إجراءات إستخراج الشهادة السودانية ..  مضاعفة معاناة المواطن

  • شرعنة عمل (الوسطاء)
  • الصفوف والتزاحم على الخدمة تسببت في ظهور سوق الوسطاء
  • الوزارة عجزت في ايجاد أساليب تسرّع من الاجراءات وتمنع الزحام

تحقيق – أحمد عمر خوجلي:

آثار الحرب والعدوان الشامل لمليشيا الدعم السريع طوال أكثر من العام ونصف العام أمتدت لكثير من جوانب حياة المواطنين من  نهب ممتلكاتهم وأموالهم وتهديد أمنهم ودفعهم لترك منازلهم تحت تهديد السلاح  بحثا عن النجاة في المناطق الآمنة,  لتبرز من ذلك  واحدة من أهم المشاكل التي اتصلت باستخراج الأوراق الثبوتية المختلفة بشكل عام ، الآن نخصص هذه المساحة لرسم صورة واقعية تبين حجم  المعاناة التي يتعرض لها المواطنون في نافذة استخراج  الشهادة السودانية بمدينة بورتسودان  ، حيث لا يمكن  أن  يبدأ  المواطن البحث  عن دروب جديدة يواصل بها  الأبناء دراستهم الجامعية  خارج السودان إلا بها، وهذه المعاناة هي عبء إضافي زاد ما هو موجود على عاتق الأسر  من أعباء كثيرة سببتها هذه الحرب.

 

إختيار بورتسودان:

كان من حسن الحظ إنقاذ المعلومات الخاصة بالشهادة السودانية وارشيفها لأكثر من عشرين عام, وأصبح متاحا استخراج الشهادة لكل الممتحنين باللغتين العربية والإنجليزية حسبما أعلنت وزارة التربية والتعليم الاتحادية  قبل أكثر من عام  ، في شهر سبتمبر من العام الماضي بدأ استخراج الشهادة السودانية بمركز جامعة البحر الأحمر بمدينة بورتسودان، عقب توقف استخراجها من الخرطوم جراء الحرب ، كانت خطوة مهمة لأن آلاف الأسر التي فقدت وثائقها تنتظر مثل هذا القرار وهذه الفرصة ، ولكن اختيار ولاية البحر الأحمر كان يشتمل على صعوبات كبيرة وتكاليف مادية ، خصوصا بالنسبة للمواطنين الذين يسكنون في الولايات الأخرى الآمنة من المقيمين أو النازحين ، وتمّ فتح المركز رغم الانتقادات لقرار اختيار بورتسودان.

بداية موفقة:

تناقل المواطنون خبر افتتاح وزارة  التربية والتعليم الاتحادية مركز لاستخراج الشهادات  بولاية البحر الأحمر ، ولأن المضطر لابد له من ركوب الصعب ، توافد المواطنون إلى مقر المركز الجديد في جامعة البحر الأحمر ،  مركز دراسات ثقافة البجا ، وكانت البداية سهلة ميسرة ، الوزير الراحل الحوري كان يشرف على العمل بنفسه ويوقع الشهادات ويظل مرابطا بالمركز كأحد الموظفين ، كان جل الطاقم العامل من القيادات في الوزارة مضاف إليه بعض المحاسبين ، والمنظمين كانوا من الحرس الجامعي بالبحر الأحمر أو من قوات نظامية أخرى ، الشهادة يمكن أن تستخرج  في ذات اليوم أو اليوم التالي على  الأكثر ، وعلى من يستلمون شهاداتهم أو شهادات أبناءهم أن يتجهوا إلى مركز وزارة الخارجية المجاور في جامعة البحر الأحمر ، لإنجاز عملية التوثيق بالخارجية حتى يكون بإستطاعتهم التقديم لأبنائهم في جامعات الخارج لمواصلة الدراسة أو التقديم الجديد.

تزايد الزحام:

بمرور الوقت  واحتلال المليشيا لأجزاء من ولاية الجزيرة فضلا عن تجاوز نازحو الخرطوم لحالة الربكة والصدمة الأولى وبدء  التفكير في انقاذ حياة ابنائهم الأكاديمية ، ظهرت الصفوف والتزاحم على الخدمة وبدأت  علامات الضغط والتوتر والتأخير ليوم أو يومين ، في هذه الاثناء ظهر سوق الوسطاء استخراج وتوثيق الشهادات ، المبالغ كان قليلة لم ترتق بعد إلى درجة الانتهازية والتربح والتكسب بفرض الأموال والمبالغ الكبيرة كسعر موازي للخدمة.

حسابات منطقية:

ظهرت إعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث عن امكانية استخراج الشهادات للراغبين والمبالغ تضاعفت عدة مرات ، وبدأ هذا السوق في الازدهار ، لأن حسابات المنطق تقول إن أي سفر إلى بورتسودان من مناطق الشمالية, الخرطوم او  نهر النيل وغيرها  تضاعف كلفته الرسمية هذه كلفة  التعامل مع الوسطاء.

ظهور المحامين:

أقرت إدارة المركز شرط صلة القرابة من الدرجة الأولى لكل من يريد استخراج شهادات لآخرين ، أو إبراز توكيل قانوني ، هذا الأمر زاد الاتجاه إلى النوافذ بعيدا عن هذا الباب الموارب – وليس مغلقا بالكلية -، كما أنه فتح الطريق أمام مجموعة من المحامين الذين زادت أعدادهم في بورتسودان  بعد توقف أعمالهم أمام المحاكم في مناطق عديدة من البلاد سيما ولاية الخرطوم ، وهذا الأمر أدى إلى شرعنة عمل الوسطاء إلى حد كبير.

مرحلة جديدة:

اشكالات الزحام والتأخير أصبح سمة ملازمة في مركز استخراج الشهادات, الوزير الراحل الحوري أصبح قليل المرور على المركز وأصبح نشاطه وحضوره أقل من ذي قبل, ربما بسبب المرض أو الارهاق ، في الأثناء قررت إدارة المركز أو – وزارة  التربية بالاحرى – الرحيل إلى مبنى أخر يتبع لوزارة التربية الولائية ، هناك بدأت الأحوال تسوء بشكل تدريجي وأصبح استلام الشهادة يستغرق اياما عديدة ، والوزير غادر إلى القاهرة للعلاج ، الشكوى من التأخير مستمرة ، المدة بدلا من الأيام صارت اسابيع ، في هذه الظروف أصبح نشاط الوسطاء في تزايد ، ثم توفي إلى رحمة مولاه الوزير,  اجتهدت القيادات الموجودة في سد فراغ كبير حتى أصبح الأمر كــ (شملة كنيزة)

مثال أول:

صادفت إجازة  الإحتفال المولد النبوي الشريف  الآخير يوم أحد ، المركز لم يعمل وكان قبلها الاجازة الرسمية ليومي الجمعة والسبت ، وكان هناك تراكم للشهادات صارت ثلاثة أسابيع ، علما بأن اليوم يبدأ تقريبا في الثامنة وينتهي في الثانية ظهر ا ، والعمل في المركز منذ اليوم الأول يقوم على شقين الأول هو دفع الرسوم وتقديم طلب استخراج الشهادة ، والثاني استلام الشهادة ، وفي وسط ذلك هناك العديد من الشكاوى والمعاناة لأسباب مختلفة  تؤدي في النهاية إلى التأخير ، والذي يعني مزيد من الصرف والانتظار وهدر الوقت ودخول تواريخ التقديم للمنح الخارجية للطلاب ، ومن يتأخر عن ابراز الشهادة السودانية في التوقيت النهائي المضروب يفقد الفرصة ، في هذه الاثناء جاء قرار نقل المركز كرئاسة إلى مدينة عطبرة حيث رئاسة الوزارة لأمور تتصل بترتيبات انعقاد امتحان الشهادة السودانية ، فكان أن أعلن يوم الخميس إجازة ويوم عمل ، ومحصلة كل ذلك هي مزيد من تراكم الطلبات وزيادة في أعداد المنتظرين ، مضاف إلى ذلك الساعات التي ينقطع فيها التيار الكهربائي و قد تصل إلى نصف اليوم , الحاجة إلى سرعة الانجاز صارت  تجبر كثيرين للوصول إلى الغرض المطلوب – استخراج الشهادة – عبر الوسطاء.

مثال ثاني:

العدد المتوسط للمتقدمين بطلبات استخراج الشهادة السودانية في كل يوم يصل إلى مائة وخمسين شهادة ، رسوم كل شهادة خمسة عشر ألف جنيه ، في الاسبوع اللاحق للاجازة والأخير في شهر سبتمبر بدأ توافد المواطنين من طالبي الخدمة منذ الفجر ، حتى يأخذ كل شخص مكانا متقدما ينهي به اجراءات التقديم في زمن مبكر ، التيار الكهربائي انقطع ـ وتوقف كل شي ، ومن غرائب الأمور أن هناك مولد كهربائي جديد لا يعمل وعندما سألت عن سبب ذلك قالوا (الجاز) غير متوفر وانهم مضوا الى البنك حتى يصرفوا اموالا  لشراء الوقود ، جاء الوقود وظل الحال كما هو عليه لا عمل وعشرات المنتظرين ، بعد فترة علمت أن الفني غير موجود ، بشكل مفاجي  تم تشغيل المولد وبدأ العمل من خلال  نافذتي استلام الرسوم  ، احداهما بدأت العمل مع توصيل الكهرباء والأخرى ظل صاحبها غير موجود قرابة الساعة من توفر الكهرباء

الحال الراهن:

بعد نقل رئاسة المركز إلى عطبرة استمر التقديم من مدينة بورتسودان ، الأسماء يتم ارسالها إلى عطبرة ، ولا شك أن عطبرة بها أعداد كبيرة وافدة من مناطق أخرى سوف تهرع إلى  المركز هناك لإتمام إجراءات استخراج الشهادة ، وأصبح مركز بورتسودان ينتظر ارسال الشهادات من عطبرة مثل ما تفعل ادارة الجوازات ، علما بأن الاجراء رغم التأخير لم يطبق في مناطق اخرى  في الولايات الآمنة منذ معاودة الوزارة استخراج الشهادات ، وهذا سؤال يحتاج إلى اجابة.

خلاصة:

خلاصة أمر إستخراج الشهادات هي المزيد من المعاناة على مواطن أصلا ضاعفت الحرب من معاناته واستنزفت موارده بالنهب ، الأمر الثاني من هذه الخلاصة هي أن الوزارة عجزت أو لم ترغب في اجتراح أساليب تسرّع من الاجراءات وتمنع الزحام وتتحاشى التأخير الذي يجعل المواطن يفقد أمواله في انتظار الاجراء في مدن قد تكون بعيدة عليه ، أو ان يأتي عبر الوسطاء في السوق الموازي ويدفع الكثير

مسؤولية من ؟

صحيح أن الحرب صرفت وشغلت الدولة عن مهام الرقابة والمتابعة اليومية  فيما يلي الخدمات التي تقدم للمواطن ،  وان الكثير من المؤسسات اكتفت بعدد محدود فقط لتسيير اعمالها بما يشبه الاحتكار ، لكن الأمر كشف عن  فشل  زريع  في جوانب مهمة تتصل  بالسعي للتخفيف عن المواطن بقدر الإمكان والانتباه ولو قليلا لمقدمي ومنتظري  الخدمات ، وهذه مسؤولية مجلس الوزراء الذي باتت وزاراته المختلفة تهتم فقط بالايرادات والرسوم لتغذية الخزانة العامة ولا تهتم بجودة المقابل وهو الخدمة، في الوقت الذي تسبب فيه هذا التركيز  في جعل عدد كبير من المواطنين يصرفون اكثر من تلك الرسوم لأن الفشل والتاخير بسلوك الدرب “العديل “هدد نجاحهم في اتمام الإجراءات التي يسعى المواطن لاكمالها كما هو الحال في الشهادة السودانية.