لماذا يتجاهل العرب والمسلمون الحرب في السودان؟

 

عادل الحامدي

 

*سؤال محير فعلا، لماذا يتجاهل العرب والمسلمون ما يجري في السودان من حرب أكلت الأخضر واليابس، وأحالت ملايين السودانيين إلى نازحين ولاجئين يواجهون جوائح الطبيعة في العراء؟.

*لا بأس في ذلك، فالجيش السوداني هو سليل نظام الإنقاذ الذي حكم البلاد منذ العام 1989، ومهما كان ثمن القضاء على رائحة الإسلاميين فهو أقل من ثمن بقائهم ونجاحهم في الحكم.. هكذا يروج بعض أنصار التحريض على السودان وأهله.. تماما مثلما يفعلون ضد فلسطين عندما يتحدثون عن هدف القضاء على المقاومة..

*الأرقام التي أعلنها مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، مطلع الأسبوع عن عدد ضحايا هذه الحرب الظالمة تقول إن عدد الضحايا فاق الـ 20 ألف قتيل و10 ملايين نازح، و2 مليون لاجئ في دول الجوار، وأن السودانيين يعانون اليوم من أزمات متتالية، أكبر موجة نزوح في العالم وخطر المجاعة يهدد أكثر من نصف سكان السودان، بينهم أكثر من 14 مليون يحتاجون لتدخل عاجل.

*وتابع غيبريسوس قائلاً: “كما يعانون من كوارث طبيعية تهدد بانهيار البنية التحتية وانتشار الأمراض وانهيار في القطاع الصحي، وهناك أعداد مقدرة تعرضت للعنف الجنسي”.

*وأشار إلى أن “70 بالمئة من القطاع الصحي متوقف عن تقديم الخدمات، وسط صعوبة الوصول إلى تلك الخدمات”.

*وناشد غيبريسوس “المجتمع الدولي والعالم للاستيقاظ ومساعدة السودان في هذه الأزمة، وشدد على ضرورة “وقف إطلاق النار، وحماية المؤسسات الصحية والعاملين بالمجال الصحي، واستدامة توصيل المساعدات”.

*موقف المجتمع الدولي من السودان كما من فلسطين ليس غريبا، فهو من حاصر السودان على مدى عقود من الزمن، وجفف ينابيعه الاقتصادية ودعم التمرد في جنوب السودان وصولا إلى الانفصال، قبل أن يضغط من أجل تجويع السودانيين وقتلهم وهم وقوف وصولا إلى الحرب الدائرة حاليا.. فانتماء السودان للقارة السمراء وانحيازه للهوية الإسلامية أيقظ الفزع في نفوس القوى الاستعمارية الكبرى التي لم تتوقف يوما عن وضع العصي في دواليب النهضة الإسلامية من أي باب حاولت الدخول.

*الغريب فعلا هو أن فرية القضاء على الإسلام السياسي في السودان انطلت على العرب والمسلمين والأفارقة، فصمتوا جميعا عن حرب الإبادة التي تخوضها ميليشيات تبين أنها مدعومة إقليميا بالسلاح ودوليا عبر غطاء ديبلوماسي مدخله المفاوضات بين الأشقاء المختلفين.. وتحول السودانيون بين عشية وضحاها إلى مشاريع لاجئين ونازحين، بل وموضوعاتتنافس المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية في تناوله..

*ومع أن لعنة الموارد الاقتصادية الضخمة التي يرقد عليها السودانيون ويتصارعون أيضا، من نفط وغاز وذهب ومساحات زراعية شاسعة تكفي لإعالة القارة الإفريقية لو ساد الاستقرار البلاد، لم تغب عن المنشغلين بأمر حرب السودان، فإن عقدة الانتماء العرقي والديني ظلت الهاجس المحرك لأكثر الحروب التي شهدتها السودان في العصر الحديث..

*أما مسألة الدفاع عن الديمقراطية والتأسيس لنظام التوالي السياسي واحترام حقوق الإنسان في السودان، فقد تبين بالملموس أنها لم تكن إلا خدعة سياسية هدفها ليس تفكيك السودان فحسب والقضاء على نخبه السياسية وثروته البشرية الواعدة، وإنما التمكين للمستعمر القديم المتجدد للتحكم في بوابات العالم الرئيسية.. والسيطرة على منافذه الاقتصادية..

*لن يسمح لعالمنا العربي والإسلامي أن يمتلك أسباب القوة والمنعة بعد أن تفرقت دولة وتشتت قواه و ولاءاته بين القوى المتصارعة على قيادة العالم.. ومفتاح الدواء تغليب المصالح العليا للأوطان والأمة على المصالح الضيقة التي يدخل منها طاعون التفتيت، وهذه مهمة النخب الفكرية والسياسية..

*وجميعنا يستحضر قصة المهلب بن أبي صفرة لما أشرف على الوفاة، حيث استدعى أبناءه السبعة.. ثم أمرهم بإحضار رماحهم مجتمعة، وطلب منهم أن يكسروها، فلم يقدر أحد منهم على كسرها مجتمعة، فقال لهم: فرقوها، وليتناول كل واحد رمحه ويكسره، فكسروها دون عناء كبير، فعند ذلك قال لهم: اعلموا أن مثلكم مثل هذه الرماح، فما دمتم مجتمعين ومؤتلفين يعضد بعضكم بعضا، لا ينال منكم أعداؤكم غرضا، أما إذا اختلفتم وتفرقتم، فإنه يضعف أمركم، ويتمكن منكم أعداؤكم، ويصيبكم ما أصاب الرماح:

*كونوا جميعا يا بني إذا اعترى
خطب ولا تتفرقوا آحادا
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
وإذا افترقن تكسرت أفرادها.

*كاتب عربي مقيم في لندن