لا خير فينا إن لم نقلها (12)
د.عبدالله محيي الدين الجنايني
سجمان وجدته ( حبوبته) والوطن
*كان سجمان طفلاً مدللاً مدلعاً، يتبع جدته كظلها، أينما ذهبت، حتى في الأماكن التي لا تتطلب حضوره ممسكاً بطرف ثوبها.
*هذه الصورة البسيطة، المستوحاة من الواقع السوداني، تثير تساؤلاً عميقاً حول مفهوم الوطن والانتماء، خاصة في ظل التحديات التي تواجه الكثير من الدول النامية، والتي قد تُعرّض مقدراتها الوطنية للخطر. فما هو الوطن؟ وما هي الدولة؟ وهل يمكن أن يكون (سجمان) رمزًا لمجموعة تتخلى عن واجبها تجاه وطنها؟, فالوطن هو أكثر من مجرد جغرافيا.
*تعريف الوطن بسيط ظاهرياً، ولكنه عميق المعنى فهو ليس مجرد مساحة جغرافية محددة، بل هو المكان الذي يرتبط به الشعب ارتباطًا تاريخيًا طويلًا، حيث تتشكل الهوية الوطنية.
*فالوطن هو المكان الذي يُولَد فيه الشعور بالإنتماء، ولكن هذا الإنتماء لا يتجسد إلا من خلال الارتباط التاريخي المشترك، والحدود الجغرافية، والمصالح المتشابهة.
*ليس هذا فحسب, بل يتطلب الوطن شعوراً أعمق بكثير، وهو الشعور بالأمان والحماية، حيث يضمن الكيان الوطني حقوق أفراده ويكفل لهم حياة كريمة مقابل الواجبات المترتبة عليهم .. الوطن إذن، هو مزيج من العاطفة والانتماء والمسؤولية المشتركة وإذا أردنا أن نعرف ماهي الدولة فإننا نشير إلى أن الدولة هي الهيكل المؤسسي للوطن.
*أي أن الدولة هي الكيان المؤسسي الذي يدير شؤون الوطن, فهي مجموعة من الأفراد الذين يعيشون على إقليم جغرافي محدد، ويتفقون على نظام سياسي مُعَيّن يُدير شؤونهم. وتشمل أنشطة الدولة كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتهدف إلى تحقيق التقدم والازدهار، وتحسين مستوى معيشة مواطنيها. ووفقًا للتعريف الدستوري، فإن الدولة تتكون من مواطنين أحرار( لم تسجنهم ماليشيا مارقة أو تشردهم من مدنهم وقراهم ولم تستعبدهم أو تسرق نساءهم أو تغتصبها أو تسجن شبابهم وتقتل كهول الشعب )، إن الدولة هي إقليم ذو حدود محددة، حكومة معتمدة ومحددة بموجب دستور مكتوب، وموافقة المحكومين( أي ليس بوصاية ماليشيا تفرض أحكامها المزاجية على الشعب وتؤيدها حفنة من الخونة والمارقين والمرتزقة الأجانب الذين ينهبون ويسرقون بل ومعهم عتاة المجرمين الذين لفظتهم سجون بلادهم وعاشوا على القتل والنهب).
*وإذا ورد إلى أذهاننا سؤال عن أركان الدولة الأساسية فنقول هي الشعب، والإقليم، والحكومة، والسيادة, فكيف يقع سجمان في مستنقع الخيانة الوطنية وهو متعلق بطرف ثوب جدته (حبوبته).
*تطرح الصورة الأولية لسجمان وجدته سؤالًا حول المسؤولية الوطنية, فبينما يمثل سجمان الطفل المدلل، الذي قد يفتقر إلى الإدراك الكامل لمسؤولياته تجاه وطنه، يمثل الذين يبيعون مقدرات شعبنا ويرضون بتشريده ويرهنون قراره لدول تطمع في خيرات بلادنا صورة أكثر خطورة, فهؤلاء هم الخونة الذين يتعاملون مع الوطن كسلعة قابلة للتداول، مُهملين مصالح شعبهم، متعاونين مع قوى خارجية للسيطرة على موارد بلادهم لذلك يجب علينا أن نعي خطوات كل أفراد شعبنا والمجموعات التي تدعي أنها تعمل من أجل مصالح بلادنا .. ولابد من وضع معايير قياس دقيقة لتصرفاتها ومناصرتها لأي جهة؟ وخدمتها لمصلحة من؟.
*فإن هؤلاء هم أسوأ من (سجمان) الذي يتبع ( حبوبته ) جدته بلا وعي، فهم يبيعون مستقبل أجيال بأكملها من أجل مصالحهم الشخصية.
*إننا نقول إن الوطن ليس مجرد أرض، بل هو كيان حيّ يتطلب الانتماء والحماية والبناء من الداخل. يجب أن نكون أكثر وعياً بمسؤولياتنا كأفراد نحو بلادنا. يجب أن نُقاوم كل أشكال الخيانة والفساد، ونعمل معًا على بناء وطن قوي ومزدهر.
*إن التنمية الحقيقية تبدأ بالوطنية الصادقة، والتضحية من أجل مصلحة الأجيال القادمة، ليست بمجرد تبعية عمياء، كالتي يمثلها (سجمان) مع جدته، بل بمسؤولية واعية ومُنضبطة نحو البلد فـ (سجمان) يحتاج أن يكبر ويلتزم بمسؤوليته كابن لوطنه، بدلاً من أن يكون رمزاً للإهمال والانفصال عن قضايا وطنه وخدمة مصالح الدول الطامعة في نهب خيرات بلده وتقسيمه وتشريد أهله.