ما يحدث في جنوب السودان نموذجا..السودان … إلتقاء المصالح والخطر المحدق بدول الجوار

- التهديد لا يُقتصر على السودان بل يتجاوز حدوده ويهدد أمن دول الجوار
- تدخل الجماعات المسلحة في الحرب السودانية عزّز من فرص التدخلات المُسلحة ويشكّل تهديدًا لجميع دول الجوار
عبدالله محيي الدين الجنايني:
يُمثل السودان، بامتداده الساحلي المتعرج على البحر الأحمر، حلقة وصل حيوية بين دول لا تمتلك موانئ بحرية, تُشكل هذه النقطة الجيوسياسية مُحورًا حيويًا للتجارة والإستراتيجية، لكنها أيضًا منطقة صراع محتملة ومصدر خطر مُحدق على دول الجوار، مُهددةً أمنها واستقرارها
فالساحل السوداني يعتبر مركزاً تجارياً حيوياً، وخطراً يؤثر على المنطقة والعالم أجمع ..حيث يطل على أخطر ممر مائي هو العمود الفقري للتجارة العالمية والشؤون العسكرية والإقتصادية.
شريان حيوي:
إذ يُعَدُّ الساحل السوداني على البحر الأحمر بإمتداده الطويل المُزدان بالخلجان الواسعة، مركزًا تجاريًا مُهمًا ويتيح هذا الساحل إمكانية إنشاء عشرات الموانئ، ما يجعله شريانًا حيويًا لنقل البضائع والمواد الأولية لدول الجوار… بل إنّ بعض هذه الدول، لا سيما تلك التي تعتمد بشكل كبير على الإستيراد والتصدير، تتعامل مع السودان كممر أساسي لتجارتها، بما في ذلك صادرات النفط
و يتجلى هنا دور السودان كسبيل تجاري حيوي لتلك الدول لا غنى عنه، الأمر الذي يضعها في موقع تبعية إقتصادية مُحتملة… وهذه التبعية، بدورها، تُعرّضها لخطر التحكم الخارجي، وتُشكّل أرضًا خصبة للتدخلات الخارجية وتهديد أمنها الداخلي ووحدتها,إن لم تحسن أدب الجوار مع الدولة السودانية.
ولابد لنا من وضع الإعتبار لمليشيا الدعم السريع وتهديدات دول الجوار وأمنها الداخلي وإدراك أن خطة مُعقدة تحيط بتلك الأنظمة وشعوب الدول التي تحيط بالسودان.
غزو أراضيه وتهديد أمنه:
إن هذه الماليشيا والمتضامنون معها، والتحركات المُحتملة من بعض الدول الإقليمية لتأييدها بعد شراء ذمم حكامها بالمال والرشاوى، فإنهم يمثلون تهديدًا مباشرًا لأمن السودان، وذلك من خلال زعزعة الاستقرار وغزو أراضيه وتهديد أمنه الديمقرافي ومحاولة تغييره ديمقرافياً أي إستبدال سكانه بآخرين وتشريد سكانه الحاليين من مدنهم وقراهم بقوة السلاح والفتك بهم دون مراعاة لحقوق الإنسان. هذا التهديد لا يُقتصر على السودان فقط، بل يتجاوز الحدود ويهدد أمن دول الجوار. فكيف ستتأثر تلك الدول جراء أزمة السودان؟
إنّ الحرب في السودان ستؤدي إلى عرقلة تجارتهم، وقطع سبل إمداداتهم، وإضعاف إقتصادياتهم بالتحديد، وستكون تأثيرات الحرب على إمدادات الوقود، إضافةً إلى السلع المُستوردة، كارثية على هذه الدول, يُضاف إلى ذلك خطر النزوح والهجرة الجماعية المُحتملة، وإختلال التوازنات السكانية في المنطقة, هذه التغيرات ستُشكّل ضغطًا هائلًا على البنى التحتية للدول المُجاورة، إضافةً إلى المُشكلات السياسية المُحتملة, فهل يُعَدُّ ذلك خطة مُتفق عليها لزعزعة استقرار المنطقة ؟
إن التدخلات الإقليمية تمثل إضراراً مُتبادلاً تقوم به الدول التي لها مصالح في زعزعة الأمن وتهديد الإستقرار في الدول الإقليمية المقصودة, إما لسرقة ثرواتها الضخمة في باطن الأرض أو صناعة الأسواق أو بيع السلاح أو تدمير الإقتصاد وإستغلال البلدان لأعمال عسكرية أو كل ذلك مجتمعاً , ولذلك فإن الحرب في السودان تؤثر بشكل مباشر على حكومات دول الجوار.
إنّ التدخل المباشر أو غير المباشر للمليشيات، أو بعض الدول، يُمكن أن يُسبب عدم الاستقرار السياسي في هذه الدول، ويُسهم في تمردات محتملة من قادة الجيش الوطني المعنيين بالدفاع عن أوطانهم
إن السماح بالتدخل في شؤون تلك الدول من جانب المليشيات ودول الشر التي تسعى لغزو الدول المستقلة والحرة لها يُضعف قدرة هذه الحكومات على حماية مواطنيها، وبالتالي يُشكل تهديدًا دائمًا للأمن الإقليمي.
ولننظر بعين الإعتبار إلى التدخلات المسلحة وتهديد إستقرار المنطقة .. الذي حدث في السودان نتيجة شراء ذمم قادة مليشيا كانت تعمل تحت إمرة القوات المسلحة ..فزينوا لها أنها يمكن أن تحكم السودان وتهجر شعبه وتحرق مدنه, وتعمل على تغيير في السكان بحيث يحل عرب الشتات المبعثرين في أنحاء أفريقيا المتفرقة ويسكنون المدن والقرى بعد تهجير سكانها في عموم أرض جمهورية السودان تحت رعاية دول الشر .
ثم أن هذه المليشيا تمردت بعد تزويدها بالسلاح على قيادة الجيش الوطني الذي تتبع له ..وشنت حرباً عنيفة للقضاء على الجيش والشعب.
بؤرالصراعات المُسلحة :
لهذا فيُمكن القول إنّ تدخل الجماعات المسلحة في الحرب السودانية عزّز من فرص التدخلات المُسلحة، و شكّل تهديدًا مُباشرًا لجميع دول الجوار
فهل يمكن القول إنّها مؤامرة متشابكة تهدف إلى زعزعة الإستقرار على المستوى الإقليمي؟
إنّ عواقب ذلك ستكون مُدمّرة. فماذا سيفعل قادة الجيوش الوطنيون في تلك الدول؟
إنهم إن تركوا الحبل على الغارب فستصبح هذه المناطق بؤرًا للصراعات المُسلحة، ممّا يزيد من مُشكلات المنطقة ويساهم في خلق مناطق من عدم الاستقرار في المنطقة
لابد من تعاون إقليمي وتنوير للمنظمات الدولية وحثها على الوقوف مع حقوق الإنسان والدول القائمة وشعوبها الحرة؟
يُجب على دول المنطقة الإلتزام بتحقيق التفاهم المُتبادل… يجب إيجاد حلول سياسية مُرضية لجميع الأطراف، مُشجعة على الحوار، والعمل معًا لإحتواء الأزمة التي تمتد الآن بقوة وسرعة لتشمل كل المنطقة.
التنسيق الإقليمي:
إن هذا يتطلب أيضًا تنسيقاً إقليمياً فعّالًا وتعرية دول الشر وخطورة سياساتها على إستقرار وأمن شعوب المنطقة، من خلال الدعم السياسي .. ولابد من توفير الدعم الاقتصادي من المجتمع الدولي لتوفير المساعدات الإنسانية، والعمل على تحقيق سلام شامل
يجب العمل على إنشاء آليات مُشجعة لحل النزاعات سلميًا والحدّ من التوتر المُتزايد.
ما يحدث في جنوب السودان:
فإن مايحدث الآن في جنوب السودان وفي أثيوبيا والتحركات للمعارضة في تشاد .. وغيرها من البلدان التي ستنسحب عليها نتائج مؤامرة تهديد الأمن في دولة جمهورية السودان .. هو مؤشر خطر لابد للزعماء السياسيين والعسكريين من تداركه الآن قبل فوات الأوان
إن السودان، بمساحته الساحلية المهمة، يُعَدُّ نقطة محورية في الجيوسياسية الإقليمية. إلا أنّ الوضع الحالي، مع الصراع الدائر والتدخلات المُحتملة، يُهدد أمن وإستقرار دول الجوار
ونحن هنا نرفع الراية الحمراء ونشير إلى أنه يجب معالجة جذور الأزمة عبر حلول مُستدامة، تعتمد على الحوار والتدخلات الإقليمية، إضافةً إلى دور فاعل مُشجع على الإستقرار الدولي في مغاقبة الدول التي تسعى لتهديد أمن وإستقرار الشعوب .. وكذلك لابد من تشكيل محور إقليمي قوي يعمل بقوة لإستقرار شعوب المنطقة .. ففشل التصدي لهذا الوضع سيُفضي إلى تداعيات مُدمّرة على المنطقة ككل وسنرى سقوط حكومات دول الجوار متهاوية ولعل ذلك يهدد بقاء تلك الدول ذاتها.