الجيش، سيكتشف الناس ان القوى السياسية يمينا ويسارا بلا فكرة ولا تصورات محددة للحكم وتلك هى مقتلة بلادنا. فمن ما علمه الناس بالضرورة ان الدولة تبني على فكرة ورؤية محددة لأن التخبط يقود للفوضي، والفوضي تقود للجريمة ومن ثم الانهيار !
حاليا لا توجد فكرة عند القوى السياسية يمكن ان تجمع الناس.
*لست متشائما ولكنني قمين بأن انعدام الفكرة السياسية هو انجع وصفات التفكك، فالدول لا تقوم بدون فكرة محددة..! والجيوش ليس من مهامها طرح الأفكار السياسية، والقوى التى عليها طرح الأفكار السياسية جف ينبوعها ونضب معينها ومخزونها الفكري وتاهت..!

 

هذه الارض لنا