
الأمن المجتمعي ،،، وقصة الراعي والثعبان
لواء ركن (م) د. يونس محمود
تروي القصة وهي من القصص الموجّهة ذات المقاصد أنَّ راعيًا في الغابة تركَ إناءً مملوءًا باللبن تحت شجرة، ولمّا عاد وجد به قطعةً من الذهب عِوضًا عن اللبن الذي شربه الثعبان، ثم تكرّر ذلك الأمر كل يومٍ حتى أوكل الراعي إبنه ليقوم مقامه لمرضٍ ألمّ به، الإبن قدّر أن يقتل الثعبان ويحفر جحره ويتغنّم الذهب كلّه مرةً واحدة بدل هذا التقسيط، فضرب الثعبان بالفأس فقطع ذنبه فلدغه الثعبان فقضى عليه، ثُمّ جاء الراعي الأب متعذّرًا للثعبان وأراد أن يُعيد تبادل المصالح من جديد، فقال له الثعبان لا تصالُح فأنت لن تنسى مقتل إبنك وأنا لن أنسى قطع ذنبي.
بإسقاط هذه الحكاية على واقعنا الإجتماعي الذي كان عامرًا بتبادل المصالح والتعايش السلمي، وكف الأذى عن بعض، ثم عدت عليه غواشي الجنجويد وقضت على تلك العلاقة بالقتل ليس لولدٍ واحد وإنما لمئات الآلاف وأضعافهم من الجرحى، وملايين المتضرّرين، فضلًا عن تدمير الحياة بشكلٍ متعمّد ينمُّ عن حقدٍ مزمن كالأدواء التي لا تطبيب لها، حيثُ أسرف هؤلاء القتلة في إيذاء الناس، وكان عشمهم أن يسودوا ويستذلوا أهل السودان بسلاح الإمارات ودعم القحاحيط وسند من هُنا وهناك، ولكن طاشت الضربة، نعم آذت ولكنها لم تقتل الإرادة ولم تقضي على الوطن.
الشاهد الآن الجنجويد في محنةٍ كبيرة بفقدهم كل مساحة ورحاب السودان الفسيح الذي كانوا يتحرّكون فيه بحرية وأريحية، يمارسون حياتهم وتجاراتهم وأعمالهم، ويتلقون خدمات الدولة كمواطنين ويتنقلون من مدينةٍ لأخرى، لكنهم بفعلتهم هذه قد ضيّقوا الواسع على أنفسهم، فأصبحوا رهن المُدن التي يسيطرون عليها، وهي خاوية من أسباب الحياة،
إذ تفتقد الأمن، فهم في حالة صراعٍ مستمر، وشك مستديم، وتصفيات وقتل يومي، وإعتقالات وتخوين، وإرغام على التجنيد القسري، فضلًا عن الإفتقار للغذاء والدواء والتعليم والصحة والكهرباء والمياه، فهذه أصبحت ذكريات من ماضي دولة ٥٦.
أمّا المجتمع السوداني فقد حزم أمره بألّا عودة لهؤلاء القتلة للحياة والتواصل والتشارك وتبادل المصالح بحق المواطنة الذي كان؛ لأنّ متغيرًا جذريًا قد حدث في أُس العلاقة، ودمًا غزيرًا وعزيرًا قد أُهرق بأيديهم، فلا مجال لعفوهِ ونسيانه لأنهم أراقوه بالقصد، والقهر والقوة، وأبدوا تلذذهم وهُم يفعلون ذلك في وقاحة وتبجّح.
لا مجال لعفو الإنتهاكات للعروض وتصوير عمليات الإغتصاب الجماعي، وإستعباد النساء وبيعهن في الأسواق.
لا مجال لنسيان المقابر الجماعية في كُل شبرٍ وزقاق وميدان في المُدن والقُرى.
لا مجال لتجاوز المحارق للناس في الحاويات حتى تذوب عظامهم، ولا طيّ لملفات الأسرى وصور من نجا منهم وهُم أشباح من فرط التجويع والإذلال والقهر.
الآن تضيقُ مُدن الجنجويد الأسيرة لديهم الجنينة، نيالا، زالنجي، الضعين، النهود، والخوي، ويعانون أشدّ ما تكونُ المعاناة التي يستحقونها، حيثُ بارت تجارة المسروقات، فلا أحد هناك يحتاج ثلاجة ولا مكيف، ولا إسبير للسيارات وحتى مناسبات لإستعراض الملابس المسروقة، هذا خُسران الدنيا، ثم يأتي من بعده خسران الآخرة الذي تقرّبه طلعات الطيران ونسور الجو والعمليات الخاصّة وعمليات الصيّاد التعرّضية، حيثُ تتقلّص كل يومٍ مساحات السيطرة .
والأمل في حُكم السودان لصالح المشروع الصهيوإماراتي، وتأكّد لهم أنَّ آل دقلو قد باعوهم الوهم، وأخسروهم ما لا يُعوّض أبدًا ، وأن نُظّار السوء وشيوخ القبائل قد أضلوهم سواء السبيل، ولن يغنوا عنهم شيئًا في الدنيا ولا في الآخرة، وهم يرون أعمالهم حسراتٌ عليهم وقد سدّوا ما بينهم والشعب السوداني ما لا يُمكن أن يظهروه ولا يستطيعوا له نقبًا.
ولكُل ذلك فإنّ الأمن المجتمعي السودان قد ودّع مرحلةً في تاريخه، وولج إلى مرحلةٍ جديدة وجب فيها الإنضباط والتأكيد على المعيار الأخلاقي وترك اللامبالاة وعدم التهاون وإلتزام قوانين السكن والعمل والإيجار حتى لا تتكرّر مأساة حرب الجنجويد وما سبقها من إعداد على حساب حُسن الظن.
وقد خاب من حمل ظلمًا
كُل عـام وجيشنا عـيـد
وعـيـدنا جـيـش