آخر الأخبار

الإعلام الولائي.. الواقع المُر (2-2)

  • د. حيدر البدري: غياب الوضوح القانوني أكبر التحديات التنظيمية لقرار إجازة الهيكل التنظيمي لهيئات الإذاعة والتلفزيون الولائية
  • المتحركات والترقيات والتدريب.. معوقات رئيسية تواجه الإعلام بالجزيرة
  • والي الخرطوم: على هيئة إذاعة وتلفزيون الخرطوم دعم الوحدة الوطنية ونبذ الخطاب القبلي والجهوي

تحقيق ـــ التاج عثمان:
ظل الإعلام الولائي طيلة السنوات الماضية كما مهملا لدرجة النسيان رغم أهميته.. معظم حكومات الولايات تنظر إليه (عن جهل) بإستخفاف ولا مبالاه حتى أصبع مشلولا عاجزا عن تقديم رسالته الإعلامية لإنسان الولايات المختلفة وأصبح طاردا للكفاءات الإعلامية المشهود لها بالتميز والإبتكار لتتلقفهم الفضائيات المحلية والعربية والإذاعات الخاصة.. فلماذا وصل الإعلام الولائي ممثلا في هيئات الإذاعة والتلفزيون الولائية لهذا الدرك السحيق من التدني والضعف لدرجة تلامس الإنهيار وبالتالي وقف عاجزا عن القيام برسالته الإعلاميه تجاه مواطني الولايات وعكس قضاياهم؟.. وكيف تحول الإعلاميين الولائيين لمجرد موظفين حكوميين رغم أنفهم؟.. (أصداء سودانية) تفتح ملف (الإعلام الولائي.. الواقع المُر) عبر هذا التحقيق
إعلام ولاية الجزيرة:

الإعلام بولاية الجزيرة رغم انه أفضل حالا من مثيلة بولاية سنار إلا أنه يعاني أيضا، فمعلوم ان هيئات الإذاعة والتلفزيون بالولايات اتحادية وتحت إشراف الولايات وتسيير العمل بها من حيث مرتبات الفصل الثاني والكهرباء والوقود ووسائل الحركة، وفي ظل هذه الوضعية يظهر التباين بين الولايات، مثلا في الجزيرة تم ايقاف مرتب الفصل الثاني منذ العام 2015 بحجة ضبط الحوافز وتبعا لذلك تم تمليك العربات التابعة للهيئة لبعض الموظفين، علما ان العربات او المتحركات تعتبر أهم وسائل ومعينات الاعلام، مما كان لهذا القرار الأثر البالغ في تأدية الرسالة الإعلامية وإيصال صوت الولاية وعكس أنشطتها لإنسان الولاية.. بجانب إهمال تدريب الكوادر العاملة وترقيات العاملين.. اما الحرب التي أطلت برأسها كثالثة الاثافي فقضت على الأجهزة القليلة والمتهالكة أصلا، فضلا عن النهب والتدمير الذي قامت به المليشيا.. هنا لا بد من الإشادة بحكومة ولاية الجزيرة لتوفيرها مؤخرا بعض الأجهزة والمعدات للإذاعة والتلفزيون، ومتابعتها الدورية لإزالة كافة معوقات العمل بالهيئة.
تبعية الهيئات الولائية:


د. حيدر البدري، ظل يعمل موظفا بإذاعة وتلفزيون ولاية الخرطوم لأكثر من 25 عاما، ويعد من قادتها الأساسيين، يتناول من خلال هذه الجزئية من التحقيق في حلقته الثانية جانبا تحليليا مهما يتعلق بقرار مجلس الوزراء السابق بتبعية الهيئات الإعلامية الولائية للهيئة القومية، مفندا المكاسب والإشكالات، بقوله:
في أكتوبر 2024، أصدر مجلس الوزراء السوداني قراراً تاريخياً بإجازة الهيكل التنظيمي والوظيفي لهيئات الإذاعة والتلفزيون الولائية، وربطها بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون القومي، يأتي هذا القرار في ظل ظروف استثنائية يعيشها السودان، حيث تشهد البلاد حالة من التحول السياسي والاقتصادي والأمني، مما يضع على عاتق الإعلام مسؤوليات جسام في ترسيخ الوحدة الوطنية وبناء السلام، رأينا حينها عدم التعليق على القرار حتى نرى تبعاته على كافة الأصعدة ونقوم بدراسة جوانبه كلها.
في هذه العجالة سأدلف إلى تحليل هذا القرار بشكل نقدي، مع التركيز على جوانبه التنظيمية والوظيفية ومدى ملاءمته للواقع الإعلامي في السودان، خاصة فيما يتعلق بهيئة إذاعة وتلفزيون الخرطوم والتي اعمل بها موظفاً، ومن قادتها الأساسيين لأكثر من خمس وعشرين عاما.. فقد أصدر وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، عثمان حسين عثمان، قراراً يحدد اختصاصات هيئات الإذاعة والتلفزيون الولائية وفقاً لمهامها التي تصب في توجيهات الدولة.. ينص القرار على أن هذه الهيئات يجب أن تركز على الرسالة الإعلامية ونشر الوعي بالهوية السودانية وتعزيز الثقافة الوطنية عبر الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة داخلياً وخارجياً، كما يؤكد على تبعية هذه الهيئات للهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون القومية، مما يعني إدماجها في هيكل مركزي موحد.. ووجه القرار عدة وزارات وهيئات باتخاذ إجراءات تنفيذه، وهي


وزارة الثقافة والإعلام، وزارة الحكم الاتحادي، وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، ووزارة العمل والإصلاح الإداري، والجهات المعنية الأخرى.. هذا التوجيه يهدف إلى ضمان تكامل الجهود المؤسسية لتحقيق أهداف القرار، غير أنني لدي ملاحظات على القرار تلمست بعض نقاط الضعف فيه، فالقرار بصيغته هذه به إشكاليات هيكلية وتنفيذية، فعلى الرغم من المزايا النظرية للقرار، إلا أن هناك عدة نقاط ضعف يمكن ملاحظتها.. فقد جاء القرار بشكل إداري مجملاً وبلا تفصيل أو مذكرة تفسيرية مدمجة، غير ان مثل هذه القرارات المفصلية والتي يحكمها القانون تحتاج إلى توضيح وبيان وتفسير كل كلمة من القرار، هذا جانب.. ومن زاوية أخرى فإن هذا القرار يثبت مفهوم المركزية المفرطة إذ أن تبعية الهيئات الولائية للهيئة القومية قد تقيد الاستقلالية الإبداعية والمحتوى المحلي الذي يراعي الخصوصيات الإقليمية،
هذا مع تعقيد الإجراءات الإدارية.. فمن خلال ما ورد عن اجتماع الوزير مع ممثلي الهيئات الولائية، ستكون هناك وبموجب هذا القرار مشاكل في بطء الإجراءات وضعف المتابعة، حيث أن التبعية الإدارية والمالية تتطلب موافقات متعددة من مستويات مركزية.. هذا زيادة على الإشكالية التمويلية، فحتما ستكون هناك صعوبات في تطبيق الزيادات والبدلات بحجة عدم إعتماد الهيئات في الفصل الأول من الميزانية، مما يؤثر على الحافز الوظيفي للعاملين في هذه الهيئات.. ومن أكبر التحديات التنظيمية في هذا القرار غياب الوضوح القانوني، فالقرار لم يحدد بشكل واضح آليات حل التنازع بين الاختصاصات الولائية والاختصاصات القومية، مما قد يؤدي إلى تناقض في التوجيهات والسياسات الإعلامية.. والقرار بشكله هذا قد يسهم في ضعف آليات المتابعة، فكما أشار وكيل وزارة الثقافة والإعلام، فإن القرارات الصادرة تتطلب متابعة لصيقة من الهيئة العامة والهيئات الولائية، ولكن لا توجد آلية محددة للمتابعة والتقييم.
ملاءمة القرار:


ولكن ما مدى ملائمة القرار لهيئة إذاعة وتلفزيون الخرطوم؟.. يجيب، د. حيدر البدري، “لاشك أن هنالك جوانب إيجابية للقرار، ففي مجال الدعم الفني والتدريب يمكن أن تستفيد الهيئة من الخبرات التقنية والبرامجية للهيئة القومية، مما يساعدها في تخطي التحديات التقنية التي تواجهها بعد التوقف الطويل.. هذا بجانب التمويل المركزي، فإذا تم تضمين رواتب العاملين في الهيئة في الفصل الأول من الميزانية، كما وعد الوزير، فإن ذلك سيضمن استقراراً مالياً للهيئة، وهذا حسن بالطبع.. لكن علينا الاحتراز من الجوانب السلبية للقرار فالتبعية الإدارية قد تؤثر على المرونة الإدارية للهيئة في اتخاذ القرارات السريعة المناسبة لظروف العاصمة المتغيرة بسرعة، ثم إن الخصوصية المحلية تصبح مهددة، فهناك خطر من
فهناك خطر من تطبيق سياسات موحدة لا تراعي خصوصية العاصمة الخرطوم، التي تختلف عن الولايات الأخرى من حيث التركيبة الديمغرافية والتحديات الأمنية.. عليه فإنني كباحث ومزاول لهذا النشاط الاعلامي أتقدم بالتوصيات التالية:
ــ توصيات على المستوى التنظيمي.. (اللامركزية المشروط): منح الهيئات الولائية، خاصة هيئة الخرطوم، درجة من الاستقلالية الإدارية والمالية التي تمكنها من اتخاذ القرارات المناسبة لظروفها الخاصة، مع التنسيق مع الهيئة القومية في السياسات العامة.
ــ آليات متابعة فعالة: إنشاء وحدة متابعة خاصة مع الهيئة القومية لمتابعة تنفيذ القرار وحل المشكلات التي تواجه الهيئات الولائية، خاصة في الجوانب المالية والإدارية
وعلى المستوى الفني والبرامجية فإني اوصي بالآتي:
ــ دعم البنية التحتية: بتوفير الدعم التقني والمالي للهيئات الولائية، خاصة هيئة الخرطوم، لتطوير أجهزة البث والتغطية الإعلامية لتصل إلى أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.
ــ برامج بناء القدرات: تنظيم دورات تدريبية للعاملين في الهيئات الولائية بالتعاون مع الهيئة القومية لرفع الكفاءات المهنية والتقنية.
ــ وضع مذكرة تفسيرية يضعها خبراء ومتخصصون من الإعلاميين وأساتذة الجامعات والقانونيين، مع أخذ رأي ومراجعة قادة هذه الهيئات.
إن قرار مجلس الوزراء السوداني بتبعية الهيئات الإعلامية الولائية للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون يمثل خطوة مهمة لأجل توحيد السياسات الإعلامية وتعزيز الهوية السودانية الموحدة، ومع ذلك فإن التطبيق العملي لهذا القرار يواجه تحديات جسيمة خاصة في الجوانب المالية والإدارية وفي مدى مراعاته للخصوصيات المحلية.. وفي حالة هيئة إذاعة وتلفزيون الخرطوم، فإن النجاح في تحقيق أهداف القرار يتطلب مرونة كافية تسمح للهيئة بأداء دورها الإعلامي في العاصمة بفعالية، مع الاستفادة من الدعم المركزي، فقط من خلال موازنة بين المركزية واللامركزية.. ويمكن أن يكون هذا القرار آداه دفع لعجلة التنمية الإعلامية في السودان وليس عائقاً أمامها.