قلم أحمر (قصة)

ليلى مهيدرة / المغرب
قدره أن يحمل هذا الجبل بين أصابعه، قلما أحمر يريد من خلاله إعادة رسم هذا العالم ومحاولة تصحيح أوضاعه وضبط توزيع الثروات كما يجب أو لنقل كما يخيل إليه، فكل مشاكل العالم سببها غذاء وافر على طاولة ضخمة وصحن فارغ في مكان ما، ولعادة ما نجح في إعادة تشكيل الكرة الأرضية اقتصاديا، وإن كان يفشل دوما في تحقيق المعادلة الصعبة في فكره وتجاوز الخط الأحمر الفاصل بين النظريات وإخضاعها للواقع المعاش، تجربة عانى منها كثيرا وما زال يعاني وثقل القلم الأحمر بين أصابعه ما كان ليؤلمه وإن لم يستطع من خلاله أن يرسم له جوارب جديدة تقي أصابعه برودة طقس السنين ورغم ذاك وما دامت المعادلة قد تحققت على الورق وقبلها في مخيلته وفكره فلا شك أنه يستطيع أن يسقطها على واقعه المعاش لكن كيف ؟ لا يدري… فمنذ تخرجه بتفوق وحصوله على الدكتوراه في الاقتصاد والعلوم السياسية وفشله في الربط بين تفوقه وفرص العمل التي كانت إما أكبر من أن يصل اليها أو أصغر من أن تتقبله وهو يحاول جاهدا إعادة رسم الخريطة الاقتصادية لوطنه وبالتالي إعادة رسم سياسة عالمية توازن بين مواقع القوى وتشير بعلامة صح على كل البقاع حتى وإن كالت الظروف الطبيعية تحول بينها وبين اخضرار الطبيعية واستعمارها بالتصحر لسنين – هراء … كان هذا جواب العم ابراهيم ، مناضل سياسي قديم ومعارض بمرتبة شرف لسنوات خلت ، نجح في خلخلة أحزاب ومجالس وفشل في الأخير في أن يثبت أمامهم صحة قواه العقلية، فليس هناك أبشع من أن تدافع على فكرك كما بكر تدافع على شرفها والناس ترجمها بعيونهم وترميها بالعهر، هراء ..هذه الكلمة الوحيدة من العم ابراهيمالقادرة على زحزحة الثقة بداخله ليعيد حساباته من جديد وربما لإسقاط أرقام ووقائع والوصول لمعطيات أخرى، هو يؤمن بقدرات هذا العجوز وتاريخه أو لعله هو الوحيد القادر على سماعه وإن كان لا يجيبه إلا بتلك الكلمة دوما : – هراء … كلمة ما كانت لتزعجه بتاتا ما دامت تستطيع أن تؤجل مواجهته مع العالم الآخر المعاند والمتشبث برأيه والمتمثل في أصدقاء قدماء ورفقاء درس أنهكم العلم فترجلوا من قاطرته في وسط الطريق فكانت فرصتهم أكبر في ايجاد كرسي مريح في إدارة ما غير آبهين لأمثاله الذين أوصلهم القطار الى آخر محطة . هذه المرة لم يجبه بسرعة، ظل مركزا في أكوام الورق أمامه يقلب الرسومات البيانية في كل اتجاه قبل أن يصرخ في وجهه : – أصبت… أصبت كلمة كررها كثيرا وبشكل متسرع فاجأه وجعله يعود لأوراق كمن يكتشف ما تنطوي عليه للمرة الأولى، تنقل ببصره ما بين العم إبراهيم وبينها وبداخله طاقة قد تجددت وإن لفها بعض التردد أو ربما هو التعود على الخيبة، دقق كثيرا فيما بين يديه كأنما يبحث عن نقطة للانطلاق . التفت للعم إبراهيم ليسأله المعونة لكنه لم يجد أمامه إلا سيارة إسعاف وأناسا بيض ملابسهم يكبلونه ويغلقون باب السيارة عليه بإحكام وينطلقون في رمشة عين كأنما لم يكونوا أبدا …