ماذا وراء لقاء رئيس مجلس السيادة ومستشار الرئيس الامريكي؟

- لن يكون الطريق سالكا لمفاوضات مباشرة بين السودان والإمارات إلا إذا..
- قطر تسعى إلى تحسين الصورة الذهنية لدول الخليج في المخلية الافريقية
- التعاون بين أمريكا والسودان في ملف مكافحة الإرهاب مرهون بتصنيف مليشيا آل دقلو بأنها منظمة إرهابية
- الكرة الآن في ملعب ترامب لأن مخرجات لقاء سويسرا سيضعها أمامه مستشاره (مسعد بولس)
تقرير- دكتور إبراهيم حسن ذو النون:
ما أن حان مغرب شمس أول أمس الثلاثاء (بتوقيت السودان المحلي)حتى تأكدت التسريبات التي تناقلتها بعض الوسائط الإعلامية نهار نفس اليوم عن لقاء الساعات الثلاث الذي ضم في أحدى منتجعات مدينة زيورخ السويسرية رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان ومستشار الرئيس الأمريكي دونالدو ترامب للشئون الأفريقية والذي كان يعمل بالتجارة وينحدر من أصول لبنانية (مسعد بولس), واللقاء كان بغرض تجديد المساعي الأمريكية الرامية لوقف الحرب الماثلة في السودان والتي بدأت في صبيحة السبت 15 أبرسل 2023م وخلفت آثارا مادية ومعنوية تتحمل وزرها الأكبر قوات الدعم السريع المحلولة بقيادة نائب رئيس مجلس السيادة السابق وقائدها محمد حمدان دقلو المعروف ب(حميدتي),ويأتي لقاء زيورخ بين البرهان ومسعد لتجديد الموقف الأمريكي من الحرب الذي رمى بشكل مباشر من خلال منبرجدة عدة مرات أوقفها ومن منبر المنامة عاصمة مملكة البحرين بالإضافة للمبادرة الرباعية (الولايات المتحدة الامريكية المملكة العربية السعودية جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة),والتي لم تلتئم الشهر الماضي نتيجة خلافات بين القاهرة وأبوظبي حيث ترى الأولي أن بقاء الجيش في السودان كجزء من السلطة يشكل واحدة من ضمانات عدم عرضة الأمن القومي للاهتزاز كما يحفظ التوازن بين مكونات أي سلطة مدنية قادمة والتي سيكون شكلها الظاهري الائتلاف بينما يكون باطنها الاختلاف نتيجة الفشل التاريخي المتراكم لدى المكونات السياسية السودانية في إدارة التنوع والتعدد بعدالة بينما ترى أبوظبي ابعاد الجيش السوداني من العملية السياسية لضمان عدم ولوج مجموعات الإسلام السياسي التي تظن دولة الإمارات المتحدة أنها مازالت تمسك بتلابيب المشهد السياسي والعسكري بالسودان برغم زوال حكم الرئيس عمر البشير منذ أبريل 2019م.
قطر دور جديد:
ما رشح من أبناء حول لقاء زيورخ أن دولة قطر كانت هي بمثابة(الميسر)حيث تمت ترتيباته برعاية قطرية عالية المستوى وكشفت صحيفة (السوداني) وفقا لمختصين في مجال الطيران أن الطائرة التي ألقت الفريق أول البرهان قد تحركت من مطار زيورخ ومنه إلى بورتسودان وعادت ثانية لبورتسودان من
طراز319AirBusAjcوتتبع للخدمة الأميرية القطرية, وقال مصدر وثيق الصلة بملف العلاقات السودانية الخليجية ل (أصداء سودانية) فضل حجب اسمه وصفته الرسمية أن قطر بهذه المهمة تعيد للاذهان الأدوار الايجابية التي لعبتها في السابق في ملف السلام السوداني في محور دارفور والذي لم يقتصر على اتفاقية الدوحة للسلام فحسب بل زادت عليه بمشروعات تنموية أسهمت في بناء السلام بدارفور استرد من خلالها المجتمع في دارفور عافيته وانتقل من مرحلة (اضطراب الدور) إلى مرحلة (إيجابية الدور) في مرحلة ما بعد النزاع, وأضاف المصدر أن تحركات الدوحة مجددا في هذا الصدد تسعى بالتركيز على استعادة الاستقرار في السودان وشرعية الحكومة المعترف بها كما أن هذه التحركات تهدف من الجهة الاخرى إلى تحسين الصورة الذهنية لدول الخليج في المخلية الافريقية وبصورة خاصة في القرن الافريقي وبصورة أخص في السودان بعد التشوهات والانحرافات التي أحدثتها أبوظبي في الاستراتيجية الخليجية في تلك الانحاء والتي تقوم وفقا لرؤية استراتيجية خليجية كشفت عنها دراسة بعنوان (القرن الافريقي عمقا استراتيجيا خليجيا)التي أعدها الدكتورمدوخ عجمي العتيبي أستاذ العلاقات الدولية بأكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية في قطر تقوم على عرض الحقائق الجيوسياسي والجيو اقتصادية والجيو ثقافية لمنطقة القرن الافريقي باعتباره عمقا استراتيجيا خليجيا إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد انحرفت عنها عن جادة الاستراتيجية لتحقيق مأرب أحادية لها ولوكانت على حساب الشعوب الأفريقية في القرن الافريقي والسودان الذي دفع الثمن قتلا وتشريدا ودماء على قارعة الطرقات.
موقف ثابت غير متغير:
من خلال اللقاء بعث الرئيس عبدالفتاح البرهان بتاكيدات مهمة أولها أن عودة الدعم السريع إلى الواجهة العسكرية والسياسية في السودان هو من رابع المستحيلات نتيجة ما اقترف من انتهاكات واضحة وبينة شهد بها العالم في هذه الحرب الماثلة ومنظماته الحقوقية والتي رصدت تلك الانتهاكات بصورة دقيقة فضلا عن أن الفصل في قرار ألا يكون الدعم السريع جزءً من المعادلة السياسية القادمة في السودان ليس بيد الحكومة وحدها إنما بيد الشعب السوداني باعتباره صاحب المصلحة والذي لحقته الانتهاكات الجسيمة للمليشيا المتمردة في مدن الخرطوم والجنينة وودالنورة ورفاعة والحصاحيصا ومدني وزالنجي
ونيالا وبابنوسة غيرها, والتي تعرضت للقتل والتشريد والنزوح واللجوء والنهب والسلب وتدمير الانشاءات الخدمية فضلا عن حالات اغتصاب الفتيات والنساء وبيع بعضهن في أسواق مخصصة لذلك في بعض دول الجوار الأفريقي.
أبوظبي البحث عن مخرج:
من الواضح ومن تفاصيل ما رشح عن لقاء الثلاث ساعات بين البرهان ومسعد أن واشنطن مازالت مستمرة في مسلك الإدانة(الخجولة)لابوظبي برغم قناعتها بأنها هي الداعم والراعي للحرب في السودان لذلك فإن الدعوة لحوار مباشر بين السودان ودولة الإمارات العربية المتحدة لن تؤتي أكلها إلا بعد أن تتوقف أبوظبي بشكل فعال من دعم ورعاية المليشيا المتمردة فضلا عن التعهد عن عدم التدخل في الشئون الداخلية للسودان وانتهاج استراتيجية جديدة للعلاقات بين السودان والإمارات تقوم على تحقيق المصالح المتبادلة واستعادة سابق عهد العلاقات التاريخية بينهما على عهد الرئيس المؤسس للامارات الشيخ زايد آل نهيان والرئيس الراحل جعفر نميري والتي تبودلت فيها الخبرات والمنافع دون من أو أذى.
فالطريق لن يكون سالكا في حوار السودان والإمارات إلا بعد تحقق تلك المحددات التي أشرت إليها فعلى الإمارات أن تحدد ما تريد من السودان من منافع متبادلة بالباب (باب الحكومات الشرعية) وليس ب(شباك المليشيا) التي فقدت حتى مؤيديها في حواضنها الاجتماعية والجغرافية.
التعاون مع واشنطن مرغوب ولكن:
كذلك تناول اللقاء بين البرهان ومسعد تحريك ملف التعاون المشترك في مجال مكافحة الإرهاب والذي أثبت السودان من خلال التجارب السابقة أنه جاد في المضي في الملف حتى نهاية الشوط من خلال القيام بخطوات عملية تمثلت في الإصلاح التشريعي لمكافحة الإرهاب حيث احتوت تعديلات القانون الجنائي السوداني نصوصا واضحة الدلالة تحارب الإرهاب وتجتثه من جذوره فضلا عن تسليم كل المطلوبين من الإرهابيين الذين احتضنهم السودان في سنوات الإنقاذ الأولى (كارلوس واسامة بن لادن) وغيرهما بالإضافة إلى تنقيح ملف حقوق الإنسان من بعض الشوائب التي لحقت به حيث لعبت المحكمة الدستورية الدور المراد في حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان, ولكن يظل التعاون بين أمريكا والسودان في مجال مكافحة الإرهاب مرهون بتصنيف مليشيا الدعم السريع بأنها منظمة إرهابية على غرار الإدانات التي قررها الكونغرس الأمريكي وقرارات وزارة الخزانة الأمريكية وبعض المنظمات الحقوق كمنظمة العفو الدولية.
الكرة في ملعب ترامب:
قطعا أن مستشار الرئيس الأمريكي للشئون الأفريقية مسعد بولس سينقل بدقة متناهية لترامب مخرجات اللقاء مع رئيس مجلس السيادة السوداني والذي طرح رؤيته للحلول وفق رؤية وطنية واقعية فرضتها الآثار المادية للحرب والآثار المعنوية والظروف الإنسانية التي يعيشها السودانيون لاسيما مدينة الفاشر التي تتعرض للحصار والتجويع لقرابة العامين وتعرضت لعدد 227من هجمات المليشيا المتمردة.
ويبقى السؤال المهم هل يستطيع الدكتور مسعد فارس بولس المولود عام 1971م ذو الأصول اللبنانية والذي ينتمي لطائفة الروم الأرثوذكس بلبنان والذي تربطه بالرئيس ترامب علاقة مصاهرة والذي كان المعادل المهم في حملته الانتخابية للرئاسة الامريكية2024م حيث قادها بنجاح في المجتمعات العربية الأمريكية خاصة في ولاية ميشيجان الامريكية, ليس في إيصال مخرجات ذلك اللقاء فحسب بل لأنه من خلال اللقاء استطاع سبر غور شخصية ملتقيه رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ويكون قد وضع النقاط على الحروف ووضع الأقواس بين كلمات اللقاء المهم والذي قطعا ستحرك (سطوره) الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس ترامب نحو الآفاق الأرحب لتحقيق الاستقرار والسلام في وطننا السودان.