آخر الأخبار

خبراء جيولوجيون يحذرون …نضوب المياه الجوفية في السودان خلال العقود القادمة (1)

  • الخرطوم.. هل تصبح غير قابلة للسكن بحلول عام 2060؟
  • 80%من سكان السودان يعتمدون على المياه الجوفية.. وهذا حجم المياه الجوفية المتوفرة في السودان
  • الري: إنخفاض مستويات المياه الجوفية خلال السنوات الماضية ناقوس خطر
  • الفاو: إستخدام المياه الجوفية يتطلب رصدا مستمرا لإستهلاك المياه

تحقيق ــ التاج عثمان:
صرخات تحذيرية أطلقها خبراء جيولوجيا ومياه تنبه صراحة لإحتمال نضوب المياه الجوفية في السودان خلال السنوات القليلة القادمة.. بل أن دراسة علمية توصلت لنتائج مُفزعة تشير ان عاصمة السودان الخرطوم سوف تصبح غير صالحة للسكن خلال العقود القليلة القادمة بسبب نضوب المياه الجوفية ما لم تتدارك الدولة السودانية وأجهزتها المختصة هذا الأمر وتتعامل معه بالجدية والحلول العلمية والقوانين الرادعة منذ اليوم قبل فوات الأوان.. (أصداء سودانية) تناقش هذه القضية الخطيرة عبر هذا التحقيق الإستقصائي

 

 

المياه الغائرة:
قانون الموارد المائية السوداني لسنة 1995 يعرف المياه الجوفية بأنها: المياه الغائرة في طبقات الأرض المختلفة، سواء كانت مياه قريبة من سطح الأرض او عميقه.. وحسب بعض القراءات والدراسات الجيولوجية تقدر موارد المياه الجوفية في السودان بحوالي 15.2 تريليون متر مكعب، وتشمل مياه الأمطار والأنهار والمياه السطحية والجوفية، وهي توجد في نصف مساحة السودان.. والمياه الجوفية تعد مخزونا إستراتيجيا يمثل أكثر من 200 ضعف إجمالي تدفقات المياه من النيل.. والمخزون الإستراتيجي للمياه الجوفية ضروري للسودان لمقابلة التأثيرات الخطيرة لنقص المياه عبر إستغلال إحتياطات السودان من مياهه الجوفية.. ولذلك، كما يرى بعض العلماء المهتمين بهذه القضية، يجب على الحكومة السودانية رصد كميات مياه الوديان وفترة سريانها، ومواقع الحفائر والسدود، وإتخاذ أنسب الطرق لحصاد مياه الوديان.. علما ان نحو 80 في المائة من سكان السودان بالمناطق القاحلة يعتمدون على المياه الجوفية لبعد مناطقهم عن حوض النيل والأنهار الأخرى غير النيلية، أي الموسمية.

 

 

جرس إنذار:


معلومة خطيرة فجرتها وزارة الري في بيان لها نشرته على موقعها الرسمي عام 1922 حذرت من خلاله: العاصمة الخرطوم سوف تصبح غير صالحة للسكن في العقود القادمة، ما لم يتم إجراء تغييرات كبيرة للحفاظ على مخزون المياه الجوفية، في ظل الإستخدام غير المرشد بإستخراج المياه الجوفية بطريقة لا تنسجم وقدرة الحوض المائي، بجانب تلوث مياه الشرب وإختلاطها بالصرف الصحي بسبب الحفر غير المرشد للآبار.
والسؤال الهام الذي يحاول هذا التحقيق الصحفي العلمي الإجابة عليه هو، هل هناك إحتمال لنضوب المياه الجوفية السودانية حسب تحذيرات بعض علماء الجيولوجيا؟ الدراسة العلمية (المهمة)، التي أشرنا إليها والتي أعدتها وزارة الري والموارد المائية تحت عنوان: (معا من أجل مورد جوفي آمن)، تأتي بمثابة جرس إنذار لخطر قادم، بتأكيدها إنخفاض مستويات المياه الجوفية في السودان خلال العقود الماضية.. والدراسة توصلت لحزمة من الأسباب لذلك، منها عدم ترشيد عمليات إستخراج وسحب المياه الجوفية، وإرتفاع نسبة التلوث الناتج عن مخلفات الصرف الصحي ومكبات النفايات، والإفراط في إستخدام الأسمدة، وتأثيرات التغيرات المناخية على مخزون المياه الجوفية.. والدراسة حذرت صراحة من إحتمالية نضوب المياه الجوفية في السودان والتي تشكل المورد الرئيسي للشرب لقطاع كبير من السكان، منبهه من إحتمال نضوب الحوض النوبي الجوفي والذي يعد أكبر حوض جوفي في العالم بحلول عام 2060، في حال عدم إجراء عدد من التغيرات والضوابط للحفاظ على مخزونه من المياه، علما ان نسبة 80 في المائة من سكان السودان يعتمدون على مصادر المياه الجوفية للشرب، والتي توفر 900 مليار متر مكعب من المياه النقية للسودانيين.. ومن أبرز الخزانات الجوفية في السودان بجانب الحوض النوبي حوض ام روابه.. وتبلغ نسبة المياه الجوفية المستغلة من مصادر المياه الجوفية حوالي 60 في المائة، مقابل 40 في المائة من المصادر النيلية.

 

 

 

تحذيرات الخبراء:

المدير العام لمركز الخرطوم الدولي لحقوق الإنسان، د. أحمد المفتي، يكشف عبر إفادته التالية جانبا مهما يتعلق بهذه القضية لكونها ترتبط قانونيا بحقوق الأجيال القادمة في إستفادتهم بنصيبهم من المياه الجوفية، بقوله:
“خبراء متخصصون في الجيلوجيا والمياه أطلقوا تحذيرات عاجلة من خطر تزايد الإستخدام غير المرشد بإستخراج وسحب المياه الجوفية بطريقة لا تنسجم وقدرة الأحواض الجوفية المائية السودانية، بجانب تلوث مياه الشرب وإختلاطها بالصرف الصحي بسبب الحفر غير المرشد للآبار الصحية بالمنازل وغيرها، ولضعف التنسيق بين الجهات ذات الصلة في مجال المياه، مما أدى لإنتشار الحفر الجائر لآبار السايفون والآبار الإرتوازية، بجانب تقاطع التشريعات والقوانين التي أدت بدورها لتداخل الإختصاصات.. ويضيف
“ذلك يتطلب ضرورة معالجة هذه المسائل كأولوية قصوى للمحافظة على موارد المياه الجوفية بوقف الإستنزاف المتزايد لها، وحماية مصادر المياه من النضوب والتلوث بتدخل مباشر من الدولة لتوحيد الجهود وإصدار تشريعات تمنع المساس بمصادر المياه خاصة الجوفية سواء عبر تلوثها او التوسع في إنتشار (الحُفر الإمتصاصية) وعدم ربطها بشبكة الصرف.. كما يجب تدارك أخطأ التشريعات في مجال موارد المياه الجوفية قبل فوات الأوان، وقبل ان تصبح العاصمة الخرطوم غير صالحة للسكن بسبب عدم الحفاظ على مخزون المياه الجوفية، وبسبب إحتمال تلوثها.. كما ينبغي ضرورة التعاون والتنسيق بين وزارات الري والصحة والبيئة والولايات خاصة ولاية الخرطوم.. والأمر الهام ضرورة معالجة التشريعات عبر إيجاد إطار قانوني ومؤسسي واحد متفق عليه، بحيث يمكن الجهات الرسمية المعنية التصدي للمشكلة بالتنسيق الكامل فيما بينها منعا للإزدواجية التي تهدر الموارد، ومن دون تداخل الإختصاصات الذي يعيق العمل.. وسبب الحاجة إلى إطار مؤسسي قانوني واحد، هو ان المشاكل ناجمة من عدم وجود ذلك الإطار أصلا، وهذا واضح من تضارب إختصاصات الأجهزة المعنية لأنها تعمل بتشريعات مختلفة.. هذا بجانب عدم وجود تنسيق مؤسسي على كافة المستويات الإتحادية والولائية والمحلية بسبب عدم وجود إلزام قانوني بالتنسيق الذي أشرت إليه، وعدم وجود رقابة قانونية مستدامة على إستخدامات المياه الجوفية بحكم انه مصدر غير متجدد.. وضرورة الحاجة لعقوبات رادعة.. وهناك إلتزامات دولية لا بد من أخذها في الإعتبار.
تقرير الفاو:
تقرير للفاو أوضح: إستخدام المياه الجوفية المستدامة يتطلب رصدا مستمرا لإستهلاك المياه وعلى وجه الخصوص في نظم الري المستمدة من خزانات غير متجددة من المياه الجوفية.. ويمكن تقدير إستهلاك المياه الجوفية ومستويات إستخراجها عبر قياس النتج التبخري في الوقت الحقيقي في مناطق واسعة، وذلك عبر تكنلوجيا الأقمار الإصطناعية التي توفر فرصا فعالة من حيث الكلفة لتقدير إستهلاك المياه الجوفية ومستويات إستخراجها عبر قياس النتج التبخري”.. فهل ما طالبت به الفاو من الرصد المستمر لإستهلاك المياه من الخزانات الجوفية، ومستويات إستخراجها وغيرها إجراءات معمول بها لدينا في السودان؟، لا أعتقد ذلك.
تقرير اليونسيف:
تقرير لليونسيف أشار ان 12 مليون من سكان العالم يعتمدون على مصادر مياه غير مضمونة، وان وفيات الأطفال بسبب المياه غير الآمنة يفوق عدد الأطفال الذين يتوفون بالرصاص.. وأشارت ان ولايات دارفور، والبحر الأحمر، وبعض مناطق النيل الأزرق، أكثر المناطق معاناة من ندرة مصادر المياه في السودان.. ذلك يعني ان الحفاظ على المياه الجوفية أمر في غاية الأهمية لكثير من سكان السودان الذين يعتمدون بصفة رئيسية في مياه الشرب على المياه الجوفية.