
ليبيا الثورة .. أسرار وخفايا
بُعْدٌ .. و .. مسَافَة _ مصطفى ابوالعزائم
*مقال الأمس الذي تناولنا فيه عودة عبدالحكيم بلحاج إلى ليبيا ، بعد أن غادرها في العام 2017 م ، فارّا منها ، ثم ملاحقته ببلاغات جنائية من النائب العام في العام 2019 م ، وإختياره تركيا مقرّاً ومستقرّاً له منذ ذلك الوقت ، ليصبح بعد ذلك موزّعاً ما بين أنقرة في تركيا والدوحة في قطر ، مقالنا ذاك وجد تفاعلاً كبيراً ، حتى إن البعض علّق عليه من خارج السودان ، ودعانا البعض لأن نواصل في نشر بعض مما لدينا من معلومات حول ليبيا الثورة ، وقد عشت هناك أربع سنوات تواصلت فيها مع الكثيرين ، ونشأت بيني وبينهم صلات وعلاقات قوية ، لكن عبدالحكيم بلحاج لم ألتقه إلا مرة واحدة في التاسع والعشرين من شهر سبتمبر عام 2011 م عقب سقوط نظام العقيد معمّر القذافي ، رحمه الله ، ولكن قبيل وفاته التي كانت في العشرين من شهر أكتوبر من العام 2011 م.
*لقائي الأول والأخير بعبدالحكيم بلحاج ، كان عقب نجاح الثورة الشعبية التي أطاحت بالعقيد معمر القذافي ، وكان بلحاج وقتها قائداً للمجلس العسكري في طرابلس ، وإلتقيته ومجموعة من الزملاء كُنّا ضمن وفد صحفي رافق الأستاذ علي عثمان محمد طه ، النائب الأول لرئيس الجمهورية آنذاك في أول رحلة لمسؤول سوداني وربما عربي وإفريقي إلى ليبيا عقب إنهيار نظام العقيد معمّر القذافي ، وخطورة بلحاج كانت ولا زالت بسبب أنه أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة ، وهو مؤسس حزب الوطن الإسلامي.
*تلك الرحلة إلى ليبيا الثورة ، كانت تاريخية بحق ، إذ إلتقى فيها الأستاذ علي عثمان محمد طه ، بالقادة الليبيين الذين أطاحوا بالقذافي ، بدءاً من المستشار مصطفى عبدالجليل ، رئيس المجلس الوطني الإنتقالي الليبي ، وغيره في فندق ( ريكسوس غابة النصر ) بحي (سيدي خليفة ) القريب من مقر القذافي ، وأجرى محادثات مغلقة مع الدكتور محمود جبريل رئيس اللجنة التنفيذية بالمجلس الوطني الإنتقالي ، وعدد من أعضاء اللجنة ، ولكن الدكتور محمود جبريل نفسه كان الشخصية الأكبر والأعظم تأثيراً ، فهو سياسي معارض للقذافي ، لكنه قبل معارضته كان أميناً لمجلس التخطيط الوطني ، ومديراً لمجلس التطوير الإقتصادي في عهد القذافي ، وقد أنشأ حزب تحالف القوى الوطنية الليبرالي ، لكن حزبه لم يحرز نتائج قوية في الإنتخابات البرلمانية التي جرت بعد ذلك ، وهو للعلم متزوّج من سيّدة مصرية هي كريمة شعراوي جمعة وزير الداخلية المصري الأسبق والأشهر.
*الرجل حكاية ، وقصة طويلة وعلاقات إقليمية ودولية متشعبة ، وهو من مواليد العام 1952 م ، وقد توفّي لاحقاً بمصر في الخامس من أبريل 2020 م بعد إصابته بالكورونا.
*ونحن داخل قاعات فندق (ريكسوس .. غابة النصر) الذي شهد تطورات الثورة الليبية ، وكان آخر مكان ظهر فيه سيف الإسلام القذافي ، ثم إختفى بعد ذلك ، ونحن داخل قاعات الفندق إلتقيت بالدكتور محمود جبريل ، وسألته إن كانت ساعة القبض على القذافي قد حانت (!) لكنه لم يجب على سؤالي ، بل إبتسم وهو ينظر إليّ ميمماً وجهه شطر باب الخروج العريض ، هنا جاءت إليّ إحدى الفتيات الليبيات من العاملات في الفندق ، وقالت لي بما يشبه الهمس باللهجة الليبية التي أعرفها جيّداً : ( توّا نُبّوا نخبروكم إنو التُوّار شدّوا موسى إبراهيم ، وممكن بعدينا يذيعوه ) وكان معنى ما قالته هو إن الثوار الآن أمسكوا بموسى إبراهيم وربما تمت إذاعة الخبر لاحقاً
وموسى إبراهيم ، هو موسى إبراهيم القذافي ، ابن عم العقيد معمّر القذافي ، والذي كان يدلي بأحاديث يوميّة ويقدم تقاريره من ذات هذا الفندق إلى لحظة سقوط طرابلس في إيدي الثوار وقد كان أن تم إعلان القبض على موسى إبراهيم في ذات اليوم ، وقبل أن نغادر طرابلس في أقصر وأخطر رحلة لمسؤول سوداني إلى ليبيا عقب نجاح الثورة الشعبية مباشرة ، رحلة لم يتم الإعلان عنها إلا بعد أن اكتملت اللقاءات والمباحثات ، وهي رحلة لم تقّدم للسودان ما كانت قيادته ترجو ، فالأوضاع في ليبيا لم تستقر منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا.