على الهواء مباشرة

حكايات ممنوعة _ الشيخ يوسف الحسن 

كان سالم وسليمان يختلفان على كل شئ مع أنهما لا يفترقان، وبدأت حكاية الخلاف بسيطة جداً بساطة تلك المرحلة العمرية، وهي أن “أبوي أقوى من أبوك”، فتنهال الدفوعات من هذا وذاك، ثم الشهود المغلوب على أمرهم، ثم لا تستطيع المنصة حسم الأمر، فتتحول إلى اشتباك عنيف ينتهي يومياً بجلد السوط (البُطان).
وللتاريخ فقد ترك كل واحد من الصغيرين علامة بارزة على وجه الآخر لا تستطيع الأيّام أن تمحوها، إلى جانب أنهما استطاعا تقسيم (أولاد الحلة والحلل المجاورة) إلى ثلاثة فرق فريقين يؤيد كل واحد منهما أحد العدوين اللدودين، وفريق ثالث يقف في منطقة وسطى لكنه عرضة للاستقطاب الحاد والابتزاز والتهديد.
ولم تكن مسألة الخلاف الحقيقية هي أبوي أقوي واللا أبوك، وكومَيْ التراب التي يمثل أي منهما رجولة والد الآخر، حتى إذا امتدت يد أو رجل واحد منهما لتدهس الكوم وقع (الكوماج) الذي تستخدم فيه كل الأسلحة بدءاً بالعصي والعكاكيز والسيطان وانتهاء بالحجارة القاسية، ثم حسم الجولة أو تأجيلها بـ (السوط يا جنا).
هذا وقد ظلت القضايا الخلافية متغيرة بينما بقي الخلاف بين الشابين ثابتاً، يزداد كل يوم تعقيداً وأحقاداً، بل وصلت إلى أنه إذا كانت هناك مسألة يسأل كل منهما سراً عن موقف الآخر حتى يحدد هو موقفه المناهض له، فكان تشجيع الكورة المحلية والعالمية وجنونها، مجالاً واسعاً لاستمرار الخلاف الدموي بين الرجلين.
وفي الجامعة أضفى السجال المفتوح والسباق السياسي الفكري بين الطلاب بعداً جديداً للخلافات بين (الشفع الشقايا) – كما كان ينعتهما عبد الخير كلما عجز عن حجزهما وفض اشتباكهما على أيام القرية، وفي زمن وجيز وصل كلاهما إلى قيادة أقوى وأعنف تنظيمين يتنازعان بالسيخ والملتوف على زعامة الجامعة.
وبعد تخرجهما من الجامعة دخلت خلافات المال والأعمال على خلافات السياسة والفكر فكان الناتج قوتين شيطانيتين جبروتيتين يجلس سالم على رأس أحدهما ويقود سليمان الأخرى، وكان الشعب يقف حائراً خائفاً بين قطبى الرحى، لكن كل فرد مجبور لأن ينضم إلى هذه أو تلك القوة حتى يحتمي من بطش الأخرى.
وسار برلمان البلاد على ذات النهج (يا إما مع دة واللا دة ومافي مستقل عايز تعمل فيها عاقل في النص أي مجموعة بتعتبرك جاسوس للمجموعة التانية ويترصدوك الاتنين ولو قابلوك الاتنين بجيبوا خبرك)، وكان ما في البرلمان أشبه بالضبط بساحة قريتهم الصغيرة حين يشتبكان حول قضية تافهة (والدكنابة تقوم فوق).
فتوقف حال البلد تماماً وأصبحت الحياة فيها أشبه بلعبة جر الحبل ولا أحد من الغريمين يريد أن يتنازل قيد أنملة عما يراه فيصرخ سالم في وجه الوساطة “أفو دة أنا من شافع ما انكسرت ليهو أجي أنكسر ليهو هسة” ويقابلها سليمان: “ياخوانا أنا شايف حال البلد وكلامكم فوق راسي بس اتفاق مع الزول دة ختوني ليهو”.
وخلال مناقشة البرلمان لقضيّة عادية حول مشاريع مياه رأى فريق (يجيبوها من البحر) وكان رأي الفريق الآخر (لا بس يحفروا أبيار)، اندلعت اشتباكات بين النواب داخل قبة البرلمان، ثم امتدت إلى الخارج في كل شوارع المدينة بين المواطنين ثم انضم إليهم مسانديهم من القوى النظامية، واندلعت الحرائق وسالت الدماء.
وفجأة اهتزت الأرض ثم غاصت المدينة بفوضاها ونيرانها في باطن الأرض، وقال الشاهد إنه رأى سليمان يجلس مكان ناطحة سحاب كان يملكها، وهو يمسك ببقايا زجاج، وفجأة وقف سالم إلى جانبه وأمسك بطرفها فنزعها عنه سليمان، ودارت معركة بالأيدي انتهت بتشويه كل منهما وجه الآخر (وبقت شلوخ مطارق).
و(بدت دورة خلاف جديدة)!!
(بس بي شلوخ المرّة دي)!!