
الإنفصام بين الفكر والسياسة
* أ.د/ صلاح الدين خليل عثمان ابوريان
أرخى الليل سدله ، وأحكم سيطرته على الحى ، وبدأت المتاجر تطفئ انوارها معلنة انتهاء سعى الحياة وبداية هدوء الليل المعهود وسكينته التى استقرت فى وجدان الناس، وأنا داخل صومعتى الفكريه عند شط نهر العقل فى صمت عميق . الريح تسأل من أنا ؟ أنا مثلها فى لا مكان بعيد.
أتأمل غياب الفكر والسياسة وما آلت إليه أحوالنا السياسية .
أحزاب لا تمتلك ناصية المعرفة ولا التعامل الصادق الصريح والقدرة والاداء. أقرأوا التاريخ والراهن المعاصر ، وأعلموا أن سعيهم لوهج السلطة الآن سبق وقر المسؤولية، هذه أحزاب أصابها انفصام بين الفكر والسياسة ، وهو أشد خطرا وأبعد أثرا ، فقد أدى إلى انقسام فى صفوف المجتمع فكريا وسياسيا. وكان أساسا هاما فى عوامل الضعف و التدهور والمعاناة السياسية وعدم وجود إبداع سياسى، هو أن تبقى الأمور على ما كانت عليه سابقا.. هذا مستحيل.
حان وقت إختيار وزراء ممن لا ينتمون إلا للوطن ولا شئ غير الوطن . هم كثر و أصحاب فكر ثاقب وخبرة سياسية .كان الرعيل الأول من السياسيين أصحاب فكر سياسى يعتز به ، برز من بينهم ، إسماعيل الأزهري ، محمد أحمد المحجوب ، مبارك زروق ، محمد خير وغيرهم.
لقد لعب الفكر السياسى لهؤلاء الرجال دورا كبيرا فى الإرتقاء بلغتهم وفكرهم السياسى إلى مستوى يحترمه الجمهور ويثق فى قدراته . كانوا يعملون على توسيع آفاق فكرهم لإستيعاب التحديات التى تطرحها إشكاليات بناء الدولة.
ورغم حدة الخلافات السياسية بينهم حافظوا على لغة سياسية تنهل من الفكر وتحاول أن تضفى على هذه الخلافات مسحة فكرية وسياسية . أين نحن حاليا من أمثال هؤلاء ؟ يلاحظ أن دول المنطقة التى تعيش حولنا تطرح سؤالا مصيريا حول المستقبل ، حول طبيعة النظم السياسية الجديدة التى تتشكل على إيقاع صراعات مذهبية، وطائفية ، وقبلية خطيرة . تتطلب أجوبة إستراتيجية وأفكار مستقبلية ، إلا أن الطرف السياسى لا يمكن أن يجيب عنها لوحده ، بل لابد من فكر إيجابي ثاقب يقف بجواره لحسم التحدى الذى يطرأ. وفى الوقت الذى كانت بلادنا فى أمس الحاجة إلى سياسيين كبار فى مستوى طبيعة المرحلة الحالية ، إبتلينا ببعض أشباه السياسيين لا مؤهل، لا تجربة، لا خبرة.
نزلوا بالسياسة إلى لغة منحطة وسلوك يفتقر إلى أبسط قواعد الإحترام واللياقة، شخصيات لا وزن لها ولا قيمة، عميلة خائنة ، عديمة الفكر والإبداع السياسي ، لا مكانة لها مرة أخرى، وصلت الأمور فيما بينهم إلى مستوى التجريح الشخصى والقذف العلني والسب، إنقسموا ، تبعثروا… تقدم ، قحط ، صمود ، منهم من قبضته الشرطة الدولية لجرائمه ، ومنهم من إعتزل ، ومنهم من أصابه الخزي والخجل ، ومنهم من فقد موروث أجداده الذي إندثر.
أيعقل ان يقود هؤلاء شعب العزة والكرامة البطل ؟؟
لا لا لا ..
تم عزلهم وطردهم وتعمقت الهوة بينهم والمواطنين.
أنا لست ضد إعتماد لغة سياسية مزانه بالفكر بسيطة تجعل المواطن العادي قادرا إلى حد ما على فك طلاسم السياسة وفهم بعض أسرارها، لكن علينا أن نضع فى الإعتبار أن هناك فرق كبير بين البساطة فى الخطاب وبين شعبوية الخطاب.
البساطة التى أعنيها ، هى تلك المقرونة بالصدق والواقع والصراحة تختلف كثيرا عن الشعبوية التى ترتكز على المناورة والخداع وتضليل الجماهير المقرون بالكذب وشراء ضمائر المستضعفين.
(اللهم ابعد عنا هذا النوع من السياسيين)
وهم للأسف الشديد كثر .
الأمور الآن إستعلت وإشتعلت ، حان للأوضاع فينا أن تغير ، لنعش حياة العز والعيش الموفر ثم ألقى ثاقب الفكر على كل ما إستعصى فأمسى قد تيسر.
كل الذى أرجوه إتخاذ قرارات نتائجها وفاق وطنى وتغيير شامل بعيدا عن سماسرة السياسة ذوي المنهج المكذوب . خلاصة الأمر أن علاقة الفكر بالسياسة ، علاقة جدلية . فالفكر يضع الضوابط السياسية والأطر الفكرية التى توجه الساسة. والسياسة تعترضها العديد من الإشكاليات الواقعية التى تتطلب أعمال أدوات الفكر لتحليلها وتوفير الإجابات اللازمة للمساهمة فى حلها .إذن علينا الإهتمام بالعلماء هم أصحاب الرأى الصائب بعيدين عن خلق سياسى عائب.
حرب الكرامة منحتنا القوة والبراعة فى التعامل مع مشاعرنا ومشاعر الناس من حولنا وحينها شعرنا أن الحياة أصبحت بلون وطعم جديد لا ينبغي تلوثة بفكر سياسى لأحزاب بالية دمرتها تقدم وإنحازت للدعم الصريع فقدت مصداقيتها وقبح الأنتماء لها.
عاش كفاح الشعب السودانى المسلح، عاشت القوات المسلحة والنظامية، المجد والخلود للشهداء، عاجل الشفاء لجرحانا بإذن الله.
* الأكاديمية العليا للدراسات الإستراتيجية والأمنية