
إنتقال إلى عالم البقاء.. ولكن
بُعْدٌ .. و .. مسَافَة
مصطفى أبوالعزائم
*حالة من الحزن والإنقباض، يعيشها صاحبكم هذه الأيام، وذلك بفقد عدد من الأصدقاء والمعارف، ولا نملك إلا أن نرضى بقضاء الله وقدره.
*خلال الثلاثة أيام الماضية فقدنا كل من الأخ الكريم والصديق العزيز الأستاذ حاتم حسن بخيت ، والأخ الكريم سعادة السفير بشرى الشيخ دفع الله ، والأخ العزيز الدكتور صلاح سوار الذهب، وهم جميعا ممن يعرفهم أكثر العامة في بلادنا، لوجودهم في ساحات العمل العام.
*وتعود معرفتي بمن غادروا دنيانا إلى سنوات خلت، فالأخ الكريم حاتم حسن بخيت، علاقتي به لا تقف عند حدود العمل العام، بل تعدتها إلى الشأن الخاص، العلاقة إمتدت لتصبح أسرية، لمعرفتي القديمة المتجددة بكل أفراد الأسرة الكريمة، وتربط بيني وبين اشقائه أستاذنا الراحل ، الصحفي الكبير الأستاذ كمال حسن بخيت، والدكتور معز وبقية العقد الفريد صداقة قوية وقديمة.
*وأما سعادة السفير الراحل بشرى الشيخ دفع الله ، فقد تعرفت عليه نهاية ثمانينات القرن العشرين ، وكان وقتها ضمن الطاقم الدبلوماسي في سفارتنا بالجماهيرية العربية الليبية الاشتراكية العظمى، أيام الزعيم الراحل معمر القذافي، وكنت وقتها قد تعاقدت مع مؤسسة القدس الإعلامية ، لأكون ضمن طاقمها في مكتبها الرئيسي بالعاصمة الليبية طرابلس، وكانت مكاتبها موزعة ما بين الدار البيضاء في المغرب العاصمة التونسية تونس، ومكتب آخر في روما ، ثم شاءت الأقدار أن أعمل مستشارا صحفيا بسفارتنا هناك، إبان تولي استاذنا الراحل السفير عباس إبراهيم النور منصب السفير هناك، وكانت فرصة تعرفت فيها على كل الطاقم الدبلوماسي والعسكري والإداري، ومن بينهم الراحل المقيم السفير بشرى الشيخ دفع الله، إضافة لآخرين من بينهم سفيرنا الحالي في واشنطن محمد عبدالله إدريس، السفير يسن إسماعيل و غيرهما ، لكن العلاقة قويت وتوطدت السفير بشرى إذ جمعنا أكثر من منشط أو عمل عام، كان آخره عضوية مجلس العلاقات الخارجية الذي يرأسه وزير الخارجية.
*وكذلك شاءت الاقدار أن اتعرف قبل نحو عقدين من الزمان بالأخ الكريم الراحل الدكتور صلاح سوار الذهب، وهو رجل خير مبادرات سباق الى فعل الخيرات بلا من ولا أذى ، رحمه الله
*واذكر انني كتبت قبل سنوات عن حي ودنوباوي الأم درماني المعروف مقالا بإسم (ودنوباوي.. الشهد والدموع) واذكر أنني تلقيت عشرات التعليقات والمحادثات من الأصدقاء والمعارف وذلك بالتواصل المباشر في الوسائط المتعددة، أو من خلال التطبيقات المختلفة على شبكة الإنترنت أو الموقع الإلكتروني للصحيفة ، وكلها أو أكثرها يطالبنا أصحابها بالكتابة أكثر عن بعض الشخصيات التي إنتقلت مؤخراً إلى الدار الآخرة، ويتشدد في ذلك أبناء مدينة أم درمان ، التي نشير إلى أن الباحث الأمريكي روبرت إس كرامر، أطلق عليها إسم المدينة المقدسة عندما أصدر كتابه الأشهر ( مدينة مقدسة على النيل … أم درمان في سنوات المهدية ) والذي قام بترجمته من الإنجليزية إلى العربية الأستاذ الكبير بدر الدين حامد الهاشمي.
*ومن أقدار الله أن الذين رحلوا عن دنيانا في تلك الأيام وكتبنا عنهم، كانوا من أبناء حي ودنوباوي العريق، وهم الأساتذة عبدالرحيم عوض قيلي، شيخ المصورين الصحفيين المحترفين ، والهادي نصرالدين فضل الجليل القرشي، وسعادة اللواء أبوقرون عبدالله أبوقرون، الضابط العظيم والشاعر والملحن الكبير، ورحل قبلهم بنحو أسبوعين أستاذنا الصحفي الكبير المرموق كمال حسن بخيت، وهو أخ كريم وصديق عزيز علاقتي به تتجاوز العلاقة الشخصية إلى العلاقة الأسرية القوية، رحمهم الله جميعاً
*من أهم المداخلات مداخلة من أخ صديق أشار إلى أحزان حي ودنوباوي وكتب إلي عن تفرّد هذا الحي وعلاقة الذين استوطنوه من غير مؤسسيه ومن بينهم عمنا الفاضل العقيد حسن بخيت والد الأستاذ كمال وإخوانه ومن بينهم الأستاذ حاتم الذي رحل مؤخراً، وكان قد عمل بإدارة الإعلام والسياسة في مجلس الوزراء منذ عهد حكم الرئيس الراحل جعفر محمد نميري، رحمه الله وهو نفسه من أبناء هذا الحي، وترقى حاتم في مسيرته إلى أن أصبح مديراً لمكتب الرئيس السابق عمر حسن البشير ، بدرجة وزير دولة ثم أميناً عاماً لمجلس الصداقة الشعبية ، وكان من نجوم كرة القدم الذين يشار إليهم بالبنان ، ولعب لفريق ودنوباوي الذي كان يلقب وقتها بملك ( الدرونات) أو التعادلات مع قمة الكرة السودانية ( هلال- مريخ) وأذكر أنني أجريت مع الأستاذ كمال لقاءً إذاعياً مطولاً قبل وفاته بقليل، لصالح إذاعة بلادي، تحدث فيه كما لم يتحدث من قبل عن علاقته بحزب البعث العربي الاشتراكي وعن علاقته بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، وعمله في بغداد وتجربته في الصحافة السودانية ، ونحن لم نعمل معاً في الصحف السودانية إذ أن بداية التحاقي بالعمل الصحفي كان كمال قد غادر وهاجر، وكان معنا يحضر ذلك اللقاء الأخ الكريم المهندس عبدالرحمن ابراهيم عبدالله المدير السابق لإذاعة بلادي، وعندما ضيّقت بالأسئلة على الأستاذ كمال، انفعل على غير عادته وقال لي : ( إنت زول مايوي ) فضحكنا وقلت له : ( والله مصيبتي مصيبة أنت تقول لي مايوي والمايويين يقولون أنني شيوعي وبعض الأحزاب الأخرى تقول بأنني بعثي وآخرون يقولون حركة إسلامية ضحك كمال وقال لي : (أهو ده النجاح).
*ووصلتني رسالة أثيرة وعزيزة آنذاك من الأستاذ الصحفي الكبير أسامة سيد عبدالعزيز يعزيني ونفسه وكل زملاء المهنة في وفاة زميلنا الكبير الراحل عبدالرحيم قيلي ، وقد رأيت أن أنشرها في ذلك الوقت كما هي وقد جاءت كما يلي:
(قيلي مدرسة صحفية)
*كالعهد به وفاءً… وحباً نقل لنا الأستاذ مصطفى ابو العزائم نبأ مرض المصور الصحفى المخضرم عبدالرحيم قيلي الرجل التقي النقي
لحظتها إزدحمت الذاكرة بصور حبيبة حميمة للأستاذ التقى النقى قيلي، فالبداية كانت يوم أن إقترح الأستاذ عزالدين عثمان مدير الإدارة الفنية بمؤسسة الايام للطباعة والنشر، وهو رسام الكاريكاتير السوداني الأشهر، خلال إجتماع إدارة تحرير صحيفة الأيام، أن تكون الصورة أكثر حيويةً إن لم تكن أبلغ من الكلمة،
حيث إتفق الجميع على البحث وإقناع المصور الصحفى عبدالرحيم قيلى للإنضمام إلى صحيفة الأيام لكونه واحد من طليعة المصورين الذين تعجز الكلمات المكتوبة عن شرح صوره
ومن فخرنا أن يقول بذلك فى عام 2005 م ، المركز الدولى للتصوير الفوتوغرافي فى مدينة نيويورك.
*وحينما قدم الأستاذ قيلي تصوره لتطوير قسم التصوير تطابق رأيه مع رأى الأستاذ عزالدين
(أن الصورة الصحفية ليست فقط صور الأخبار واللقاءات الهامة) إنما إقترح تعميق نقد المجتمع
ورصد حركته, فكان مولد باب(حديث الكاميرا) الذي تتحدث فيه الصورة بشمولية وموضوعية لأن العدسة أدق من العين البشرية ، أو قل إنها تلتقط ما تراه وبأدق التفاصيل.
*تميزت صور قيلي بحيويتها..فقد كان يصور اللقاءات والتحقيقات دون أن يحس المحرر بذلك. وقال هذا هو أسلوبه حتى لا تخرج الصور وكأنها صور مناسبة, وعلى الرغم من ذلك كان مهتماً بالجانب الجمالي للصورة.
*بسط الأستاذ قيلي قيم رفيعة فى قسم التصوير الذي ترأسه في جريدة الايام.
*كان يوصى مرؤسيه بمعاملة من تصيبهم مصيبة بلطف وليس بتطفل ..ويشترط عليهم أخذ الإذن بتصوير الأضرار التى لحقت بهم
وكان يحذرهم من فبركة الاحداث وقد تميز بحب جارف لمهنته التي وهبها أكثر مما تطلب وظيفته ، وظل مرتبطاً بكافة الأقسام مرابطاً فى قسمه لتلبية نداء أى قسم ليسرع مستجيباً ..ويعود مبتسماً ليخرج لنا صور معبرة.