
بلاغة الوجد ..القصيدة بين مبضع السر دوليب وقضايا الكتابة 2 _ 2
*تلاوين
عبد اللطيف مجتبى
القصيدة بين مبضع السر دوليب و قضايا الكتابة إلى جانب دورها الفني والجمالي كثيرا ما كانت تلعب دورا اجتماعيا ونفسيا في تعزيز القيم الاجتماعية كالتسامح و السلام الاجتماعي و المحبة
فنجد على سبيل المثال أغنية :
*مسامحك يا حبيبي**مهما تغيب علي*
*قلبك عارفو أبيض**كلك حسن نية*
فجر الشاعر بهذه الكلمات البسيطة قيمة مهمة كالتسامح في وقت كان يموت فيه الشعراء حزنا و ذاتية على محبوبهم و ينظرون إليه من مدخل الاستحواذ كأنما هو قطعة أثرية يجب إقتناؤها بأي ثمن و إن كان أرواحهم
( *أضيع في هواك يا مهفهف حرام* )
( *أضيع أنا و قلبي يزيد عناه* )
من هذا المناخ هرب الدكتور السر مهرولاً إلى الأمام منتظرا محبوبه في فسحة التسامح والعفو و جمال الروح و الأمل هناك، حيث فردوس يتطلع إليه الأحباب المدنفون، حتى أصبح بذلك نبراسا للأمل و صفاء الروح و الانسجام.
الأغنية السودانية الأم درمانية لم تعد بعد ولوج قاموس السر دوليب الشعري حلبتها كما كانت عليه من ذي قبل، إذ شكل ذلك الفتى الأسمر مناخا شعريا مختلفا و فضاءا رسم عليه بأناقة روحه سمت المدنية في معاني التسامح والاعتذار و الإخلاص والوفاء.
لا يمكن القول بأن الراحل السر دوليب قد غادر المزاج السوداني بطرحه الفني الجديد؛ بل ساهم في تشكيله بفنه ذي الطابع الجمالي العرفاني و تعزيز روح الانسجام و أدبيات العلاقات الإنسانية التي كانت أم درمان بوتقتها و مصهرها، إذ تشكلت عبرها ذائقة شاعرنا الراحل وذاكرته إلى جانب تعرضه إلى ثقافات أخرى إبان فترة دارسته بالخارج، رفدت تكوينه و صقلت جوهره ليصبح مثل جمانة لم تزدها الحوادث و الأيام إلا ألقا و جمالا، فانصهر بنار الشوق حتى أصبح كما قال:
*أنا و الأشواق في بعدك بقينا أكثر من قرايب*
*ما بنغيب عن بعض أبداً زي أعز اتنين حبايب*
انظروا أصدقائي مدى هذا التصالح حتى مع الشوق و جيوشه المزلزلة، والتي جعلت أشواقه تخاطر أو تلهم روح هذا العصر، عصر الوسائط السريعة، و تفسح مجالا لاحتمالاتها التي لم تكن ممكنة في ذلك العهد البعيد بقوله :
*وقبل ما أختم كلامي أتمنى لو ردك يجيني*
الشيئ الذي أصبح ممكنا في هذا العصر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها، التي جعلت من الشوق لحظة خاطفة كالبرق سرعان تنطفئ ناره بمجرد رد المحبوب السريع للرسائل التي كانت تأخذ وقتا طويلا لبلوغها له و مثله في ردها، مما جعل ألأشواق كائنات تعيش وتزمن في النفوس و تصبح مع المشوقين ( *أكثر من قرايب*) لا تغيب أبدا ( *زي أعز اتنين حبايب* )
رحم الله الشاعر الإنسان السر دوليب و تغمده بواسع رحمته.