رسالة لندن في الذكرى السنوية الأولى للعدوان على غزة

 

عادل الحامدي

 

*على خلاف ما درج عليه قادة الحكومات البريطانية محافظين وعمالا، فقد امتلأت شوارع لندن وأدنبرة ونيوكسيل أمس بالحناجر البريطانية المنادية بوقف الإبادة الجماعية في حق غزة وأهلها، ومطالبين حكومة العمال بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح ونزع أي غطاء سياسي عنها في هذه الحرب التي تجاوزت كل الحدود.

 

*نظمت المسيرة بالتعاون بين المنتدى الفلسطيني في بريطانيا، حملة التضامن مع فلسطين، ائتلاف أوقفوا الحرب، أصدقاء الأقصى، الرابطة الاسلامية في بريطانيا، وحملة نزع السلاح النووي. وقد تميزت بحضور عدد من الشخصيات البارزة والمتحدثين الذين أكدوا دعمهم الثابت للقضية الفلسطينية. من بين المتحدثين كانت جوليا صوالحة، الممثلة الشهيرة، وليان محمد، الناشطة الفلسطينية البريطانية، وطوني قطان، المغني الفلسطيني.

 

*حمزة يوسف رئيس حكومة اسكوتلندا السابق شارك بنفسه في مظاهرة لندن يوم السبت، وهي الأضخم ضمن فعاليات يقيمها أنصار فلسطين في مختلف أنحاء المملكة المتحدة في الذكرى السنوية الأولى لانطلاق العدوان على قطاع غزة، تكلم بلسان أنجليزي فصيح مطالبا حكومة العمال بالانسجام مع مبادئها والانحياز لقيم العدل الدولي، والعمل على وقف فوري لإطلاق النار ومنع تزويد إسرائيل بالسلاح الذي تستخدمه في الفتك بالفلسطينيين.

 

*من جانبه رفع زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين السقف عاليا ليس فقط في تجريم الاحتلال والوقوف إلى جانب الفلسطينيين الذين يواجهون حرب إبادة وإنما ايضا في انتقاد الموقف البريطاني الرسمي من الحرب العدوانية على قطاع غزة.

*ربما لا يعول كثيرون على التظاهر في العواصم الكبرى من أجل وقف العدوان على غزة، بعد عام من الحرب سالت خلالها دماء عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين من النساء والأطفال من دون أن يرف جفن لحكومات الولايات المتحدة وبريطانيا والدول الغربية مجتمعة من أجل موقف حاسم وقوي يضع حدا لجرائم القتل الممنهج التي ارتكبتها وترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين وأضافت لهم اللبنانيين بشكل لم يسبق له مثيل من حيث كم الأسلحة المستخدمة والأهداف المتوخاة.

*العام الذي قضاه الفلسطينيون في مواجهة آلة الحرب الصهيونية البشعة بأجسادهم العارية إلا من الحق في الحياة وفي الأرض وفي السيادة عليها، قضاها أنصارهم هنا في المملكة المتحدة وباقي عواصم العالم الأخرى وهم يهتفون ويتظاهرون ويحاورون العالم ونخبه من اجل إعلاء قيم الحرية والعدالة والمساواة ووقف الانهيار الذي يقوده هذا المعتوه المسكون بهاجس النرجسية السياسية الصهيونية البائسة.

 

*يدرك أنصار فلسطين والحرية والعدالة في العالم أن لندن كانت بداية مشروع الاحتلال في وعدها المشؤوم، ويعلمون ان الاحتلال الصهيوني الآن لم يعد مصلحة بريطانية وحدها بل أمريكية وغربية بامتياز، لكنهم مع ذلك يدركون أن تحرير الأوطان فعل تراكمي، وأن الانحياز للحق وللقيم الإنسانية يستحق التضحية فعلا.

*لعل الرسالة الأهم في الذكرى السنوية الأولى لعدوان الاحتلال على قطاع غزة، أن العالم ليس واحدا في دعم الظلم، وأن الغطرسة الغربية والمعايير المنزدوجة في التعامل مع قضايا الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، باتت أمرا غير مقبول حتى في الدول الغربية نفسها.

*جيل غربي جديد لم يعش الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولا كان شاهدا على بيع فلسطين للصهاينة، يرفض أن يكون جزء من عالم ظالم يقتل الأبرياء ويدمر البيوت على رؤوس أصحابها فقط من أجل زرع كيان في قلب العالم الإسلامي.

*لم يكن العالم منقسما كما هو الآن، ليس فقط بسبب فلسطين وحرب الإبادة التي شهدت بها محكمة العدل الدولية وجزء معتبر من دول الجنوب، وإنما أيضا بسبب التنافس المحموم بين القوى الكبرى وما نجم عن ذلك من أزمات دولية توشك أن تتسبب في اندلاع حرب عالمية ثالثة لا أحد من عقلاء العالم له مصلحة فيها إلا المتنطعون من أعداء التعايش السلمي بين مختلف الثقافات والحضارات.

*وأعتقد أن حكماء لندن يستطيعون تعديل عقارب الساعة الأمريكية ليس من أجل مصلحة بريطانيا، وهي قائمة بالتأكيد، وإنما من أجل مصلحة أمريكا والعالم.. إذ بالعدل تزدهر الحضارات وتقوى الدول الرائدة وليس بالقوة والظلم والجرائم، فالعدل أساس العمران.

 

*كاتب وإعلامي مقيم في لندن