انطفئ وميض العيد ..

بقلم : ماهر عطاء / اليمن

 

ونام على عتبات بيت عتيق ذلك البخور الذي كان قد نَمَّ في أرجائه ..

ذابت الابتسامة المعلقة في شفاه الكبار ..

وتاهت الحلوى بين زحام الروتين اليومي ..

وهناك في أقصى الإجازة ترجل الدوام ليسلب القادمين وأخذ يوزعهم عنوة لأماكنهم المعتادة ..

 

لقد رحلت العطور من الأكف التي لامستها .. وتلاشت ضحكات الصغار التي ملأت المكان .. وتساقط الحناء من أيادي الصغيرات ..

ماتت أضواء الحدائق .. وفُقأت عين التلاقي

والأطفال عادو لبيجامتهم الناعسة بصمت مريب ..

-في مثل هذه الأيام -زماااان طبعاً-

كنا نحتفي بالعيد..

نتجاذب أطراف اللقاء ..

نغني بفرح

ويظل بابنا مفتوحاً لاستقبال العيد الذي يحمل معه الزائرين

كانت حارتنا وكل الحارات وقتها مبتلة ببهجة الأطفال ..

وكنا على حين موعد مع ألعاب غير مؤطرة بالتكنولوجيا التي أخذت كل جميل منا ..

لقد كنا نحتاج لبعض النقود الملموسة لنشتري في هذا اليوم ما يسد رمق شغفنا .. لا نحتاج إلى تطبيقات ولا إلى قوقل بلاي لتحميلها .. تحتاج أن نمشي قليلاً لدكان العجوز الذي كان يرقبنا من فوق كرسيه العتيق ..

 

لقد طمست التكنولوجيا ملامحنا .. وحبستنا في تطبيق هاتف ..

 

يوم كنا صغاراً :

كنا نجتمع ونتراشق بمسدسات الماء تارة ونمتشق نظارة شمسية صنعت لتلامس براءة طفولتنا تارة أخرى ..

في حارتنا كانت المنازل تستقبلنا برشات العطر وزخات البخور .. وطاولة تنضح بلذيذ الحلويات ..

نلتهمها حين غفوة من جارتنا ..

 

حين كنا عيداً

وفي ليلة العيد كان الظلام يحاول أن يثقب أعيننا المحملة بالنوم .. وتارة يحاول أن يتأرجح فيها حتى يتأخر ضوء الفجر الذي ننشده وقتها ..

لم يأخذ أمتعتنا من الملابس الجديدة التي كانت تنام بدفء بجانبنا ..

كنا نكحل أنظارنا برفع ستارة النافذة لنتأكد أن العيد لم يمضِ ..

في صباح العيد :

نتنفس السرور .. لا نتصنع الفرح ..

لم يأسرنا الهاتف ولم يقيد وقتنا كرت انترنت ..

عرفنا جيداً ملامح ريمي البريئة ولم نجد في مدينتنا وقتها البوب جي ..

في العيد جلسنا مع دايسكي وحكى لنا عن حب الوطن ولم نلمح أبداً في طريقنا “سارق السيارات” ..

ذات لقاء زارنا توم سوير مع هاك ..

ومع فرحة العيد يومها سارت الدموع خطاً نحيلاً على خدودنا رأفة بـفتاة المراعي كاتولي .. لم ننسها لأننا بالبراءة اتسمنا

في العيد :

البنات في الشارع يلعبن نط الحبل .. يغزلن حكايات المساء .. وعند أقدام الغروب يحتوينا منزلنا ونبدأ معاً طقوس النرد وأوراق الكوتشينة( البطة♦️ الباصرة) والسمر على ضحكات الأهالي ..

وفي غير أوقات الدراسة من العيد أيضاً نمتشق أقلامنا من غمدها .. ونسطر أوراقاً تنتظر زيارتنا .. ونسهب في التفكير أحياناً عند منعطف حرف يصعب وجود اسم دولة له أو اسم حيوان أو جماد .. إنها لعبة “الحروف” يا سادة .. تتذكرونها جيداً كم كانت تكسو وجه الأسرع الفرحة العارمة وهو يقفز من مكانه “اسطب” ليقف الجميع ويتجمد كلٌ أمام عتبة حرف خانته الذاكرة لمعرفة خباياه ..

 

نعم

لم يذبل العيد يوماً بين أيدينا أتذكر هذا جيداً ..

 

لم يرتعد الحناء على أكف الصغيرات يوماً ..

 

لم تغلق الجارات حنين أبوابها الملونة ..

ولم ينم الرجال صباح العيد وقتها بعذر الإرهاق والسهر فقد كانوا في زيارة لأرحامهم ..

كانو لا ينامون أحياناً ولا يتخلفون عن دعاء ينتظرهم ..

العيد أصبح في حديث العجائز ..

وتلوكه الألسنة ليس إلا

إنه الآن يغفوا بين الظلال علنا نوقظه ذات عيد .