مركز المسرح في مناطق النزاع (CTZCI) من (ملكال الى المكسيك الى اشتودغارد)

دهاليز 
علي مهدي 

 

في عودتي للكتابة هذه ، كان عليّ الجلوس الى بعض وثائقي الأقدم ..تركت أكثرها في مكتبة (بيت مهدي) فرع الرياض..الحي الأحدث، أرجو لها السلامة.
البيت وقد حاولت وبذلت من الجهود الكثير ليبدو في التصميم كما
(سرايا ودنوباوي)..وقد أسعدني في الخواتيم أن بعضه يقترب من بعضها شكلاً، وإن سعى ليلبس لباس عطرها الفواح، واللقاءات، والحكايات، وليالي الأذكار ، وبعض الغناء المجيد.
وما تبقي منها الأهم فالأهم وثائقي، أخذته لمدينتي الأحب (باريس) .
احفظ فيها أوراقي الأقدم، وهي كثيرة، ومن مكتبي في مبنى (اليونسكو )، غير بعيد من قلبها (باريس)، تحركت بعض جهود بحثي المضني ليكون مشروعي الأهم (المسرح في مناطق النزاع ) حاضر،
نعم إرادة لليالي السعي الطائر من بين مدينتي الأحب ( ملكال)، والبقعة المباركة.. وأضحى لي فيها بيت بعد سنوات عملي المبهج هناك..
جئتها أول مرة أبحث عن فرصة بناء وتأسيس قرية للأطفال الأيتام، خاصة وأن سنوات الحرب تركت ما فيها من عذابات للأطفال كانوا فيها ضحاياها الحرب الطويلة .
ذهبت لها مرات، وأقمت في بعض مناحيها.. الجمال فيها تعرفه من حركة الناس والسوق..والحيونات تمشي بلا أهداف واضحة..مثلي أول الصباح..وعرفت السوق والناس.. وبعض التجار، وقفت على أبواب البيوت القديمة.. وفي الظهيرة أشهد موكب العودة للأطراف، زرافات.. مجاميع تمشي على عجل، والآخرين يتمهلون، وأنا منهم، فلم العجلة؟ الليل طويل.. ولا فيه غير أصوات بعيدة، طلقات لا هدف لها، وغناء يستحي أن يعلو عليها في النباح.
نعم الرصاص ينبح، وحذرتني منه أمي ( مريم ) السيدة الفضلى،
وأضحت بعض أهلي هنا .. نمشي في المغارب نحو حي ( ملكية).. قلبها مدينتي الأحب ( ملكال ) ..تبيع الشاي والقهوة.. حاضرة وحزينة.. حكاية حلوة من عندها تزيل شقى السنين.
والسفر ما بين الخرطوم ومناحي (أوروبا ) من (زيورخ) الى (انسبورغ) وما بينهم من مدائن.. صارت لي مهجع، واستقبلت بعدها بفرح بالغ عروضي التمثيلية، ولو عرفت أن مشروع قرية الأطفال( SOS) من ملكال البكر لازدادوا فرحا اكثر.. وتلك حكاية أخرى، وكنت امشي اليها باصرار أبحث عن تمويل المشروع الإنساني الأهم فيه الوطن -لما كان واحد-.
عرفتها وقلت لها أمي أول مرة ولمحت بين التجاعيد إشارات نور وضياء عبر نهر ( الجور) وأبعد .
وفي صباحات جديدة لاحظت عددا كبيرا من الصبية ما عادوا أطفال..
الطول الفارع يميزهم، وهم أنحف كثيرا من ما يمشي في الأسواق .
وذاك الصباح ازدادت الشكوى من عنف ظاهر بينهم .. والناس في الشوارع أدرى بما يجري في المدينة بحدودها التي اعرف وحفظت فيها الاتجاهات .
ولا كلمة تسمع منهم، صمت ونظرات حادة..وقلت في نفسي من نفسي، وقلق أصابني ، لعلها أصوات المدافع والرصاص أفقدتهم السمع، فلا حديث أو ابتسام.. العنف في كل حركة منهم، وجلست يومها والظهيرة تودع ظلها القصير واقتربت مواعيد العودة
وسألتني أمي مريم: (مالك يا جني حشاي؟ ما براك ، قهوتك بردت مرتين؟ )
وأشرت الى مجموعة منهم تقف بعيدا بلا هدف أو آخر.. ضحكت بلا صوت ،لكنني من ودها أعرفها، أعرفها أدركها أفهمها ..
(ديل عيال كانوا عساكر مع الجماعة،
فكوهم قبيل.. ساقوهم صغار ..يوم داك أنت في الخرطوم.. كل يوم تجي دفعة وراء دفعة ..ربي يستر دة حالهم ..لا كلام ولا شغل بس حايمين أو نايمين تحت الشجرة الكبيرة ديك قريب للبحر ..ربي يستر )
وانتهت الحكاية..
لكنها في الآفاق تكتمل وتمشي الآن مع كل خطوة.
ورجعنا معاً، وفي الصباح أحاطني الوالي بود، وجمع لي بعض موظفي الرعاية الاجتماعية والصحة، وأطراف أخرى..
وفي الظهيرة منحت ذات اليوم قطعة أرض كبيرة، وموافقة رسمية لإنشاء (معسكر للأطفال المجندين السابقين).. وتلك نقطة ابتداء المشروع العالمي، انطلق من مدينتي (ملكال) الى( المكسيك)ثم (اشتودقارد ألمانيا ) والبقعة المباركة.
لنبني معاً (المسرح في مناطق النزاع) لنعلن منها البقعة المباركة في ديسمبر 2005 وفي شراكة مستنيرة مع المركز الألماني وتحت المظلة الكبري الهيئة الدولية للمسرح ITI
أول مشروع فني علمي إنساني خلاق
وانتقل احد عشرة مبدعا إليها المدينة الأحب لشهور ثم عادوا ومنها البقعة المبارك انطلقت أنوار السلم..
التحيات العطرات للأحباب المؤسسين المبدعين أكتب عنهم دهليز خاص مع التصاوير..
سلمتم..
وكل عام وأنتم بألف خير.