فيكِ الرسالةُ والوَصيَّةُ والقلمْ

محمد مثقال الخضور / الأردن
لا تُـمسكي بِيَدِ الـهواءِ
على الطريقِ مِن السماءِ
إِلى السُفوحٍ الـمُتعَبَةْ
هذا هواءٌ غادرٌ
ما دامَ يُـخفي لَونَهُ
وبدونِ أَرضٍ تَـحتَنا
لن يَـحفظَ العهدَ الـجَناحُ
وسوفَ نَكرَهُ صِدقَنا
إِن راوغَتْنا الأَجنحةْ
لا تُـمسكي بِيَدِ الترابِ
إِذا رجعنا نَـحوَنا
كحكايةٍ منسيةٍ
تغفو على الورقِ العتيقِ
كأَنَّـها لونُ الزمنْ
هذا تُرابٌ خادعٌ
ما دامَ يُـخفي قبرَنا
بينَ الزهورِ
فكيفَ نَعرفُ ما سَيَنبُتُ فوقَنا
وبأَيِّ نوعٍ من عبيرٍ
سوفَ نَغسلُ عُمرَنا
بعدَ التلَفْ
لا تُـمسكي بِيَدِ الـهواءِ أَو الترابِ
ولا تَكُفِّي عن تَـحَسُّسِ صَمتِنا
قربَ الرصيفِ الـمُبتَلَى بِـحديثنا
أَو خَطوِنا نَـحوَ الأَجلْ
فيكِ الرسالةُ فاهبطي مثل الكرامَةِ
فوق أَرضٍ قاحلةْ
مِن دونِ أَشياءِ الـمكانِ
تَوَسَّديني
كي نُـخاطِبَ عالـمًا هَدَمَتْ يَداهُ
قِلاعَه حينَ انطفى
وترفَّقي بِزمانِنا إِن صارَ ثوبًا باليًا
أَو غادرتْنا نَـحو سِرِّ بَقائِها
أَيقونةٌ للأَمكِنةْ
وَجهي حزينٌ في الظلامِ
فلا أَراهُ
ولا أُميِّزُ بين كَفِّي والترابِ
إِذا ارتطمتُ بِنَشأَتي
أَنا لـم أَعُدْ وَلدًا شَقيًّا قادرًا
أَن يرفعَ الزمنَ الثقيلَ إِلى صباحٍ
مُذهِلٍ
فلقد رَمَتْني بالـمَجازِ كُهولةٌ
وتأَبَّطتْني بالشرورِ حكايتي
وجنيتُ ما اقترفتْ يدايَ مِن الـمَحبَّةِ
في العصورِ الكارهةْ
وبلا ترابٍ أَو هواءٍ بيننا
صِرنا الرسالةَ والوصيَّةَ والقلمْ
أَنا ما عَشقتُكِ مِثلما
عَشِقَ الندى زَهرَ الـحدائقِ
منذُ أَوَّلِ بِلَّةٍ
أَو مِثلما عَشِقَ الترابُ سحابةً
وَقَعَتْ بِـحزنٍ منذُ أَوَّلِ دمعةٍ
أَو مِثلما عَشِقَ الوليدُ أُمومةً
عاشتْ عَذابًا منذُ أَوَّلِ طَلقةٍ
لكنَّني
أَحببتُ وَجهي
حين كنتِ قصيدةً بين الـمرايا
تنطقينَ بِصَمتِها
فَرأَيتُني شِعرًا جـميلًا ساكِنًا
بين الزجاجِ
وأَنطقَتْني العاشِقةْ
أَحببتُ سِرِّي بعدَ أَن فارقـتُهُ
وتركتُهُ كالـحلمِ يَسهرُ
في خيوطِ مِـخدَّتكْ
أَحببتُ ما تركتْ يداكِ على الـهواءِ
من الوَسامَةِ والوقارِ
فحينَ كنتِ تُلَوِّحينَ إِلى القطارِ
لكي يَكُفَّ عن الوداعِ
تغيَّرتْ سُنَنُ الـهواءِ مع الرحيلِ
وظلَّ حولَكِ في الـمحطَّةِ خاشعًا
كالاحترامِ
لِـحُرقَةٍ في دمعتِكْ
أَحببتُ أَني في غُموضي مُترفٌ
كغموضِ حبٍّ في بدايةِ عمرهِ
أَحببتُ أَني في الغَرابَةِ مِثلَ كَهفٍ
مُبعَدٍ بينَ التلالِ
تَظُنُّهُ عينُ الـمُسافرِ فَجوةً
لا ماءَ فيها لا حياةَ ولا بشرْ
فالروحُ تبقى في العُلوِّ وحيدةً
لا شيءَ يَرصُدُ سِرَّها
إِلا نَقاوةَ عابدٍ أَو مُعتكفْ
أَحببتُ فيكِ بأَنني فرعُ السما
إِن كُنتِ أَنتِ رسالةٌ
فأَنا اليقينُ الـمُحتَفي ببشارةٍ
من آيتِكْ
أَحببتُ أَنكِ تَرجُـمينَ وجيعتي
بالأَدعيةْ
وتُعلِّقينَ أَنينَها كسحابةٍ
بين السماءِ وأُختها
لتنالَ إِحدى الـحُسنيينِ
ظلالَـها
أَو حينَ يَستسقي الشَجرْ
فَـ دَعي الـهواءَ إِلى الترابِ غَنيمةً
ليَصُدَّهُ في تَلَّةٍ
ودَعي الترابَ إِلى الـهواءِ غَنيمةً
يَذروهُ أَغبرةً على سطحِ الـحياةِ
لكي يُشتِّتَ شَـملَهُ
وتَـهَلَّلي
كَـ رسالةٍ عُلويَّةٍ
حَـمَلتْ سَـماءً في وعاءِ مَـحَبَّةٍ
وتناثرتْ ضَوْءًا ودِفئًا
فوقَ أَرضٍ مثل قلبي
لِلمَحبَّةِ
جائعةْ