بمناسبة اليوم العالمي للمسنين… (761) مليون مسن في العالم منهم (7) مليون بالسودان
- زيادة حالات الإكتئاب وسط المسنين السودانيين بعد الحرب!
- مشهد صادم لمسنين قرب خزان سنار يعيشون أوضاعا بائسة غير كريمة
- الطب النفسي للمسنين تخصص طبي حديث فهل يجد طريقه للسودان؟
تحقيق: التاج عثمان
**يحتفل العالم في الأول من أكتوبر والذي صادف هذا العام يوم الثلاثاء الماضي باليوم العالمي للمسنين والذي حددته الأمم المتحدة لأول مرة عام 1990م بهدف نشر الوعي وسط المجتمع بضرورة العناية بكبار السن وتقديم الخدمات الضرورية لهم والحفاظ على حقوقهم .. ومن أهداف المنظمة الأممية للإحتفال توعية المجتمعات والحكومات العالمية بأهمية الوقائية والعلاجية للمسنين .. وآخر توصيات الأمم المتحدة في شأن كبار السن ضرورة توفير التكنلوجيا الملائمة لهم وتأهيل وتدريب موظفين مختصين في مجال رعاية المسنين بجانب إبتداع المنظمة لوظيفة (جليس المسن) .. بهذه المناسبة العالمية تسلط (أصداء سودانية) عبر هذا التحقيق حال المسنين السودانيين وكيفية إنتشالهم من المشاكل والضغوط النفسية والمعيشية التي يرزحون تحتها قبل وأثناء الحرب وبعدها حتى يعيشون معززين مكرمين في بلدهم**
المسنون بالخارج
بداية ننوه ان التحقيق الصحفي لا يشمل فقط المسنين نزلاء دور المسنين المختلفة المتواجدة ببعض المدن السودانية على قلتها، بل يشمل ذلك المعاشيين وكل من تجاوز عمره (65) عاما.. وإستنادا لموقع الأمم المتحدة فإن عدد المسنين في العالم تضاعف بوتيرة سريعة، فالذين تفوق أعمارهم (65) عاما وأكثر تضاعف ثلاث مرات، حيث قفز عددهم من (260) مليونا في عام 1980م إلى (761) مليونا في عام 2021م. وتتوقع الأمم المتحدة ارتفاع النسبة العالمية من المسنين من (10%) إلى نحو (17%) حتى عام 2050م.. وقدرت إحصائية غير رسمية ان عدد المسنين في السودان يناهز (7) مليون مسن غير ان البعض يرى ان العدد اكبر من ذلك بكثير.
ووفقا للموقع فإن الأمم المتحدة راضية كل الرضى عن حال المسنين في الدول الأوربية حيث يشهدون طفرة كبيرة من حكومات تلك الدول وتخصيص ميزانيات معتبرة لهم بجانب تمتعهم بمزايا عديدة لا تتوافر لدي مسنين الدول (النائمة) ومنها للأسف السودان .. وعلى سبيل المثال فإن دور المسنين في الدول الغربية والأسيوية لا تقل عن الفنادق في شي، وهناك أطباء متخصصين في امراض الشيخوخة للكشف الدوري عنهم، بجانب تخصيص ما يسمى (المسار السريع) حيث يكون لهم الأولوية في الحصول على الخدمات الطبية بشكل أسرع، وتخصيص الطوابق الأرضية في المستشفيات والوحدات الخدمية الحكومية لهم حتى لا يتكبدوا مشقة التنقل بين الأدوار العليا.. كما يتمتعون بتخصيص دعم نقدي لهم، والتشخيص المبكر للأمراض المرتبطة بالشيخوخة، ومتابعة حالاتهم النفسية والعصبية، والعلاج المجاني لهم بما فيها الأدوية، وإقامة مناشط ترفيهية ورياضية خاصة رياضة المشي للحفاظ على صحتهم.. بل هناك تخصص جديد في علم النفس يطلق عليه (الطب النفسي للمسنين) وهو أحد فروع الطب النفسي ويهتم بالإضطرابات النفسية وحالات الإكتئاب التي تصيب عادة المسنين.. بجانب إبتكار مهنة (جليس المسن) والذي يرعى المسن داخل منزله.. فأين لمسني السودان من كل هذا؟!.
مشاهد صادمة
مشهد صادم لمسنين سودانيين يفترشون الأرض قرب خزان سنار يعيشون حياة بائسة غير كريمة، لا دار تأويهم ولا دولة ترعاهم ولا مجتمع يأخذ بيدهم، المشهد تحول لتحقيق صحفي نشر بصحيفة (نبض السلطنة) الإلكترونية اليومية التي تصدرها إدارة الإعلام بولاية سنار والتي كنت أعمل بها حتى هجوم الجنجويد على عاصمة الولاية سنجه.. التحقيق الميداني كشف عن مآسي إنسانية موجعة لهم حيث يفتقدون لأبسط مقومات الحياة ولذلك يتوجهون لسوق سنار للتسول ومن تبقت لديهم قليل من الصحة والعافية تجده يفترش كوم من الليمون او الطماطم لبيعها في السوق ودخلها كما يقول أحدهم: ” لا يكفي لشراء وجبة واحدة واحيانا تكون وجبة من الخبز الجاف!!”. وكان من أهم نتائج التحقيق الصحفي المشار إليه أن عدد من شباب سنار شرعوا في تقديم مساعدات عاجلة للمسنين والشروع في تشييد دار لهم.
المشهد الصادم الثاني وقفت عليه ميدانيا بدار المسنين والعجزة بسنجه، (25) من المسنين يعيشون داخل الدار لكن تنقصهم الكثير من المعينات رغم ان مديرة ومشرفات الدار يبذلون قصارى جهدهم لخدمة المسنين إلا ان الجهة الرسمية المسؤولة عنهم لا تأبه بهم وتقدم لهم ميزانية ضئيلة لا تفي بمستلزماتهم سوى إسبوع على الأكثر.. والإشكالية الكبرى ما همست به إحدى مشرفات الدار بقولها:
“عند مرض أحد المسنين خاصة ان بينهم عدد من أصحاب الأمراض المزمنة سكري وضغط ليس لدينا ميزانية للترحيل رغم أن بعضهم من مرضى السكري يكونون في حالة غيبوبة بسبب إنخفاض السكر ويحتاجون لإسعافهم عاجلا بالمستشفى حتى لا تتأزم حالتهم الصحية ويدخلون تحت دائرة الخطر!.. فنضطر لإستجداء أصحاب الركشات او العربات الخاصة من الجيران لإسعافهم ونقلهم للمستشفى، والخطورة إذا مرض أحد سكان الدار ليلا وقتها لا نجد وسيلة لنقل أصحاب الحالات الحرجة للمستشفى فيبقون على حالتهم المرضية حتى صباح اليوم التالي وتكون حالتهم المرضية قد ساءت كثيرا”.
في عيد الأضحى كنت برفقة الفريق الإعلامي الذي رافق والي ولاية سنار في زيارته لدار المسنين بسنجة لتهنئتهم بالعيد، وقد إنبرت له إحدى مشرفات الدار بشجاعة وكشفت معاناة المسنين فوعد الوالي بزيادة ميزانية الدار لكنه كان كلام والسلام ظل الحال كما هو إستنادا لما ذكره لي بعض المسنين هناك.. وبعد إعتداء سنجة بواسطة الجنجويد ساءت حالتهم وتأزمت كثير فمديرة ومشرفات الدار خرجوا من المدينة خوفا على حياتهم.. كنت أشاهدهم يجلسون في صمت مطبق صباح كل يوم امام الدار الواقعة بالقرب من مسجد سنجة الكبير تواصلت معهم وهالني حجم المعاناة التي يعانونها لدرجة الإكتئاب الجماعي الذي أصيبو به والجوع الذي يفتك بهم والأمراض خاصة الملاريا التي عصفت بأجسادهم الهزيلة عصفا.
الواقع المُر
كنت أتردد على المسنين يوميا في دارهم بسنجة، وذات يوم وبينما نحن جلوسا على عنقريب مهترئ خارج الدار وامامنا مباشرة كنا نشاهد أفراد الجنجويد يجتازون الطريق الرئيسي الرابط بين السوق الكبير والسوق الشعبي بالسيارات والمواتر التي نهبوها من المواطنين وكانوا ينظرون تجاهنا بدون مبالاة، حكى لي بالتفصيل معاناتهم وعدم توفر المواد الغذائية للدار بعد دخول الجنجويد لسنجة، وكان المسن يشكو لي حالة سكان الدار فاحيانا يمر أكثر من يوم لا يتناولون فيه لقمة واحدة، ورغم أننا في سنجة لم نكن بأحسن حالا منهم إلا أننا كنا نمدهم بالدقيق واحيانا بالقراصة الجاهزة وبعض المواد الغذائية الأخرى خاصة العدس والبامبي والسكر إن وجد.
سألت جليسي المسن بقولي: لماذا لم تخرجوا مع سكان المدينة بعد دخول مليشيا الدعم السريع المتمردة لسنجة بدلا من كل هذه المعاناة؟.. أجاب مستنكرا سؤالي:
“يا أستاذ ماذا تقول، فنحن عجزة لا نتحرك إلا بصعوبة فكيف نخرج من المدينة سيرا على الأقدام ومنا مرضى وبعضهم لا يستطيع المشي على قدميه بل يزحف على بطنه زحفا؟!”.
عموما بعد الحرب المسنين في السودان يحتاجون لعمل كبير ينتظر الحكومة المؤقتة ووزارات التنمية الإجتماعية بكل الولايات، لإنتشالهم من الواقع المر الذي يرزحون تحته، خاصة ان عددهم لا يستهان به، بجانب ان الحرب جعلتهم يعانون من الإكتئاب وبعض الأعراض النفسية والعصبية.