متناثرات إبداعية

نص ولوحة: لبنى ياسين / سورية مقيمة في هولندا
شتات وألم يصنعان الصمت
ويا ألم الليالي…كيف أمضي؟
وفي صدري من الآهات نوحُ؟
أَنا المنْفى في وجعي وحلمي
يظلُّ على دمي حزنٌ يفوحُ
فلا أرضٌ أعود لها قريبا
ولا في الأفقِ يشرق لي طموحُ
ويا وطني البعيد أراك طيفا
يناديني.. فيخذلني الجموحُ
أحن إليك في صمت المآقي
وفي عينيَّ تقتتل الجروح
أيا حلمي المخبأ خلف وهمٍ
أما لليل..عتمته. نزوح؟
ويا وطني البعيد… أما كفانا
شتات الحلم.. والقلب الذبيح؟
أراك بكل ألحاني ووجدي
وفي شعري..تناثر منك روحُ
//////////////////////////
مواجهة
ليلى مهيدرة / قاصة وروائية من المغرب
كان يرقبني من وراء أكوام الورق، وكنت متوجسة من نظرته تلك مع أنني أحاول تصنع القوة والشدة، اعتدل في جلسته مدلدلا رجليه من على سطح مكتبي، استمررتُ أنا في تفحص صفحة ما كنت لأرَى ما فيها لأني كنت منشغلة بالتفكير في ردة فعله .. بدا هادئا ..رزينا .. كأنما يبحث عن سؤال يبادرني به أو عن تفسير مقنع لقراري هذا، ترجل وبدأ يمشي بخطوات موزونة أمامي كضابط شرطة محنك وأنا أقنع نفسي أنني أملك من المبررات ما يجعلني سيدة الموقف دائما .. تذكرت القولة الشهيرة أن خير وسيلة للدفاع -أجل الدفاع لأني أدرك أنني مطالبة بتبرير موقفي هي الهجوم . سالت بثقة تامة :
– ماذا ستفعل الآن ؟
– في ما ؟
– أخبرتك أنك ملزم بالرحيل اليوم
– والى أين ؟
– إلى أي مكان تختاره ..أنت حر الآن
– وماذا سأقول للناس وكيف سيتقبلون شخصية وهمية مثلي …. ماذا عن ماضيّ ومن أكون ؟
-كما قلت لك وكما كررت مرارا لست أول كاتب يخترع شخصية ويلبسها نمطا معينا ويجعلها تعبر عن مواقفه
– والآن ؟
والآن ماذا ؟
اتضحت مواقفك وما عدت في حاجة لي.
– لا إنما كنت مرحلة وانتهت.
– ولو سألني الناس ماذا سأقول لهم .. سامحوني فأنا قررت الرحيل عن زمن ولى ولو سألوني ما اسمي سأقول ربما سيد أو محمد أو عربي أو أو …ومهنتي في غزة كنت مناضلا وفي المغرب مهاجرا سريا وفي بلاد لا اعرف موقعها في الخريطة كنت لاجئا …أليس كذلك ؟
– الأمر أبسط مما تتصور .. إفقد ذاكرتك وابحث فيهم عن هوية جديدة.
– مثل ماذا ؟ أنسيتي أنني كنت أسترق النظر إليهم من وراء عينيك وأراهم ضائعين أكثر مني… خائفين من الآخر دوما… متضايقين من مستواهم المعيشي وغير راغبين في شخص جديد حتى وإن كان شخصية وهمية.
سيعتبرونني مدسوسا عليهم من سلطة فوقية… والسلطة ستعتبرني إرهابيا متطرفا يدس الفكر المرفوض بين شباب مستعد لتقبل كل فكر غريب.
وقد يراني البعض منقذا لهم وأملك من التجارب ما قد يجعلهم أقل ضياعا.
– -أنت تضخم الأمور.
– ألست شخصية وهمية؟ الكل مهووس الآن بالعالم الوهمي.
– -الناس أبسط مما تتصور ولو قررت العيش بينهم سيحبوك وسيمنحوك من عطاياهم.
– -ولو سألوني من أين أتيت، ماذا سأجيب ؟
– – لن يسألوك وحتى إن سألوك قل أي شيء لن يهتموا أبدا.
– – من الذي لن يهتم هم أم أنت ؟ كيف تتخلين عني وكنت المعبر عن أفكارك دوما هل سمعت يوما بكاتب يتخلى عن بنات أفكاره وشخصياته.. هل أعدد لك من ماتوا دفاعا عن مواقفهم وخلدت شخصياتهم.
– -إذن تفكر في موتي لتخلد أنت ؟
– – بل أفكر في أن نخلد معا أم أنك قررت البحث عن شخصية عاجزة كالمحيطين بك ؟
– – لا يهم
– – وما المهم إذن تغيير المعطف دوما وتغيير اللون والمذهب… المهم أن تظلي اسما مطيعا لا يجيد غير كتابة التهليلات والتكبيرات وكلمات التأبين… والشخصيات تتغير بتغير الزمن يا سيدة زمن الخضوع …أتدري سيدتي شرف لي أن أستاذتي فأنا من سيستقيل منك وعنك لعل التاريخ يذكر بعضا مني …..
تأبط بضع وريقات من على سطح مكتبي وفرشها أرضا، ربما أدرك أن لا جدوى من الحوار، جلست أرقبه وبداخلي غصة فرحة ، فالفرح في موقفي هذا ليس دليل انتصار وإنما هو إحساس داخلي أشبه بالحزن أو الخزي إن صح التعبير ، رمقني بنظرة فاحصة كأنما يكتب صك تحرره مني ويلغي بالتالي قراري حتى لا أعلن انتصاري عليه يوما، قهقه عاليا لتتحول ضحكته إلى نار تلتهمني قبل أن تلتهمه والأوراق.
////////////////////
قصيدة نثربة / كلماتى
بقلم الشاعر : محمد أرزيقات / فلسطين
كلماتى تلامس الارواح
تشفى الجروح العميقة
كأنها الترياق
سكنت فوق السطور
مشاعري رفرفت
لها العيون بالاشواق
اشعارى حدائق الورود
فاح شذاها
اطربت قلوب
في وقعها حد السيوف
لا تجارى ظالما تجاوز
الحدود ….
تمسح الاحزان عن
الضرير تعطي الامل
لكل اسير ….
كلماتى ليست من وحي
الفراغ بل هي ابجدية
الابداع ….
المعاني تبكى تفرح
تهدي النفوس دروبا
و ارزاقا ……
لغتي كالطيور المهاجرة
يشدها الحنين
إلى وطن فترجع
عاشقه ….
بين ثنايا الموت وطني
يحيا اكتب عنه
بمفردات الحب وألم
وحين تتلاطم امواج
الحياة اسرع
إلى أونس محبرتي
بيني وبين دفاتري
عهد الوفاء اصيل
الكلمة دون استرضاء
كل حرف بقصيدتى
نجمة تسافر عبر الأفق
تحمل رسائل سلام
للحيارى وامنيات
سأنثر الحروف بالأوراق
كالبذور في الحقول
البعيدة …
منتظر حين تبتسم
الوجوه وارتشف الثناء
لحسن القصيدة .
/////////////
قصيدة الذوبان / حوار الثلج والماء
نازك الخنيزي / شاعرة من السعودية
قال الثلج:
سأجعلُ من صمتي قصيدة،
تحملُ في طيّاتها دفءَ القطب،
وترسمُ على الشفاه بردًا
يُناغي قلبًا يعادي الجفاء…
فقلتُ أنا:
سأجعلُ من خريرك رواية،
تسكبُ في أوراقها عمر النهر،
وتحملُ في حناياها قلبًا
تحوّل إلى شجرةٍ
تثمرُ أسماءَ المطر هناك.
صمتُ الثلج كتب فوق الزمن:
“كلُّ جُرحٍ بدايةُ بردٍ يذوب… ليولد ندى.”
وخريرُ الماء ردّ عليه:
“وكلُّ ذوبان… هو رحلةٌ إلى الجذر،
يشربُ الألم ليورقَ أحلامًا.”
هكذا تحادثَ الصمتُ والحرير،
وتحوّل الوجودُ إلى كتابٍ مفتوح:
أوراقه… ثلجٌ يبكي،
وسطوره… ماءٌ يتعلّمُ الخريف.
وما بين الثلج والماء،
يُولد الشعر من دمعةٍ شفّافة…
ويكتب الزمن بندى لا يُرى.
///////////////////////////
قصة قصيرة جداً
( قامة قصيرة )
لا أطول ثمرتها رغم أنها قريبة مني .
هكذا قلت لأمي ..
حينها فتحت لي الباب وأمرتني بالخروج بعد أن سخرت مني مع علمها بقصر قامتي ، لملمت نفسي وخرجت إلى حيث لا أعلم .
حسن علي البطران
///////////////////////////
على أَحْزَنِ ما يُرام
رحيم جماعي / تونسي
(1)
كثمرة يابسة…
يسقُط مِنْ…
شجرة العُمر…
يوم آخر.
(2)
“كم أنت مُرٌّ…
يا رغيف الخبز”
هكذا يغنّي…
بائع الحلوى.
(3)
أنا ابن سيّدةٍ
أرادت أن تقولَ…
حزنها دفعةً واحدة
فَ…أنجبتني.
(4)
خمسون عاما وتزيد
وطيلة هذا الظّلام
أبحـث عن صباحٍ
لألتقط معه صورة.
(5)
مِثل عائد مِنَ الحرب
بِساق واحدة…
أتعكّز عادة على مَنْ أُحبّ
لهذا أنا دائم السّقوط.
(6)
كلّ يوم رجيم…
أنا أغرق في…
محيطات الحزن
وأمّي مَنْ تموت.
(7)
حزني طويل…
حزني طويل وعالٍ
بحيث يمكنه أن…
يَلْمَسَ نجمة.
(8)
الشّاعر الّذي…
لم يكتب منذ سنة
قال كلّ…
قصائده بدمعتين.
(9)
خمسون عاما…
لا شيء أفعله سوى…
مراقبة الأحلام
تحزم حقائبها.
(10)
الّذي اخترع الحزن
كان تونسيّا
سَحَبُوا مِنْ…
تحت قدميه الوطن.
(11)
أوحشُ مِنْ مقبرة…
وأحزنُ مِنْ عراق…
وجوه الفقراء…
على خَدِّ البلاد.
(12)
مولاتي لا…
تحتاجين عود ثقاب
أمام سيجارتك…
المنطفئة قلبي.
(13)
أَوْسِعْ قليلا…
من قبرك يا أبي
لقد تعبتُ…
مِنَ الشّوارع.
(14)
هكذا دائما…
كلّما عثرتُ عَلَيَّ
أضاعني وَجْدُكِ في…
خَبَرِ كأس.
(15)
لا أحدٌ لا أحد
وحدها قصيدتي المجروحة
تُرافقني دائما…
في طريق الدّموع.
(16)
بيننا طاولة…
وردة بيننا…
قهوتان…كتاب…
وألف عام من الظّمأ.
(17)
لستُ جوّالا…
لكنّني أجوبُ بلادي
بحثًا عنكَ…
يا بائع الحظّ.
(18)
“في قلبك ماء”
قال الطّبيب
وأخرجَ منه…
دموع أمّي
(19)
لم أكن أبكي
كنتُ أَسْقي…
شجرة اليباس على…
قبرِك يا أبي.
(20)
إشتريتُ أخيرا…
معطفا شتائيّا لقلبي
ما أَغْرَبَ أن…
تشعر النّار بالبرد.
///////////////////////////////
قصة / شذى الأمس
محمد الرياني / قاص من السعودية
….وعدتُ أقلِّبُ الأوراقَ من جديد ، توجدُ من بينها ورقةٌ ضائعةٌ لم أجدها ، تضيعُ الأرواق -لامشكلة – إلا هذه الورقة ، فيها علامةٌ لا توجد في غيرها ، هي الورقةُ الوحيدةُ التي كتبتْها بخطِّ يدها ، كنا نرسم ونخطِّطُ ونرتبُ الأوراقَ ؛ الواحدةَ تلوَ الأخرى ، كانت تملي عليَّ وأنا أستمتعُ بصوتها العذب ، أحيانًا أدِّعي أنِّي لا أسمع ، أو لم أفهم ، تعيد الإملاءَ من جديد وأنا أكتبُ بتثاقلٍ ليطولَ الوقتُ ويستمرَّ كلامها ، قلت لها : عدد الصفحات يساوي عددَ سنين عمرك ، استفزها العمرُ وسكتتْ عند آخر صفحةٍ وكأنها لا تريد العمرَ أن يزيد ، وعندما أردتُ العودةَ لذلك اليوم الذي أملتْ فيه مشاعرَها لم أجد ورقتي معها ، اختصرتُ مشاعري وأوجزتُها في صفحةٍ وتركتُ لها حريَّةَ البوح ، سألتُها وكأنَّها تعي مغزى السؤال !
أجابتْ بأنَّ الورقةَ المفقودةَ في سجلٍّ آخر ، عليكَ أن تضيفَ إليها من وحيِ كلامكَ أوراقًا أخرى ، اقتربتْ أكثرَ ففتحتُ خزينةَ كلامي ، كانت تكتبُ والحروفُ تقفزُ من فمي نحوَها بلا توقف ، قالت كفى ! يبدو أنَّ عددَ أوراقك سيغلبُ عددَ أوراقي ، قلت لها باسمًا : اجمعي الأوراقَ وانثري على سطورِها من عبَقِ السنين ، سيأتي علينا يومٌ نتذكر أننا أضعنا ورقةً أو كتبْنا من جديدٍ سيرةَ اثنين يكتبان بجنون ؛ قالت بحياء : بل توجدُ أوراقٌ بلا كتابةٍ تنتظرنا ، أردتُ أن أبوحَ من جديد ، رفعتْ كفَّها تشيرُ أن أصمت ، قالت : انتظر مجيءَ الأيامِ القادمةِ ولا ترهقِ الحروف ، دعها تأتي كي تنثرَ على الورقِ شذى حروفِ الأمس .
/////////////////////////////////////
مضار الثورة التكنولوجية على وعي وفطرة الإنسان: قراءة فلسفية وإنسانية
الباحثة والكاتبة العراقية : دنيا صاحب
المقدمة:
شهد العالم في العقود الأخيرة ثورة تكنولوجية غير مسبوقة، تجاوزت حدود الصناعة والاتصال لتتغلغل في أدق تفاصيل الحياة اليومية للإنسان. وقد ترافقت هذه الطفرة التكنولوجية مع وعود براقة بالتحسين والتطوير، غير أن آثارها العميقة على وعي الإنسان وفطرته تثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإنسانية. فهل ما يُعدّ تطورًا تقنيًا هو بالضرورة ارتقاء إنسانيًا؟ وهل استبدال الذكاء الفطري بالذكاء الصناعي يخدم جوهر الإنسان أم يعمّق اغترابه عن ذاته؟
أولاً: تشويه الفطرة الإنسانية
خلق الله الإنسان على فطرة التوحيد، والارتباط بالقيم الروحية العليا، وجعل له العقل وسيلة للتمييز، لا للانفصال عن ذاته. غير أن التكنولوجيا المعاصرة، بما فيها من تطفل على الجسد والدماغ (مثل زرع الشرائح الدماغية)، بدأت تعيد تشكيل الإنسان في صورة صناعية، فتشوّه فطرته القائمة على الحرية، الاختيار، والتكامل بين الروح والجسد ،، العقل والقلب .
أمثلة:
زرع الشرائح في الدماغ يُضعف الخصوصية الفكرية ويحوّل الإنسان إلى “مُعالج بيانات”، مما يعارض طبيعة الإنسان المتأملة والخلاقة.
الإفراط في الاعتماد على الأجهزة الذكية يضعف القدرات الفطرية مثل الحفظ، التخيّل، والتأمل.
ثانيًا: تقويض الوعي الإنساني
الثورة الرقمية الحديثة أعادت تشكيل وعي الإنسان بوسائل اصطناعية من خلال الخوارزميات والإعلانات الموجّهة، ما أدى إلى تراجع قدرته على التفكير النقدي وتكوين الرأي المستقل. إذ تُصاغ الذاكرة الفردية والجماعية عبر وسائل التواصل، لا عبر التجربة الحقيقية.
نتائج ذلك:
استبدال الحكمة بالمعلومة السريعة.
ضعف الإحساس بالزمن والتاريخ، مما يفقد الإنسان إحساسه بالهوية والانتماء.
الاعتياد على “السطحية” في التعامل مع المعاني الحقيقية والمشاعر والإحساس.
ثالثًا: الإغتراب الروحي والوجودي
حين يُختزل الإنسان في أداة إنتاج أو استهلاك، أو حين يُعاد برمجة أعضائه ودماغه، يفقد المعنى العميق لوجوده. وبدلاً من أن يكون الكائن الذي يسعى لمعرفة الحق والحكمة، يصبح تابعًا لآلة تصنع له المعنى، وتحدد له الوعي.
مثال صوفي:
في نظر العارفين، القلب هو محلّ نور الحق، والوعي هو وسيلة العروج إلى الله. أما التكنولوجيا المفرطة فتربط الإنسان بالأشياء الوهمية لا بالمطلق الحق ، وتُخدر إشارات القلب بالبهرج المادي.
رابعًا: مخاطر “التطبيع” مع فقدان الإنسانية
يُخشى من أن تؤدي هذه الثورة إلى تطبيع الإنسان مع التشوّه:
التطبيع مع العزلة.
التطبيع مع الرقابة الكاملة وسيطرة على الدماغ والسلوك بشكل يتناقض مع الطبيعة الانسانية.
التطبيع مع فكرة “ما بعد الإنسان” التي تنكر الحدود الفطرية والروحية للإنسان.
النتيجة
التكنولوجيا ليست شرًا بذاتها، هل هي أداة يمكن أن تعزز إنسانية الإنسان أو تُفسدها؟ ، بحسب من يستخدمها ولماذا. ولكن حين تفقد التوازن مع الطبيعة أو الفطرة بسبب الاسراف في استخدامها وتُستخدم في اختراق الوعي وإعادة تشكيل برمجة العقل على هوية تنافي فطرة الانسان وتدمر مدارك العقل و الروح، فإنها تتحول من نعمة إلى نقمة. لذا، فإن من واجب المسؤولين و العلماء و المفكرين، والباحثين، وأهل التصوف، أن ينهضوا لحماية جوهر الإنسان من الضياع والانصياع في آلة العالَم الافتراضي والروبوتات الألية.
//////////////////////////////////////////
الحنين تحت وقع عزف المطر
مريم الشكيلية /سلطنة عُمان
المطر يا سيدي يذكرني بالفرح المنقوص والغياب المترف بالحنين وأشعر أنه يعزف لحن تابوتي عندما يستمر بالهطول لساعات طويلة . كما ،وتشعرني الشتاءات برماد خامد تحت حرائق قصائدي ،وإنني أسير حافية الكلمات كلما تلبست تفاصيله وحاولت أقف دون إرتعاشة حرف ونبض.
المطر يا سيد الأرقام يقسمني نصفين ويجعل مني إمرأة مؤثثة بالبكاء ،ويتركني بعدها ممددة على أسرة الوهم وشراشف الحلم المفقود.
من الطبيعي أن أكون هادئة الآن على غير عادتي لأنني في حضرة الرذاذ الماطر تسكنني كل لغات العالم أرفع قبعة قلمي لأكتب لك كل هذا الشعور الذي يعتريني الآن ،ويجعل مني إمرأة في الخمسين من عمري.
أتعلم إنني الآن أزيد معدل هطول الأمطار ببكائي ولا أعلم لما تداهمني موجة البكاء أتعلم إن هذه الأجواء تجعلني هشة ،وكأنني أطفو فوق سطح حرف وتعلم إنني الآن تمنيت لو إنني أتحدث إليك بصوتي بلا سطور صماء لأنني كما وصفتني يوماً إنني أنثى تزهر بالأحاديث الطفولية.
هنا تزورني الطيور خلسة تنقر على نافذتي كل صباح كأنها تتعمد إيقاضي أتقاسم معها فتات رغيف خبز أما المطر في هذه الفترة من السنة يكون أكثر شدة ،وأكثر غزارة حتى إنني تمكنت من أرسله إليك مع صوت الهاتف كأنني أرسل إليك غضبه لا صوته…
كأنني أراك الآن وأنت تقرأ سطري وتقول رغم هذا البرد إلا إنك وكما كنتي مبهجة بالحديث كأنك تشبهين المطر.
////////////////////////////////////
فلسفة الإيحاء المكاني في قصة (رياح هاربة) القصيرة جداً
د. فاطمة الزغول / الأردن
جسد العنوان(رياح هاربة) فحوى المضمون السردي للقصة، فالرياح في حركتها المستمرة التي وصفها القاص بالهروب، تحمل معها الكثير مما لا يمكن إدراكه، كمن يهرب بحمله كي لا يراه الناس، ويلومونه على ذلك المحمول..
جاءت جملة الاستهلال في القصة – التي نشرها القاص السعودي على حسابه في الفيس بوك – تصف حدثا متعلقا بزمن محدد، هو عودة هنادي بعد أقل من نصف ساعة تحمل حبات من التين البلدي، بما يشير إلى العلاقة الترابطية بين الشخوص والمكان، هذا الترابط الذي تبيّن أكثر بالضحكات التي صدرت من الفتيات عندما علمن بوجود هنادي قرب شجرة التين، والمعروف أن شجرة التين من الأشجار المعمرة التي تعيش طويلا، فتشكل معلما من معالم المكان الدالة عليه..
عبّر القاص عن عمق الارتباط البشري والطبيعي بالمكان من خلال الضحكات التي أصدرتها الفتيات التي تكشف عن وجود علاقة وذكريات سابقة لكل واحدة منهن في ذلك المكان المرتبطة بوجود شجرة التين الشاهدة على تلك الذكريات التي حصلت لكل فتاة في ذلك المكان، والتي عادت إلى ذاكرة الفتيات مع عودة هنادي..
أما سوزان التي يشكل لها المكان ذكريات محملة بالأسرار المؤلمة، فقد شكلت لها عودة هنادي من ذلك المكان حدثا مؤلما أعادها مرغمة إلى ما لا تحب تذكره، لذا آثرت الهروب بما تحمل من أسرار قبل أن تفضحها دموعها فتتكشف حمولتها أمام الفتيات..
يحمل النص دلالة رمزية عبرت عن العلاقة الفلسفية بين الشخوص والطبيعة والمكان والزمان، والتي تختلف في أبعادها ومعطياتها من شخص إلى آخر، فالمكان الذي يحمل ذكريات جميلة لشخص ما، هو ذات المكان الذي يحمل ذكريات مؤلمة لآخر، ومظاهر الطبيعة خير شاهد على أحداث الحياة بحلوها ومرها…
نص جميل يحمل عمقا رمزيا وعمقا فلسفياً.
////////////////////////////////////////////
عطش الليمون وماء الورد
شعر / رباب يوسف
( ١ )
جُرْحٌ أصابَ بُطَيْنَ القلبِ منتَصِفَا
سهمٌ ألَمَّ قبيْلَ النبضِ وانصرَفَا
أين الطبيبُ يداوي جُرْحَ من نزفُوا
أم كانَ من صوَّبَ الشريانَ محترِفَا
أصابَني والدُّجَى سُودٌ طلائِعُهُ
والرَّعدُ من جُوِدِهِ أفضَى فَما وَصَفَا
والرِّيحُ تحفرُ أُخدودًا حوافِرُهَا
والقلبُ من سُمِّهَا المحمومِ قد رَشَفَا
والدَّمعُ من حيرةِ الحَزْنانِ ذوُ شجَنٍ
قدسُ العُروبةِ ترجُو الضُّرَّ مُنْكَشِفَا
فالوردُ في وطني شوكٌ براعِمُهُ
والحزنُ من عطرِهِ الفتَّانِ قد رَعَفَا
عَطْشانَةٌ زهرةُ الليمونِ في بلدِي
والسَّيْلُ من تُرْبَةِ الأطْهارِ قد جَرَفَا
ليمونُ حيفا تَساوَى مَعْ فُراتِ دمِي
والنخلُ في قِبْلَتِي قحطٌ ولا سُعُفَا
ثُقُوبُ نايِ الصَّبا زورًا تحاوِرُنِي
والعُودُ لحنُ اللُّقا جودًا فما عَزَفَا
للهِ درُّ حروفٍ غادرتْ مُقَلًا
فالحرفُ دمعٌ همَى من خاطِرِي نَزَفَا
يا طائرَ الشوقِ من يسقِي حديقَتَنا
أمْ هدهُدُ البيْنِ والميراثِ قد تَلِفَا
خذْني لبيتِي لأُمِّي هل هناك أبِي
أم غادرُوا الدارَ والمِرْسَالُ ما عَرَفَا
غدًا نعودُ ونبنِي جُدْرَهَا فرَحًا
نسقِي زهورَ بلادِنَا الشَّرَفَا
فالعِزُّ في السَّيفِ مصقولٌ ومُمْتَشَقٌ
والخيلُ تُسْرِجُ والخَيَّالُ ماخَرِفَا
غدًا نعودُ فيَا دارَ الصِّبَا افقا
ما زلتُ فيكِ سعيدًا مُشْرِقًا شَغِفَا
( ٢ )
أنوار مكة
خَفَّ المدادُ فهاكَ الحِبْرَ نزفُ دَمِيْ
وابدع ْحروفَكَ في التّأريخِ يا قلمي
وعاودِ الكرَّةَ الأخرى فقدْ رحلوا
ماعادَ في الدّارِ أحبابٌ فيا نَدَمِي
فَتّشْتُ عنهمْ خبايا الرّوحِ ِواشتعلتْ
نيرانُ قلبي على مَنْ خِلْتُه حُلُمي
مِنَ الظّلامِ تبدّى النُّورُ في عَجَلٍ
وَانْزاحَ عُشَّاقُ مَنْ في البانِ والعَلَمِ
أنارَ مَكّةَ والبطحاءَ وَارْتَحَلَتْ
عِيْرُ الخصومَةِ فالإسلامُ مِنْ رَحِمِ
مِنْ وَحْيِ اقرأْ جِبْرائيلُ رَدّدَها
والغارُ يشهدُ قولَ الحقِّ في الظّلَمِ
ما دَثّرُوهُ وَلَكِنْ لَفّهُ أَمَلُ
حتّى خَديجةَ خافَتْ منْ حروفِ فمِ
فقالَ بُشراكِ هذا اليَعْرُبيُّ أَتى
واختارَهُ اللهُ ذو عِلم ٍوَذو كَرَمِ
ياصاحبَ الشّاةِ هلْ ضِرْعٌ لها يَبِسْتْ
من بعدِ ماخُطَّ حرفُ الاسمِ في الرُّقَمِ
ماهجروكَ ولكن كنتَ سيّدَهمْ
وكنتَ أفضلَ مَنْ يمشي على قَدَمِ
ماهَجَروكَ ولكنْ شاءَ خالقنا
أنْ تَنْشُرَ الخيرَ كلَّ الخيرِ للأممِ
في ساحةِ البدرِكانَ الموتُ ينظُرُهم
بِفَضْلِ ربِّكَ فالطّاغوتُ لمْ يَقُمِ
نَشَرْتَ هديَكَ منصورًا بصحبَتِهمْ
هذي العروشُ فقمْ للعرشِ واستَلِمِ
*شاعرة فلسطينية مقيمة في الإمارات
///////////////////////////////////////////
حيلة الفقير
بقلم : عبدالقادر الغامدي / السعودية
هذا المساء أملك قليلا من الدراهم التي أعطاني إياها خالي الكبير ، أمر فرِحًا مع أختي الصغيرة تجاه بائع الكباب المشوي على ناصية الشارع المواجه للبحر ؛ لأشتري ساندويش الكباب الذي طالما حلمنا بأكله كلما مررنا أمامه ، يخبرني العامل أننا نحتاج إلى ثلاثة أضعاف المال الذي بيدي ، أجدني أصمت لبرهة مطأطئاً رأسي ، تقاطع صمتي أختي قائلة : لاعليك ياأخي دعنا هنا نستنشق رائحة الشواء طويلا وبعمق ، وسنأكل الكباب حين نعود إلى منزلنا فكمية الخبز هناك كافية لما نحتاجه من الشواء وأكثر .