حكاية قبل أن تبدأ امتحانات الشهادة ٢٠٢٥م

بعين مفتوحة 

 *د.خالد البلولة

امتحانات الشهادة السودانية لعام 2023، التي تأجلت بسبب الحرب،كانت محطة قاسية في حياة آلاف الطلاب، الذين واجهوا القصف والنزوح وفقدان الاستقرار، وكادت أن تهدد أحلامهم بالفشل، وتعد قصة الدكتور أحمد الأمين الشيخ، أول الشهادة عام 1964م، الذي طُرد مرارًا بسبب الرسوم، وكاد أن يترك المدرسة لظروف قاهرة كادت أن تقضي على مستقبله لولا رحمة الله وتمسكه بالأمل ..

قصة أحمد الشيخ تؤكد أن قسوة الظروف ليست نهاية الطريق، فكما عاد أحمد من حافة اليأس ليحقق المركز الأول، يمكن لطلاب اليوم أن ينجحوا إذا وجدوا الدعم والأمن والأمل..

(١)

حصل الدكتور أحمد الأمين الشيخ على المركز الأول في امتحانات الشهادة السودانية لعام 1964م، متقاسمًا هذا الإنجاز مع زميله الدكتور محمد أحمد علي الشيخ، وكلاهما من خريجي مدرسة خور طقت الثانوية للبنين.

وُلد الدكتور أحمد الأمين الشيخ في بيئة ريفية بسيطة، قضى طفولته في رعي الأغنام ومساعدة أسرته في الأعمال اليومية، واجه صعوبات كبيرة في بداية مسيرته التعليمية، بدءًا من رفض جدته إرساله إلى المدرسة بسبب الحاجة إليه في رعي الأغنام، وصولاً إلى التحديات المالية التي كادت أن تحرمه من مواصلة تعليمه.

يحكي بروفيسور احمد الأمين الشيخ :- (في طفولتي عشت فترة مع حبوبتي وزوجها في ضواحي المحيريبا، أساعدها في شؤون البيت ورعي الغنم. وعندما جاء وقت المدرسة، حضر والدي ليأخذني إلى طابت، لكن حبوبتي اعترضت لأنها كانت تعتمد عليّ في (المراسيل ورعي الاغنام)كنت مترددًا وخائفًا من المجهول(جنا تعرفوا وجنا ما تعرفوا) فالمدرسة لم تكن تعني لي شيئًا،في تلك اللحظة،أخرج والدي عراقي دمورية جديد ودي أول مرة أرى فيها ملابس جديدة تخصني، كان الإغراء كبيرًا، فغيّرت رأيي،وبعتُ حبوبتي بثوب الدمورية وذهبت معه إلى المدرسة راكبًا على ظهر حمار).

(٢)

رغم كل هذه العقبات،أظهر إصرارًا وعزيمة قوية، مما مكنه من الالتحاق بمدرسة صراصر الأولية، ثم الانتقال إلى مدرسة طابت حيث تفوق في دراسته رغم الظروف الصعبة، تفوق أحمد في امتحان الشهادة السودانية، وتغلب على كل الظروف وهذه قصة أخرى يرويها د. أحمد (ذهبت للمدرسة بالقطار وبدأت الدراسة حتى جاء امتحان الفترة الثانية وتم طرد أحمد الأمين من المدرسة قبل امتحان الفترة وبعد الامتحان تدنى مستواه بشكل مريع وكان ترتيبه 34 وهذا دلالة كافية على أن الاستقرار مهم للنجاح، وانتقل للصف الثانى وتكرر نفس السيناريو وطرد اكثر من مرة بسبب الرسوم، ويقول أحمد الأمين (أنا فى الصف الثالث قررت أغادر مدرسة خور طقت وكنت اثناء فترة طردى بين أولى وثانية أذهب لوزارة التربية ومجلس الحصاحيصا بحثا لمشكلة الرسوم وأرجع خور طقت تانى لكن ما بمشى طابت لأن ابوى قال لى إذا طردوك ماتجى راجع، تشتغل فراش وأنا دى ذاتها ما لاقيها، المهم لملمت حقيبتي واستعديت لمغادرة المدرسة فجاء الفراش وقال أستاذ فرحات دايرك.. وذهبت إليه وقلت له (مدرستكم دى انا فايته)الأستاذ كان راقيا سألنى : انت عارف أنا ناديتك ليه ؟ قلت له: لا ؟ قال :عشان التصاريح والكتب.. طوالي وضعتها وغادرت المكتب زجرنى بحسم: تعال ياولد اقعد وكانت أول مرة اقعد فى مكتب الاستاذ وسلمنى خطاب من التربية والتعليم جاء فيه: (يقبل الطالب أحمد الأمين الشيخ مجانا وتعفى المتاخرات..وكانت فرحة لا توصف وسلمنى خطاب آخر من مجلس الحصاحيصا به اعانة ثمانية جنيهات ومشيت طوالى على البوستة وأرسلت ست جنيهات للأسرة وكانوا سعداء جدا لاعتقادهم اننى توظفت فراش ).

ويتامل أحمد الأمين واقعه يومذاك ويقول: ( ست جنيهات كانت لا تستطيع عدها من كثرتها وانا شعرت بالاستقرار لتلك وتفرغت للدراسة وانكببت على العلم والحمد لله ربنا عوضني وأحرزت المرتبة الاولى على مستوى السودان بالاشتراك مع د.احمد محمد على الشيخ مدير جامعة الخرطوم السابق وهو من دفعتي فى خور طقت .

(٣)

التحق الدكتور أحمد الأمين الشيخ بكلية الطب في جامعة الخرطوم، تخرج فيها ليصبح جراحًا بارعًا.. عمل كأستاذ للجراحة في كلية الطب جامعة الجزيرة، وساهم بشكل كبير في تطوير التعليم الطبي في السودان، ورغم إنجازاته، ظل بعيدًا عن الأضواء، مفضلًا التركيز على عمله وخدمة مجتمعه.

يعتقد الدكتور أحمد الأمين الشيخ أن النجاح الحقيقي يأتي من الجهد الشخصي والتغلب على الصعوبات، ويعبر عن رأيه بأن مهنة الطب في السودان تتطلب تفرغًا كاملًا، مما قد يشكل تحديًا للمرأة في التوفيق بين الحياة المهنية والأسرية، لذلك وجه بناته لاختيار تخصصات أخرى تتناسب مع ظروفهن الأسرية..

تمثل قصة الدكتور أحمد الأمين الشيخ مصدر إلهام للأجيال القادمة، حيث تُظهر كيف يمكن للإصرار والتفاني أن يتغلبا على العوز والظروف الصعبة، ويعد مثالا حيا على أن العزيمة يمكن أن تفتح الأبواب أمام تحقيق الأحلام مهما كانت التحديات..