حسن يوسف ممتشقا معنى فنون التمثيل رؤية للترقي الإجتماعي وخفْقةٌ قلب برائحة تراب السودان
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
3_4
حسن يوسف الممثل الفنان
وإبداعية التشخيص الكوميدي
معنى التمثيل كما ورد في تعريف ( استانسلافسكي ) : هو عملية خلق فني تستهدف ترجمة أفكار المؤلف المسرحي من حياة و حركة و فعل و في عملية الخلق هذه تندمج ملامح الدور بملامح شخصية الممثل ، لتؤلف صورة مركبة فريدة و متجددة باستمرار فكل شخصية تظهر أمامنا على المسرح جانبان : الجانب الدي صاغه المؤلف . والجانب الذي صاغه الممثل .
ذلك التعريف بلا شك ، هو تعريف تميز بدقة الفحص فسيولوجيا للممثل ، باعتباره فنان ماهر القدرة بتمكنه الجمع بين دور يلعبه ، وشخصية يجسدها ، وفي نقطة الفعل هذه ، تبرز مسألة شائكة التعقيد في دائرة الفنون التمثيلية بأنماطها المختلفة أو المتعددة ، وباستمرار الزمن .
واستنادا على ذلك التعريف ، أعمل على وصف حسن يوسف الممثل الكوميدي الذي يتسم تمثيله دائما بالإبداع الكامل ، في أداء الأدوار المطلوبة منه في أعلى درج له ، عن طريق تشخيص الدور المراد تجسيده ، فكريا ، وفعليا ، حيث يصبح الدور عنده والشخصية في قالب واحد منفرد و متفرد ، ليبدع صورة ليست كباقي الصور ، استثنائية في أبعادها ،
وتلك المطلوبات الواجبة على الممثل أن يتناول دور من أدوار الحياة لكي يكشف عن جوهر حقيقته .
وتجدر الإشارة ، أنه ورد ذكرنا لكلمتين ، لابد من بعض التوضيح لهما منعا للخلط أو الإلتباس في المعنى ، وهما كلمة ( أداء ) وكلمة ( تشخيص ) .. يقصد بالأداء في اللغة تأدية الواجب و إكماله ، وفي الفن يقال أدى الدور بمعنى قام بفعله ، وهنا لا نتحدث عن تجسيد أو التشخيص وإنما نتحدث عن مهمة وكلت إلى ممتهن التمثيل فقام بأدائها – حسب النظرية الأرسطية في كتاب ( فن الشعر ) أن الأداء التمثيلي يحاكي أفعال الناس بطريقة مباشرة تضعهم نصب الأعين في حالة فعلية .
و من هنا يمكن أن نقول أن موضوع المحاكاة هو وضع الانسان في حالة فعل ( أداء) .
وذهبت بعض التعريفات ، إن الممثل هو الذي يؤدي دورا أو يتقمص شخصية ما ، ويتمركز في قلب الحدث المسرحي ، فهو الوسيط بين النص و المؤلف ، و بين الإرشادات الإخراجية من المخرج التي يؤديها أمام المتفرج .
في حين نجد آخرين يرون أن الممثل هو الذي يجسد شخصية غير شخصيته أمام جمهور ما ، ويقوم بهذا عن قصد ويقال شخص الدور ، ثم أدى الدور أي لعبه ، وتعني actor باللاتينية : يتصرف أو يفعل .
وبناء عليه، قلت : ( الممثل ) حسن يوسف وإبداعية ( التشخيص ) … فمن حيث تعريف الممثل فهو ممثل فنان ، ومن حيث تعريف المشخص فهو مشخص بامتياز ، يمتلك طاقة إبداعية هائلة ، يصدم بها المخرج والجمهور معا، يتقمص الشخصية، ويعيش معها، فتبدو تلقائية لدرجة الواقعية و هذه هي ما تسمى (الصفة)..
وهي ذات المعنى التى أشار إليه رفيق دربه الفنان المسرحي – كتابة وتمثيلا – خليفة حسن بله في وصفه قائلا :
( حسن يوسف ممثل مهول ، يمتلك طاقة تشخيص عالية ، يدهشني أنه بذات التميز في الكوميديا يؤدي الأدوار التراجيديا ..)
ويواصل خليفة في شهادته: (في أحد بواكير عروضنا في فرقة نمارق المسرحية – والتي تأسست ضمن منظمة نمارق للآداب والفنون في مارس 1987م – شبهه أحد حضور العرض بالكوميدي المصري إسماعيل يس، لكن حسن يوسف هو نسيج وحده ، وتكفي شخصية ” سيد جرسه ” التي نافست اسمه عليه)ويضيف 🙁 لو لي مأخذ على حسن ، هو أنه اتجه لأداء أعمال من تأليفه وإخراجه ومع أنها في مجملها أعمال جيدة ، إلأ أنها لم تظهر كل قدراته)، ومختتما شهادته :(يظل حسن يوسف حمد ، هو من أفضل الممثلين في جيلنا إن لم يكن أفضلنا ) ..
ضمن استدراكاتنا في الحديث ، لن نتجاوز قول المخرج الفنان ، أستاذ التمثيل والإخراج في كلية الموسيقى والدراما الدكتور أبوبكر الشيخ في قوله 🙁 حسن يوسف ممثل ممتلىء بالمواهب .. ممثل وكاتب ومغني ومخرج ، فهو من الفنانين الذين قدموا شخصيات مختلفة جدا في الدراما السودانية على الرغم من شهرته بشخصية سيد جرسة التي لاقت اقبالا كبيرا)، ويؤكد د. أبوبكر: (أما في المسرح فالفنان حسن يوسف يمتلك طاقة هائلة في الأداء الكوميدي فقد شاهدناه في مسرحية : ” الطاحونة ” ومسرحية : ” من كي لي كي ” ومسرحية : ” سماسرة خمسة نجوم ”
ومسرحية : ” رجال آخر زمن ” باداء باهر جدا)، ويمضي المخرج د.أبو بكر الشيخ: (على مستواي الشخصي أول من وقفت أمامه في الدراما التلفزيونية هو حسن يوسف عندما عملت معه في سلدسلة ” سيد جرسه ” والتي كانت بدايتي الحقيقية في التمثيل التلفزيوني)، ويسجل د. أبوبكر :(حسن يوسف فنان صاحب أداء فخيم يستحق منا القيام والتصفيق له عشرات السنين ) .
حسن عاشق المسرح الولهان
تحت العنوان أعلاه جاءت إفادة المخرج الأستاذ أحمد رضا دهيب كاتبا عن حسن يوسف قائلا :
( يحلو الحديث والسمر عن القامة السامقة الاستاذ حسن يوسف حمد الذي التحق بفرقتي التي كونتها في العام 1982م من بعض الشباب بمدرسة المهدية الثانوية هم الاساتذة خليفة حسن بله وقدير ميرغني عقب عملي معهم بالدورة المدرسية بمدرسة المهدية الثورة الحارة الأولى ، وكنت وقتها بالدراسات الاضافية بمعهد الموسيقي والمسرح وانضم اليهم الاستاذ مجدي مكي وعدد من الشباب حتي جاء التحاق حسن يوسف حمد في العام 1984م قادما من مدينة كوستي حي النصر ليدرس أولى ثانوي بمدرسة محمد حسين الثانوية عن طريق ابن عمته الاستاذ خليفة حسن بله الذي سبقه بعامين في الفرقة وقد استحق فيما بعد لقبي له بعاشق المسرح ، فحسن يوسف عندما تكون البروفة الساعة الخامسة ياتي لمكان البروفة ويقيم بمكتب الفرقة بنادي العمال أم درمان منذ الساعة الثانية عشر ظهرا وأجلسته (كنب) لمدة عام كامل لم أوكل إليه أي دور ، فلم يكل ولم يمل ، وابرز صبرا لا مثيل له ، صبر لأنه العاشق الولهان بالمسرح بل كان يجهز للبروفة بكل حب متعطشا للأداء حتي جاء العام 1985م ووافق التلفزيون لتسجيل مسرحية ” منديل السلطان ” وقد منحته بطولة العمل مع ” قدير ميرغني ” و” امتثال بلال ” التي صارت فيما بعد زوجته وأم أبنائه وكان مدهشا استفاد من الجلوس لمدة عام يشاهد في البروفات وأبرز ملكات كوميدية نادرة ، ولكن حالت بعض ظروفه ليسافر إلى كوستي ولا يقوم بتسجيل العمل معنا لأقوم أنا بنفسي باداء الدور لصعوبة وجود خامة ” حسن يوسف ” بين الممثلين فانه نادرا مايوجد مثله بين اقرانه .
وبعد أن تعدى ظرفه بكوستي عاد لمواصلة نشاطه وكانت قد طلبت مني الاستاذة ” أمينة عبد الرحيم ” أن أجهز مسرحية أخرى مدتها ساعتين كسابقتها التي وجدت صدى قويا قاد الاستاذ ” محمد شريف علي ” كبير المخرجين آنذاك أن يطلب العمل معي كممثل في عملي القادم وهو مسرحية ” قافلة الأفراح ” فوافقت علي الفور فهذا شرف كبير لي فزامل ” حسن يوسف ” في تسجيل هذا العمل والذي أبدع فيه ” حسن يوسف ” أيما إبداع وكان مدهشا وهو من الأعمال التي يعتز بها حسن يوسف إلى يومنا هذا فما كان من الأستاذ ” محمد شريف علي ” مستأذنا وطالبا مني أن أعيره حسن يوسف ليؤدي له البطولة في مسرحية ” رمي الصاجات ” ولثقتي في ولاء حسن يوسف الذي يتمتع به وخلقه النبيل ووفائه منقطع النظير أذنت له ، وعمل معه لفترة ثم عاد للفرقة وقدم الكثير المدهش وكان قد إنضم للفرقة في ذات عام هذه المسرحية 1986م شاب يصغر حسن يوسف حمد بثلاثة أعوام هو الدكتور الآن ” سيداحمد أحمد ” الذي صار صديقه ورفيق دربه وقد اجتهدا اجتهادا كبيرا وسافرا معا يجهزون العروض بالولايات وعانوا ما عانوا من ويلات السفر والمرض وسجلا معي عدد من الأعمال ” قلب الأم ” و ” أرض الخير ” فقرات في برنامج الأطفال التلفزيوني ، مرتين في الأسبوع ، وجاءت فترة الفيضانات وأفسدت ما أفسدت واعتكفت لفترة طويلة استاذنني ” خليفة حسن بله ” للإنضمام لفرقة نمارق المسرحية فذهب حاملا كل التجارب الإدارية مؤسسا لنمارق ومكاتبها وفقا لما هو كان بالنهضة علي ان يعود متي ماعدت وطلبت إدارة نمارق حسن يوسف وسيد أحمد أحمد والمرحوم جمال عبدالوهاب فرفض حسن الذهاب مع ابن عمته وماثله في الموقف سيد أحمد أحمد ومجدي مكي وجمال عبدالوهاب وضرب حسن يوسف مثلا في الوفاء وسكن معي بمنزلي زمنا طويلا معتكفا معي وهذا هو أصل حسن يوسف النادر في الإخلاص الذي أوصله أخيرا إلى مبتغاه ونيل حظه من النجومية الكبيرة وحين رأيت أن مدة أعتكافي ستطول اقنعته بشدة أن يلتحق بنمارق حتي لاتؤثر عليه فترة التوقف فاستجاب علي مضض والتحق بنمارق ليرفع من قدرها وصيتها في مسرحية ” الطاحونه ” لعبد اللطيف الرشيد والإخراج لجهاد عبد المجيد ، وأخرى لأسامة سالم ” من كي لي كي ” رافقه في البطولة الاستاذ الكبير ” مكي سنادة ” وبعد ذلك سلسلة الحلقات التلفزيونية ” بالله شوف ” ثم استغل بنفسه وعمل مع هيئة حلمنيش العليا وقدموه في شخصية ” سيد جرسه ” التي صار اسمها كما اسمه حسن يوسف وقدم مسرحياته الخاصة به في المسرح القومي وكل ولايات السودان سادا مساحة الأستاذ ” الفاضل سعيد ” دون منازع وهو كوميدي من طراز فريد يضحك الميت في نعشه وصاحب طرفة اجتماعية لاينافسه فيها أحد وذلك مضافا لخلقه القويم ، ووفائه النادر وقد اصطحبته معي عضوا بالجنة التنفيذية للاتحاد عام 2014 فهو صاحب رأي وفكر ثاقب ، إضافة لأنه روحاني يملك خاصية التوقع والنصح النبيل وقد استحق لقب عاشق المسرح الأول الذي منحوني له زملائي وتلاميذي وامنحه بجدارة للاخ الحبيب والتلميذ النجيب المفخرة حسن يوسف حمد والذي وهبنا به الله ميلادا في نهاية فبراير 28 فبراير 1966م ليكون بسمة عمرنا وضوئنا والأمل في نهاية النفق لمستقبل درامي مجيد يكون حسن يوسف القدوة فيه للأجيال قادمة زاخرة بالعطاء .
مهما كتبت عن حسن يوسف حمد ” سيد جرسه ” فلن استطيع أن أحصي مواقفه أو أعطيه حقه فهو زينة حياتنا الدنيا فنا وابداعا ووفاء.
ونواصل…