في حوار فوق العادة مع الدكتور صديق الهندي (2)
- الثورات الثلاث إندلعت بالإحساس القومي وليس الحزبي
- هذه هي حكاية مبادرة زين العابدين الهندي وحكاية مقابلته للبشير بالقاهرة
- لهذا السبب رفضت وزارة التعاون الدولي
- تكويني للحزب الجديد لا يحمل بذرة تمرد
*أنت ومجموعتكم والذين إنسلخوا من الشريف حسين الهندي لا أقول انهم متمردين لكن عندهم حركة مستقلة.. فهل هذا بتاثير من تاريخ آل الهندي أنهم كانوا مستقلين دائما؟
ــ تفسيراتي لذلك لها وجوه كثيرة، لكن مسألة الإستقلالية مسالة واسعة جدا، ومثل ما قال جمال عبد الناصر أنها حياد إيجابي او عدم الإنحياز.. فأعتقد ان مسالة عدم الإنحياز والإستقلالية مسألة فيها عدم إلتزام أو موقف وسطي غير محدد لكن لحد ما حركة الوسط في السودان دائما بعد الثورات تكون قوية جدا، وهذا ما حدث بعد ثورة أكتوبر والإنتفاضة وبعد سبتمبر، لكنها خنقت نفسها بنفسها في وقت قصير لانها بدأت بتحالف مع نفس العسكريين الذين إنقلبت الثورة عليهم.. وبعدها حدث الصراع الداخلي بين العسكريين والمدنيين، وهذه واحدة من الأوقات التي يكون فيها المد الإستقلالي الوطني غير الحزبي.. فالثورات أصلا ليست كلها حزبية، ويجب عدم أخذ الناس بأحزابهم بل بقدر وطنيتهم، فالثورات الثلاث إندلعت بالإحساس القومي وليس بالإحساس الحزبي فقط، ولو كان الإحساس الحزبي يكفي لكانت الجبهة الوطنية، والتي تعد أقوى تنظيم ضد نميري، قد نجحت..وأيضا أقوى من تنظيمات ما بعد إنتفاضة ابريل، وأيضا ما بعد الإنتفاضة الأخيرة.. وهذه للأسف بعدها وبسرعة إنقسمت جبهة الحرية والتغيير وضاعت، وانا من اكثر الناس تأسفا على ذلك، لأننا بعدها لم نكسب خيرا.
*لو تجاوزنا فترة الديمقراطية الثالثة التي كنا نتكلم عنها الآن ، ثم جاءت الإنقاذ.. فلماذا جئتم بمبادرة أخرى؟

ــ نعم، هذه المبادرة كانت مهمة لانه بعد إنقلاب البشير تكون التجمع الوطني الديمقراطي، والكلام الذي كان يقال ان التجمع تكون في اسمرا كلام غير صحيح.. والنقابات الستة التي قامت بالثورة في ابريل هي التي إجتمعت ومعها الأحزاب، وكان ذلك يوم السبت بعد الانقلاب بيوم، إجتمع كل ناس لوحدهم، وإجتمعت مجموعتنا وكانت تتكون من أبو حريرة، والأستاذ صلاح عثمان أبو زيد، والسماني، ود. أحمد بلال، والزين حامد، وحاج مضوي محمد أحمد كان على رأس تلك المجموعة، وقررنا المقاومة وبدأنا فورا في المقاومة والتعبئة لها بجانب كسب آخرين من الجيش والشرطة والنقابات، حتى تم عمل الميثاق في شهر أكتوبر، وقبل توقيع الميثاق بقليل تم إعتقالنا لحصول تسريب، وتم الزج بنا في بيوت الاشباح ثم سجن كوبر ومعنا من العسكريين، الفريق عبد الرحمن سعيد، وعبد العزيز خالد، بجانب عدد من النقابيين، وفي التحقيق معنا كانوا يقولون لنا: ( نحن عارفين أي حاجة)، ولما رفضنا تقديم أي إعترافات عذبونا وجوعونا ومنعونا من الصلاة وتعاملوا معنا كإنقلابيين
بعدها ونحن في السجن برزت مشكلة في إدارة التجمع الوطني الديمقراطي من زملائنا بالخارج، وجميع السجون كانت وقتها مممتلئة بالسياسيين منهم محمد عثمان الميرغني، والصادق المهدي، ونقد واليابا سرور، وسيد احمد الحسين، بجانب عدد من النقابيين.. بعدها حدث الخلاف داخل التجمع الوطني وحدثت ربكة حيث سيطر الشيوعيون على التجمع ولذلك تخلى عنه البعض ومنهم الشريف زين العابدين الهندي، والعتباني امين عام الحزب فاصبح الإتحاديون خارج التجمع.. بعدها عملنا مؤتمرات للحزب خارج السودان، وحددنا موقفنا السياسي بعد خروجنا من السودان.. ومنذ ذلك الوقت حدث الإنقسام في التجمع حتى لدينا في داخل الحزب، وكان الجانب الآخر اقرب للتجمع الوطني بقيادة السيد محمد عثمان الميرغني.
حدثنا عن مبادرة الشريف زين العابدين الهندي وما حدث للتجمع؟
ــ حدث تطور في الحركة السياسية في السودان بعد محاولة إغتيال الرئيس حسني مبارك، وقبله بقليل بدأت الصراعات داخل الحركة الإسلامية والتي أدت إلى شيء من الإنفتاح على آراء محدودة.. فبعد محاولة إغتيال مبارك حدثت مقاطعة للسودان عقدت الأمور فإتصل بالشريف عدد من الإسلاميين وقالوا له انت شخص مقبول لدى السودانيين فلماذا لا تتقدم بمبادرة لحل هذه المشكلة، وقد كان.. حيث اجرى جمال عنقره معي ومع الشريف حوارا وكانت مخرجات الحوار تتلخص بأن الأمر مفتوح للتشاور بين كل السودانيين على إختلاف إتجاهاتهم وما على الدولة إلا الإعتراف بهم.. والشريف قال لجمال عنقره لا تنشر الحوار إلا بعد عرضه على د. حسن الترابي وفعلا عرضه جمال عنقره على الترابي، وتشاوروا فيه بطريقتهم.. وقال الترابي، (الشريف رجل جاد وكنا في السجن في سريرين متجاورين لمدة سنتين واعرف تفكيره جيدا..) بعدها حدثت نقلة سريعة لم تكن متوقعة وهي مؤتمر القمة العربي الذي عقد في القاهرة، وكان وقتها السودان مقاطعا من الجامعة العربية، لكن في النهاية حضر السودان المؤتمر.. وخلال ذلك تم ترتيب للقاء بين الشريف وعمر البشير في منزل السفير السوداني بالقاهرة وفعلا حدث ذلك وكان برفقة البشير بكري حسن صالح وعلي عثمان محمد طه، ولخص لهم المبادرة بانه حوار شعبي شامل لتطبيق ما سيتوصل له الناس، وكان رد عمر البشير له: انت عد للسودان و تعال لنعمل كذا وكذا، فرد عليه الشريف: نحن نعطي العيش لخبازه، يقصد الشعب السوداني.. وفي اليوم التالي فاجأ الشريف الناس بأنه قابل البشير وقام بنشرها أحمد البلال الطيب.. بعدها أرسل الشريف بروفيسور عثمان محمد صالح ود. احمد بلال كوفد مقدمة وكتب للإتحاديين ولناس حزب الأمة عدد 135 رسالة ومنهم ابيل لير وقال لهم في الرسائل انا فكرت في عمل المبادرة السابقة، ومنهم من رد ومنهم من إستنكر الأمر ومن وافق .. وإستمر الحوار عام 1996 اليوم السابع من يونيو، وفي يوليو تم إعلان الاتفاق بتفاصيله كميثاق وطني، لكن فى عام 2001 حدثت نقلة في الموضوع بعد خلاف الإسلاميين وسجن د. الترابي في يناير، وكان لا بد من تكوين الحكومة وفعلا تكونت الحكومة وشارك فيها الحزب الإتحادي بناء على شروط معينة.
*تم ترشيحك وزير للتعاون الدولي وتم إعلان إسمك لكنك رفضت الترشيح.. فما السبب؟

ــ كما قلت لك الاتفاق بالمشاركة كان نقلة وكان يفترض ان يشارك حزب الامة في البرنامج القومي، ونحن في الحزب اصدرنا بيانا بان الأسس التي سنشارك بناء عليها يجب ان تتوفر فيها مسائل معينة وهي ان يكون الإتفاق في الخط القومي بالإنتقال المدني الديمقراطي.. والأمر الآخر لا بد من ضمان التنفيذ كإتفاق قومي متفق عليه، وجرى التفاوض على هذا النحو.. وهناك تفاصيل مباشرة خاصة بي، حيث اننا في المجموعة القيادية كنا سبعة بقيادة الشريف ووضعنا من ضمن الشروط ان يكون لدينا وجود مؤثر غير هامشي، بحيث لا بد من تمثيلنا في مجلس الوزراء والجهاز التنفيذي بثلاثة وزراء من الإتحاديين، بجانب تمثيلنا في الولايات على مستوى الإدارة، وتمثيل في الأجهزة الحكومية الحاكمة، ووضعنا أرقاما في هذا الخصوص بأن يكون للإتحاديين تمثيل في حكام الولايات، وكنا نطالب بأن يكون لدينا 6 وزراء مقسمين على الوزارات الخدمية، بينما يكون لدينا في الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية وزير دولة على الأقل.. والمفاجأة كانت ان حضر إلينا في احد الإجتماعات البروفيسور إبراهيم أحمد عمر ومعه آخرين، وقالوا:(نحن بنديكم وزيرين بس)، فإستنكرت ذلك وضحكت ليس تهكما بل تعجبا، وقلت له:(يا بروفيسور إبراهيم، قالوا الحكم زي فروة الفأر كان صلى لزول واحد ما بصلي لأثنين.. وإنتو حكمكم ده ما عايزين تشاركوا فيهو).. فإختلفنا وذهب وعاد في اليوم التالي وانا كنت غير موجود وقال للحضور:(نحن زدنا وزراءكم لثلاثة).. والاسوأ انه سمى الوزراء الثلاثة بنفسه بدلا ان يترك ذلك للحزب، والموضوع حقيقة إستفزني.
*من هم الوزراء الثلاثة الذين إختارهم بروفيسور، إبراهيم أحمد عمر.. وما هي وزارة كل واحد منهم؟
ــ هم: د. جلال يوسف الدقير، لوزارة الإستثمار والصناعة.. د. أحمد بلال، لوزارة الصحة.. د. صديق الهندي، لوزارة الزراعة.. وعندما حضرت أخبرني الشريف بذلك فإعتذرت، وحدث هرج ومرج بيننا وقال لي الشريف:(اقرأ الخيرة وتعال باكر).. فغادرت وقرأت الخيره، فقال لي الشريف:(قرأت الخيره؟، فقلت له: لا لم اقرأها، وانا لم اذهب لأداء القسم).. ولمدة شهر تفاديت مقابلة أي شخص حتى لا يصبح هناك (طلاق وحرم ساكت) .. وفي تلك الاثناء أجرى احمد البلال الطيب مقابلة تلفزيونية وأحضر الشريف للإستديو وكنت وقتها معلنا كوزير للتعاون الدولي، ووقتها حدث هرج ومرج في المكتب القيادي للموتمر الوطني وكنت على علم بجذوره واسبابه، فإعتقد البشير أنني رفضت وزارة التعاون الدولي فطلب من مجذوب الخليفة تولي وزارة الزراعة كحل للمشكلة.. وعندما سألني احمد البلال الطيب في الأستديو من خلال المقابلة بوجود الشريف، قلت له: أنني بالوضع الموجود الأن دستوريا وسياسيا وقانونيا وإداريا لا أستطيع ان اصبح وزيرا، وهذا هو السبب الحقيقي
*بعد مشاركة الحزب في الحكم أذكر أنك أعلنت قيام حزب جديد من نادي الخريجين، وهو الحزب الإتحادي الديمقراطي المركز العام، وكأنك كنت تريد ان تعود إلى الجذور وإلى الحزب الوطني الإتحادي.. فهل بذرة التمرد لا تزال مستمرة لديك، ام هي بذرة الإستقلال التي جعلتك تذهب مباشرة لتوحيد الحزب؟
ــ كما قالوا، الرجل المظلوم ذهب لكاتب العرائض في المحكمة فكتب قضيته بشكل مرتب، وبعد ان قرأها له أخذ صاحب القضية يبكي، فإستفسره كاتب العريضة عن سر البكاء فقال له:( انا ذاتي ما قايل نفسي مظلوم لهذه الدرجة).. اقصد من ذلك انها ليست مسالة تمرد كما ذكرت، بل هل هناك قضية ام لا توجد قضية.