أحرقت الجثث ودفنت أخرى.. تحركات محمومة للمليشيا لإخفاء جرائمها في الفاشر
تقرير-الطيب عباس:
كشف نازحون من الفاشر، وصلوا مؤخرا مدينة الدبة، أن مليشيات الدعم السريع أمرت بعض من غادروا الفاشر بعصب أعينهم بقطعة قماش أثناء خروجهم من المدينة وعدم التلفت، مشيرين إلى أنهم رأوا ما وصفوه بالأهوال، حيث تنتشر الجثث على طول الطريق بين الفاشر وطويلة، بينما تتكدس جثث لا حصر لها داخل الفاشر.
حذر المليشيات هذا يكشف حجم الجرائم التي ارتكبوها في مدينة الفاشر، حيث نشرت وسائل إعلام تقارير موثوقة حول نقل مواطنين من مدينة نيالا إلى الفاشر، ضمن خطة تمويهية لإيهام الرأي العالمي باستقرار أوضاع المدنيين بالفاشر.
وروى ناجون لوكالة الأنباء الفرنسية، انتشار الجثث بشكل مروع في شوارع الفاشر حيث قتلت المليشيات عددا كبيرا من الأطفال أمام ذويهم.
ووصف ثلاثة ناجين وصلوا إلى طويلة لوكالة الصحافة الفرنسية مشاهد الرعب أثناء فرارهم من الفاشر، وقالوا إنهم اضطروا لتغطية عيون أطفالهم كي لا يروا منظر الجثث المنتشرة على طول الطريق نحو مدينة طويلة.
إخفاء الجريمة:

بعد يومين من سقوط الفاشر، أعلن وكيل الأمم المتحدة، توم فليتشر، أن الدعم السريع منعت فرق الإنقاذ من الوصول للفاشر، وأوضح فليتشر، أن هذه القوات قبل سيطرتها على المدينة، كانت تبرر رفض دخول فرق الإغاثة بسبب أن المنطقة تقع تحت خط النار، وأضاف (لا أعرف لماذا يرفضون دخول فرقنا بعدما سيطروا على المدينة).
الإجابة قدمتها شبكة أطباء السودان، أمس، حيث أعلنت في تقرير مسنود بروايات شهود عيان نزحوا من الفاشر ووصلوا لمناطق آمنة وصور أقمار صناعية، حيث قالت شبكة أطباء السودان إن مليشيا الدعم السريع قامت بجمع مئات الجثث من شوارع وأحياء الفاشر، ودفنت بعضها في مقابر جماعية وأحرقت أخرى بالكامل في محاولة لإخفاء آثار جرائمها ضد المدنيين.
وأضافت الشبكة في تدوينة على فيسبوك، أمس الأحد، أن هذه الجريمة تعتبر فصلًا جديدًا من جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها مليشيات الدعم السريع.
وطالبت المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لفتح تحقيق دولي مستقل في ما يجري بالفاشر.
بدورها قالت حكومة إقليم دارفور، إنها تلقت معلومات تفيد بقيام مليشيا الدعم السريع بعمليات دفن وحرق لجثث مدنيين قتلتهم منذ دخول عناصرها المدينة نهاية الشهر الماضي.
وأضاف مسؤول في الحكومة لقناة العربية، يوم السبت، أن مليشيا الدعم السريع نقلت عدداً من الأسرى الذين احتجزتهم داخل الفاشر إلى مواقع اعتقال داخل المدينة بينما نقلت آخرين إلى مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور ومقر حكومة تأسيس، كما أغلقت طرق النزوح التي كانت مفتوحة رغم صعوبتها والتي كان المدنيون يستخدمونها للوصول إلى مناطق أكثر أماناً
استمرار الحصار:
في محاولة لإخفاء الجريمة، لجأت المليشيا لضرب طوق أمني حول الفاشر ومنعت عمال الإغاثة والقنوات الفضائية من الدخول للمدينة وسمحت فقط لمراسل العربية صالح ابو علامة، الذي يتبع للقوات، بتصوير لقطات من زوايا محددة لمدينة الفاشر.
وأوضح مراقبون، أن المليشيا عندما تصل لمرحلة الشعور بالأمان بشأن إخفاء الجريمة ستسمح لوكالات الأمم المتحدة الإنسانية بالدخول لتقديم مساعدات لمواطنين لا علاقة لهم بالفاشر أصلا، مشيرين إلى أن المليشيات مهما اجتهدت فلن تستطيع إخفاء شواهد الإبادة الجماعية بمدينة الفاشر.
فقدان ومطالب بالتحقيق:
قالت حكومة إقليم دارفور، إنها فقدت حتى اللحظة نحو 200 ألف مواطن لم يصلوا لأي من معسكرات النزوح داخل وخارج البلاد، ويرجح مراقبون أن يكون قد قتل بعضهم بينما البعض الآخر إما محاصر وإما تم إبعاده من المدينة، لكن وفق روايات شهود فإن عدد كبير من النازحين الذين غادروا الفاشر، إما ماتوا برصاص المليشيات أو العطش.
وأوضحت حكومة دارفور، أن الجرائم التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع تتطلب فتح تحقيقات عاجلة لكشف مصير المفقودين والتعرف على هوية من تم دفنهم أو حرقهم.
مساحيق للتجميل:

ويرى مراقبون أن مليشيا الدعم السريع التي واجهت حملات رفض ضخمة من كافة دول العالم، سارعت لفك الطوق عنها بإخفاء جريمتها بالفاشر، حيث بعثت فرقها وجمعت شبابا من نيالا وزالنجي وفق مصادر لحملات نظافة وإزالة الجثث وجمعها من الطرقات بالفاشر، ولا تزال هذه الفرق تعمل داخل المدينة، لكن فيما يبدو فإنها شارفت على الإنتهاء، حيث بدأت المليشيا المرحلة الثانية من تجميل صورتها، وذلك بوصول فريق من قناة سكاي نيوز عربية على رأسه المذيعة تسابيح خاطر، في مهمة من (الكفيل شخصيا) لتسجيل حلقات مع المواطنين بالفاشر، وتصوير الاستقرار والخدمات التي تقدمها المليشيا للمواطنين، في مسرحية يعتبرها مراقبون سمجة وغبية، حيث لن تنجح حملات العلاقات العامة هذه في إخفاء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها المليشيا في الفاشر.
وتداول ناشطون أمس الأحد، صورا للمذيعة تسابيح داخل مدينة نيالا برفقة عناصر نسائية تابعة للمليشيا، ومن المتوقع أن تغادر اليوم الاثنين إلى مدينة الفاشر، لممارسة عملية الخداع، التي يرى مراقبون أنها ستجر تسابيح نفسها والسودانيين في فريقها للمحاكم لكونها شريكة في جريمة الفاشر.
يرى مراقبون أن تحركات المليشيا المحمومة وإصرارها على منع وكالات الإغاثة الأممية من دخول المدينة ومنع القنوات الفضائية من التواجد بالفاشر، يشير بوضوح إلى فداحة الجرم الذي ارتكبته بالمدينة، ومن سوء أفعالها، فإن الممارسات التي تقوم بها لإخفاء هذا الجرم، يفضح إجرامها أكثر من إخفائه، وهو ما ستكشفه الأيام قريبا.