الاختطاف وطلب (الفدية … المليشيا تمارس(الابتزاز) علنا (١-٢) (تحقيق)

- المليشيا تختطف طفلة عمرها عامين وتطلق سراحها بعد إستلام (الفدية)…
- الفدية تصل إلى 4 آلاف دولار للمختطف حسب الوضع المالي لذوي الضحايا…
- عدد المختفين قسريا نحو(1140) شخص بينهم (123) أنثى…
تحقيق- حنان كشة:
في الثلاثين من ديسمبر من العام الماضي اختطفت قوات الدعم السريع حافلة ركاب من الطريق الرابط بين مدينتي المناقل وودمدني والذي يمر بسوق المدينة عرب بعد أن أوقفوا الحافلة في قرية (مهلة) وقتلوا عدد من الركاب بينهم طبيب كان عائدا من عمله في مستشفى (بورتبيل) المجاورة للمدينة عرب وكان الجنود يرددون أثناء حملة رعب نفذوها على المواطنين أنهم ينتقمون لمقتل جندي مقتول في المدينة عرب وأن ثأره يعادل مقتل خمسين مواطن .
تلك وغيرها سيناريوهات شهدتها الأحداث ظلت تتكرر كثيرا منذ إندلاع النزاع بين القوات المسلحة السودانية ومليشيا الدعم السريع وفي كل الحالات فإنها تستهدف المواطنين العزل الذين لا دخل لهم بالنزاع والأغرب من هذا وذاك أن القوات المتمردة تشترط (فدية) لإطلاق سراح المحتجزين في وجه سافر لجريمة الإبتزاز وهكذا تصبح الجريمة مزدوجة ويصبح مصير الضحايا في كف عفريت تتأرجح أنى شاءت.
اعدام جماعي:
أحد الناجين شاب يبلغ من العمر (21) عام يقول أنه كان مختبئا تحت سرير عندما اقتحم مقاتلون تابعين لقوات الدعم السريع بدايات نوفمبر الماضي في إحدى ضواحي مدينة الجنينة، وسحبوه مع عدد من أصدقائه وهم يطلقون عليهم أبشع الصفات ليأمرونهم لاحقا بالعمل في إصلاح السيارات ويخبرونهم أنهم سيقتلون في نهاية المطاف، وبعد أن أنجز ذلك الشاب مهمة أوكلت إليه أجبره خاطفوه بركوب دراجة نارية تحت تهديد ال
سلاح و اقتادوه إلى مكان يبعد قليلا عن جسر الجنينة، حيث رأى هناك أعداد من الأشخاص يعدمون في ذلك الوقت وبعدها تم إجباره بمعية آخرين بالعمل في المزار
ع المحلية قبل أن يهرب ويختبئ في قرية مجاورة لأيام معدودة غادر بعدها في إحدى الليالي لدولة تشاد.
شاب آخر يبلغ من العمر (24) عام نجا من إعدام جماعي في مدينة الجنينة بعد أن اختطفته قوات الدعم السريع يقول أن القوات المتمردة اختطفت طفلة عمرها عامان حال عدم سداد أسرتها الفدية ويؤكد أن الأسرة قامت بسداد الفدية وأطلق سراح الطفلة قال ذلك والأسى يتسرب بين ثنايا كلماته.
مثلث برمودا:
وبحسب تقرير صادر عن المجموعة السودانية لضحايا الإختفاء القسري بعنوان (مثلث برمودا يتسع …المدن التي تدور في رحاها الحرب الداخل مفقود والخارج مولود) جاء فيه أن عدد المختطفين منذ الخامس عشر من أبريل من العام الماضي حتى الخامس عشر من أبريل الماضي بلغ (1140) شخص بينهم (998) ذكور بالغين،(20) ذكور قصر، (116) إناث بالغات و(7) إناث قاصرات، ووفقا لذات التقرير ترتكب الإنتهاكات وبالأخص الإخفاء القسري ضد المدنيين الذين يعتقد أنهم متعاونون أو متواطئون أو بدافع الحصول على مبالغ مالية.
تقرير (مثلث برمودا) كشف أن قوات الدعم السريع تقوم بإعتقال المدنيين وتخفيهم ومن ثم تطلب الفدية من ذويهم مقابل إطلاق سراحهم بما يعادل الأربعة ألف دولار في بعض الأحيان.
تقرير المجموعة السودانية لضحايا الإختفاء القسري تم إعداده بواسطة راصدين من المجموعة بجلب الحقائق من مصادرها الموثوقة بعد تواصلهم مع عدد من ذوي الضحايا بجانب إجراء مقابلات مع عدد من الناجين، واستند التقرير على إطار قانوني شمل الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الإختفاء القسري، إتفاقية مناهضة التعذيب والعقوبة القاسية والمعاملة اللا إنسانية والمهينة، إتفاقية حقوق الطفل وميثاق روما للعام 2002م في موادها السادسة والسابعة والثامنة.
إعتقال وتعذيب:
ووفقا لتقرير تناول إنتهاكات حقوق الإنسان ( ترويع وإهانة وإذلال متواصل) في ولاية الجزيرة أصدره المرصد السوداني لحقوق الإنسان تواصلت حالات الإخفاء القسري والاختطاف وتكررت حالات الإعتقال التعسفي والتعذيب التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع بعد سيطرتها على الولاية منذ منتصف ديسمبر من العام الماضي حيث وثّق المرصد السوداني لحقوق الإنسان لعدد من حالات الإعتقال التعسفي والتعذيب وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة التي ارتكبتها قوات الدعم السريع في عدد من محليات ولاية الجزيرة.
وجاء في تقرير المرصد السوداني لحقوق الإنسان أنه وفقا لشهادات عدد من الناجين فإن أسباب الاعتقالات تراوحت ما بين وجود صلة ما مع الجيش السوداني أو القوات النظامية الأخرى أو الاشتباه بالإنضمام للمستنفرين أو الامتناع عن تلبية طلبات قوات الدعم السريع بتقديم معلومات عن أماكن الأموال أو الممتلكات أو الإرشاد إلى الأشخاص الميسورين في المنطقة ومنازلهم أو أعمالهم وفي الغالب يكون التعذيب بغرض انتزاع المعلومات المطلوبة أو الضغط بغرض طلب المال نظير إطلاق السراح.
تدابير إجرامية:
وأكدت شهادات عدد من الناجين الذين تحدثوا للمرصد السوداني لحقوق الإنسان أن قوات الدعم السريع قامت بتعيين مستشارين قانونيين معظمهم محامين ليتم عرض المعتقلين عليهم بعد التحقيق معهم بواسطة المتحري الذي يكون إما أحد ضباط الدعم السريع أو أحد أفراد الشرطة الذين فرض عليهم أو إختاروا التعاون مع الدعم السريع وبعد معاينة المعتقل والإستماع إلى تقرير المتحري يقرر المستشار القانوني إما إطلاق سراحه أو الأمر بسجنه وفي حالة السجن يتم تحويل المحتجزين إلى سجن سوبا بولاية الخرطوم ولفت المرصد إلى أنه لا يملك معلومات كافية عن الإطار القانوني الذي يمارس خلاله أولئك المستشارين مهامهم الوظيفية ويصدروا أحكاما، وأكد المرصد أن وجود أولئك المستشارين لا يكسب مراكز الاعتقالات مشروعية لأن قوات الدعم السريع ليست مخولة قانونا باعتقال الأشخاص أو إحتجازهم لا بموجب الوثيقة الدستورية 2019م ولا بموجب القوانين السارية ذات الصلة، أما من منظور القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان فالاعتقالات تعتبر تعسفية كما يدخل التعذيب المصاحب لها في عداد الجرائم ضد الإنسانية كونه يمارس بصورة ممنهجة وعلى نطاق واسع.
بين ثنايا القانون:
ويقول القاضي السابق والمستشار القانوني بالمنظمات الدولية والإقليمية الدكتور عمر كباشي أن ما يحدث في السودان هو نزاع داخلي بين فصيل متمرد على القوات المسلحة بعد أن كان جزء منها بموجب قانون صدر عام 2017م وبموجب الوثيقة الدستورية 2019م وإعتبرت ان الدعم السريع جزء من القوات المسلحة وتساءل عن علاقة قوات الدعم السريع بالقوات المسلحة السودانية ،وصمت برهة من الوقت قبل أن يجيب بقوله أنه في العام 2017م صدر قانون قوات الدعم السريع وإعتبر أنها جزء من القوات المسلحة السودانية وبالرغم من أن رئيس مجلس السيادة ألغى لاحقا المادة (5) من ذات القانون التي تبرهن على ذلك إلا أن ذلك مازال أمرا واقعا بسبب تضمينه في الوثيقة الدستورية وكما هو معلوم فإن القاعدة الدستورية تعلو على القاعدة القانونية، ومضى الدكتور عمر كباشي ليضيف أن الوثيقة الدستورية أبان قيام المجلس العسكري الإنتقالي تضمنت نقاط كثيرة تتعلق بعلاقة الدعم السريع بالجيش السوداني وزاد أنه في العام 2019م ألغى رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان تلك المادة وبتلك الماجريات فإن النزاع الدائر في السودان يصنف على أنه نزاع داخلي وبذلك تصبح كافة الجرائم التي أرتكبت من المليشيا تقع ضمن الفصل الثامن عشر من القانون الجنائي للعام 1991م واحتوى ذلك الفصل على احكام القانون الدولي الانساني الذي يتخذ من إتفاقيات جنيف الأربعة أحد مصادره والتي صادق عليها السودان عام 1956م ووجب على ضوء ذلك والحديث لكباشي أن يتم تضمين أحكامها في القوانين السودانية بموجب تشريعات تصدر عن السلطة التشريعية حسبما تضمنت إجراءات الدستور.
للمدنيين حماية:
وأهم إتفاقية في الإتفاقيات الأربعة حسبما يقول كباشي حماية المدنيين وترتيبها الرابعة وتتعلق الإتفاقيات الثلاثة التي تسبقها بالعسكريين، ويضيف كباشي أنه بالعودة لمضامين الباب الثامن عشر يتضح أنها تشتمل على جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب ضد الممتلكات والحقوق الأخرى وجرائم الحرب الخاصة بأساليب القتال المحظورة وجرائم الحرب الخاصة بإستخدام أساليب القتال المحظورة والجرائم الخاصة بالحرب وجاء فيها (يعاقب بالإعدام أو بالسجن المؤبد أو بأي عقوبة أقل كل من يرتكب بنفسه أو بالإشتراك مع غيره أو يشجع أو يعزز أي هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وهو على علم بذلك الهجوم ويقوم في ذات السياق بأفعال عديدة تضمنتها نصا بينها الفقرة (د) التي تضمنت (يبعد أو يرحل شخصا أو مجموعة من السكان من المشمولين بالحماية وبصفة خاصة من خلال معاملته بصورة مهينة ومحطة من قدره).