زيارة كامل إدريس لمصر… ملف (مياه نهر النيل) كان حاضرا

- ظلت دولتي مصب نهر النيل (مصر والسودان) في حالة تنسيق محكم عبر الهيئة المشتركة الدائمة لمياه النيل
- اثيوبيا حددت سبتمبر المقبل موعدا لتدشين سد النهضة ومصر تشكك في اكتمال إنشاء السد
- وزير الري المصري الأسبق: سد النهضة يشكل مخاطر كثيرة على (الأمن المائي)
- القانون الدولي لموارد المياه له الحاكمية في تسوية النزاعات بين الدول
تقرير – دكتور إبراهيم حسن ذو النون:
الزيارة التاريخية والناجحة التي قام بها رئيس الوزراء الانتقالي السوداني الدكتور كامل الطيب ادريس لجمهورية مصر العربية الاسبوع الماضي كان من الملفت فيها أن ملف (مياه النيل والأمن المائي) كان حاضرا وبالطبع أن الاستمرار في سياسة توحيد المواقف المشتركة في هذا الملف الشائك والمعقد كان أمرا حتميا إذ ظلت دولتي مصب نهر النيل (مصر والسودان) في حالة تنسيق محكم عبر الهيئة المشتركة الدائمة لمياه النيل والتي تعتبر المرجعية الفنية والقانونية لإدارة كل القضايا الخاصة بمياه النيل، إذ نصت اتفاقية مياه النيل الموقعة بينهما في نوفمبر من العام 1959م على أن هذه الهيئة تمثل الجهاز المنوط به دراسة وصياغة الرأي الفني والقانوني الموحد لدولتي مصب نهر النيل وذلك في كل الشؤون المتعلقة بمياه النيل.
رفض النهج الأحادي لإثيوبيا:
وقد أكد الاجتماع المشترك بين رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ورئيس الوزراء السوداني الدكتور كامل الطيب إدريس علي رفض المنهج الأحادي الذي تتخذه اثيوبيا على النيل الازرق وكمثال لذلك قيام سد النهضة والمعلوم أن دولتي مصب نهر النيل (مصر والسودان) ترفضان الإجراءات الأحادية التي تقوم بها اثيوبيا بشأن سد النهضة والذي اقامته دون الاستناد إلى اتفاق قانوني بخصوص (ملء وتشغيل السد) حيث ظلت الدول الثلاث (مصر السودان إثيوبيا) في حالة اجتماعات ولمدة ثلاثة عشر عاما تنعقد وتنفض دون التوصل إلى نقاط اتفاق حول عمليتي الملء والتشغيل.
إعلان موعد التدشين ولكن:
وكان رئيس الوزراء الاثيوبي ابي أحمد قد أعلن أمام البرلمان الإثيوبي في أوائل شهر يوليو الماضي أن بلاده ستدشن سد النهضة رسميا في شهر سبتمبر المقبل وقد وجه الدعوة للسودان ومصر لحضور احتفالية التدشين مشيرا إلى أن السد يعد رمزا ل( بركة المنفعة المتبادلة) وليس (مصدرا للصراع والتهديد)، وفي ذات الوقت كان وزير الري المصري المهندس هاني سويلم قد بعث في تصريحات صحفية عقب إعلان رئيس وزراء إثيوبيا مشككا فيها باكتمال السد إذ تم حتى لحظة الإعلان اكمال مابين 5 الى 6 توربينات بينما من المفترض أن تكون التوربينات بشكل تبادلية لتصل إلى 13 تربينا، مضيفا أن اثيوبيا ظلت تتعامل ب (سياسة الأمر الواقع)المعتمدة على(المراوغة) بدلا من الانخراط في مفاوضات جادة ،وعلى الصعيد نفسه كانت صحيفة (الشرق اﻻوسط) قد استنطقت وزير الري المصري الأسبق المهندس محمد نصر علام عقب إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي موعد التدشين حيث قال(أن السد أصبح أمرا واقعا رغم عدم اكتمال تشغيل كل التوربينات) والإشكالية ليست في اعلان اثيوبيا التدشين (افتتاح السد) دون الانتهاء من تشغيله كاملا إنما في المخاطر التي يشكلها على الأمن المائي لدولتي مصب نهر النيل(مصر والسودان).
وتضيف (أصداء سودانية)أن كميات المياه التي يتم تخزينها في بحيرة السد تخصم من حصة مصر السنوية البالغة 55.5مليار متر مكعب المعتمدة لها وفق اتفاقية مياه النيل 1959م ما يقارب على نسبة 95 بالمائة، ووفقا لتقارير سابقة نشرتها وزارة الري المصرية أن فقدان هذه النسبة المهولة يضع مصر تحت خط الفقر المائي.
موقف القانون الدولي للمياه:
من المعلوم أن الحاكمية في تسوية النزاعات بين الدول في مجال المياه تنعقد للقانون الدولي للموارد المائية وكان من المأمول أن تستمد المفاوضات بين الدول الثلاث (مصر السودان إثيوبيا)حول المشكلات المتعلقة والآثار المتوقعة لإنشاء سد النهضة لاسيما في ما يتعلق ب(الملء والتشغيل) أطرها القانونية من هذا القانون الحاكم لفض منازعات المياه والذي تقوم مبادئه العامة على الاستخدام المنصف لمياه النيل والذي يشمل الحفاظ على الحقوق المكتسبة لدولتي مصب نهر النيل (مصر والسودان) وفي نفس الوقت تمكين إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية من قيام سد النهضة والمتمثلة في توليد الطاقة الكهربائية منه، اﻻ أن اثيوبيا وبحسب تصريحات وزير الري المصري المهندس هانى سويلم تتلكأ في التفاوض وتستخدم المراوغة وكسب الوقت حيث انعقدت 13 جلسة تفاوض دون التوصل لاتفاق يوازن بين حقوق دولتي المصب وحق إثيوبيا في التنمية.
ويشير دكتور حسام الإمام الحاصل على الدكتوراه في موضوع التعاون بين دول حوض النيل) واستشاري شئون المياه والبيئة وكبير الباحثين في جامعة بيروت بالنرويج سابقا وعضو الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة في ترجمته لكتاب (المياه في اﻻنظمة التشريعية والإدارية العالمية والمحلية) للكاتب الاستاذ دانتي مليونيرا والملقب ب (أبو قانون المياه):أن الموارد المائية في جميع أشكالها سواء سطحية أو جوفية لا تحترم الحدود السياسية ولاشك أن وضع تلك الحقيقة سوف يساعدنا على فهم الطبيعة الدولية للمياه والحاجة لوضع قواعد مناسبة لتنظيم استخدامات المياه والحفاظ عليها وإدارتها على المستوى الدولي.ويضيف قائلا ونظرا لطبيعتها السائلة والمتحركة لا يمكن النظر دائما إلى المياه في سياق وطني خالص والواقع أنه قد يحدث أن قاع نهر أو بحيرة والذي يرسم الحدود بين دولتين أو أكثر سوف يتغير نتيجة للتآكل وبما يمثله ذلك من تأثير على التحديد الدقيق للحدود الدولية أو أن يؤدي استخدام إحدى الدول المشتركة في حوض دولي إلى تعرض استخدام دولة أخرى للخطر سواء أكان استخداما حالياً أم مستقبليا لنفس المياه بداخل حدودها.على سبيل المثال يحتمل أن يؤثر السد المقام في إقليم إحدى الدول لغرض الري أو توليد الطاقة على التدفق الطبيعي في اسفل النهر في الجانب الآخر من الحدود أو العكس حيث يمكن أن يغرق حدود دولة في أعلى النهر كما يمكن لدولة في أعلى النهر أن تجعل مياه النهر غير مناسبة لاستخدامات معينة في إقليم دولة أسفل النهر من خلال صرف الملوثات وهناك العديد والعديد من الأمثلة.
تساؤل يحتاج إلى إجابة:
يثور تساؤل في غاية من الأهمية ولابد من الإجابة عليه وهو هل للموقف الإثيوبي من تأثيرات قيام سد النهضة على دولتي المصب (مصر والسودان) علاقة بالاستراتيجية الإسرائيلية للمياه في حوض النيل، والسؤال بصيغة أخرى، أين موقع أديس أبابا من استراتيجية إسرائيل من مياه النيل ؟ويجيب على التساؤل المهندس عبد الحميد عامر في دراسته (حوض النيل الفريضة الغائبة) الصادرة طبعتها الأولي في العام 2012م من وكالة عامر للنشر القاهرة بالقول في صفحة 171)، غازلت إسرائيل إمبراطور الحبشة هيلاسلاسي ووصفته بأنه من نسل (منيليك) الشريف سيدنا سليمان من بلقيس فكان أول حاكم افريقي يعترف بها وفي المقابل ارسلت له بعثة عسكرية لتدريب جيشه وتأسيس قوات آمنة ونالت الثمن قنصلية إثيوبية في القدس.
ومن الحبشة انطلقت إسرائيل إلى باقي دول حوض النيل ومتابعه تسللت إلى قصور حكامها بطريقتها السهلة القابضة ارسلت ضباطا من الموساد لحمايتهم ومهدت مهابط خاصة لطائرات الإسعاف الطبية لنقلهم هم وعائلاتهم للعلاج في مراكزها الطبية القريبة المتخصصة وطورت أجهزة مخابراتهم بمعدات حديثة التنصت وتسجيل المكالمات التليفونية بينهم وبين الشخصيات المؤثرة في العالم ولم تطلب إسرائيل من نسخة من هذا الشرائط الثمينة ويضيف المهندس عبد الحميد عامر شارحا استراتيجية إسرائيل في دول حوض النيل بالقول (وقد وصل النفوذ الإسرائيلي في دول حوض النيل إلى حد أنهم ضغطوا على رئيس وزراء كينيا (في العام 2011م)للتوقيع على معاهدة تعطيش مصر قبل زيارته الأخيرة للقاهرة وجاء الرجل ليقول لنا (انكم تصدرون الغاز الطبيعي إلى إسرائيل).
ويستدرك المهندس عبد الحميد عامر في دراسته على صفحة 172بالقول (وقد اتفق مع الرأي القائل بعدم إقحام أطراف خارجية وبالأخص إسرائيل في العبث في العلاقات بين دول حوض النيل لكني اتفق أيضا مع القول بأن إسرائيل لها استراتيجية أمن قومي ومصالح حيوية تمتد مساحة عملها إلى افريقيا وهذه الاستراتيجية ليست منفصلة عن السياسة التي عرفت في أواخر الخمسينيات باسم (نظرية محيط الدائرة) والتي وضعها ديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل وتعني القفز على إطار الدائرة المحيطة بإسرائيل والتي تضم الدول العربية المشتركة في صراع معها إلى الدول الواقعة في محيطها وهي دول إسلامية يفترض بالضرورة أن تكون رصيد قوة للعرب واذا وصلت إسرائيل إليها وقامت معها علاقات تعاون واسعة النطاق لا يمكنها ألا تجعل هذا الرصيد من نصيب العرب.
ترامب يكرر التهديد:
وكرر الرئيس الأمريكي رونالدو ترامب تهديده لإثيوبيا من تضرر مصر من سد النهضة حيث صرح خلال زيارته الأخيرة لعدد من الدول العربية واعترف في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة (الولايات المتحدة الأمريكية مولت سد النهضة لبنائه على نهر النيل الأزرق في إشارة إلى رؤساء سابقين مولوا السد مضيفا بأنه (تبين أن هناك مشكلة كبيرة ولم يحلوها قبل بناء السد).
وكان الرئيس الأمريكي ترامب في ولايته الأولى التي سبقت الرئيس جو بايدن قد صرح تصريحات مماثلة وصف فيها إثيوبيا بأنها ظلمت مصر عند بناء السد ولم تراعي الاستخدام المنصف والعادل لمياه النيل.
ومن المهم الإشارة إلى أن نظرة إثيوبيا للاستخدام المنصف والعادل لمياه حوض النيل ينبغي أن ترافقها خطوات عملية وواقعية وتستند للقانون والاتفاقيات الحاكمة لتنظيم المياه لأن لا تتأثر الدول كلها بما فيها دولتي المصب (مصر والسودان) وليس إلى حلول مبهمة وغامضة طباعها المراوغة التسويف.