لاجئون سودانيون يتعرضون لإنتهاكات خطيرة بدولة النيجر (2-2)

- مقتل مئات السودانيين بمثلث كوري بالصحراء الكبرى
- نساء وأطفال يواجهون الموت جوعا وعطشا بمعتقل مادمة
- سودانيون حبيسو معسكرات الموت يعيشون على 5 حبات بلح في اليوم
- المعتقلون بالنيجر يناشدون الحكومة السودانية التدخل العاجل لإنقاذ حياتهم
تحقيق ــ التاج عثمان
أكثر من 2 ألف لاجئ سوداني منهم نساء وأطفال نقلتهم السلطات بدولة النيجر تحت تهديد السلاح بالشاحنات في عملية أشبه بالإختطاف وحشرتهم حشرا بمعسكر إعتقال بمدينة (أغاديز) النيجرية الحدودية والتي تفتقد لأبسط مقومات الحياة الأساسية حيث أنها تشرف على الصحراء الكبرى.. وبعضهم تم ترحيلهم بمعسكر موت آخر بمدينة (مادمة) الصحراوية الحدودية بين ليبيا والنيجر.. السودانيون هناك يعانون من أوضاع مأساوية قاسية يتهددهم الجوع والعطش بالموت ويتعرضون لشتى صنوف القهر والذل والإهانة ونهب ممتلكاتهم وإبتزازهم بدفع أتاوات حتى يتم الإفراج عنهم.. التحقيق التالي يكشف على لسان شهود عيان نجحوا في الهرب من (معسكرات الموت) المزيد من التفاصيل الموجعة
معسكر الموت:
إستنادا للمعلومات التي توفرت للصحيفة أثناء تجهيز هذا التحقيق، وردتنا معلومات مؤكدة من مصادرنا أن السلطات الحكومية في النيجر أمهلت مؤخرا السودانيين المقيمين 3 أيام لمغادرة أراضيها، وبعد إنتهاء المهلة قامت الشرطة في النيجر بمداهمة منازل السودانيين وتم ترحيلهم إلى معسكر (مادمة) الصحراوي بالنيجر على الحدود التشادية الليبية النيجرية ويطلق عليه (معسكر الموت)، وحسب رواية بعض الفارين من المعسكر (سيئ السمعة) ، فإن أعدادا كبيرة من السودانيين لا يزالون معتقلين داخل معسكر (مادمة) وسط معاناة قاسية لإنعدام الماء والطعام مما يعرضهم للموت جوعا وعطشا وتعذيبا.. كما قامت السلطات النيجرية بترحيل أكثر من 360 سوداني من المعدنيين التقليديين عن الذهب إلى المعسكر الصحراوي المذكور بالنيجر بعد ان نهبت أموالهم وذهبهم وموادهم الغذائية، بجانب 9 سيارات تخصهم، بعدها خيرتهم إما التوجه إلى تشاد او إلى ليبيا، ولما طلبوا منهم ترحيلهم لوطنهم السودان رفضت السلطات النيجرية طلبهم.. وكشف أحد المعدنيين السودانيين بالنيجر حالة المعتقلين السودانيين بمعسكر مادمة الحدودي الصحراوي بقوله:
كنا نتناول 5 حبات بلح فقط في اليوم، وتعرضنا لصنوف من التعذيب والإهانة من الجنود النيجرين، والذين طالبوا المعتقلين إخبار أهلهم إرسال فدية مالية كبيرة حتى يتم إطلاق سراحهم، وقام أحد المعتقلين السودانيين بالإنصياع لمطلبهم وإتصل بأهله لإنقاذ شقيقة الذي ساءت حالته كثيرا وشارف على الموت من فرط التعذيب والجوع والعطش.. ويقع معسكر (مادمة) شرق النيجر على بعد 20 كيلو عن الحدود الغربية الليبية، وتتواجد فيه القوات المشتركة لمحاربة الإرهاب المكونة من دول: النيجر، وتشاد، وفرنسا، وبريطانيا، وامريكا، وقامت هذه القوات العام الماضي بطرد مئات السودانيين من المنقبين عن الذهب بصحراء النيجر بعد تجريدهم من كل ممتلكاتهم وأموالهم وذهبهم الذي حصلوا عليه من التنقيب التقليدي.. كما شهدت منطقة (مثلث كوري) الصحراوية المتاخمة لدولة تشاد مقتل وجرح مئات السودانيين خلال العام الماضي بواسطة العصابات المسلحة التي تجوب الصحراء الكبرى.
سودانيات بالمعتقل:
شهود عيان سودانيين من المنقبين التقليديين عن الذهب المقيمين بالعاصمة النيجرية (نيامي) اوضحوا ان حملات إعتقال السودانيين المقيمين بنيامي من جانب السلطات في النيجر تمت امام أعين المفوضية السامية لللاجئين.. وكشف أحدهم ان السلطات في النيجر قامت بإعتقاله بينما كان في طريقه لمشاهدة مباراة لكرة القدم بأحد أندية المشاهدة بالعاصمة نيامي، مشيرا ان من بين المعتقلين نساء سودانيات وأطفال.
وفي ذات السياق قال أحد السودانيين الذين كانوا رهن الإعتقال هناك إلا أنه نجح في الهرب، بأنه إلتقى بأكثر من 30 سوداني معتقل وسألهم عن أسباب إعتقالهم من جانب سلطات النيجر وكان ردهم: لا أحد منا يعرف سبب إعتقاله, وذكر ان من بين المعتقلين نساء سودانيات وهن زوجات وأسر فارين من العصابات الليبية فوقعوا في أيدي السلطات النيجرية.. وقال في يوم واحد بلغ عدد المعتقلين السودانيين في النيجر 149 سوداني وسودانية، وعندما إستفسروا الشرطة النيجرية عن سبب إعتقالهم كان ردهم: “لا نعرف الأسباب”.. مشيرا ان مندوب من إحدى المنظمات الأممية بالنيجر زار المعتقل لكنه لم يلتقي بالمعتقلين بل قابل ضابط الشرطة المسؤول في المعتقل ثم عاد أدراجه من حيث أتى.. إلا ان معتقل سوداني آخر أوضح ان منظمة الهجرة الدولية جلبت لهم وجبة إفطار واحدة فقط، مشيرا ان سلطات المعتقل أطلقت سراح الجنسيات الأخرى عدا السودانيين، مشيرا أنهم لا يعرفون سببا لذلك، ولهذا السبب قاموا بوقفة إحتجاجية داخل المعتقل وهم يحملون لافتات كرتونية تطالب بإطلاق سراحهم وإعادتهم للسودان، ولكن السلطات بدولة النيجر لم تعرهم إهتماما.
نداء للحكومة السودانية:
أحد الناجين من معسكر الموت بـ(مادمة) كشف ان المديرية الجهوية للأحوال المدنية بالنيجر لم تدرس جميع ملفات اللاجئين السودانيين الذين طلبوا حق اللجوء السياسي ببعض الدول الأوربية، وذلك بسبب بيروقراطية مكتب المفوضية، حسب قوله، واصفا ذلك بالإنتهاك لحق الأمان لطالبي اللجوء وحقهم في الحماية القانونية وعدم تمتعهم بالحقوق الإنسانية الأساسية في العمل والرعاية الصحية والسكن والتعليم لكونهم لا يتمتعون بأية صفة قانونية الأمر الذي يعرضهم للعديد من الإنتهاكات بالنيجر.. مطالبا نيابة عن السودانيين المعتقلين بالنيجر، الحكومة السودانية والمجتمع الدولي التدخل العاجل لإنقاذ حياتهم في ظل الظروف القاسية اللاإنسانية التي يعيشونها في معتقلات النيجر كلاجئين.. مناشدين ضرورة إنشاء مراكز لجوء ترعاها المفوضية والإتحاد الأوروبي في النيجر، مما يتيح للمهجرين قسرا ملاذا آمنا وفرصة للتقدم بطلب للتوطين.. وعلى مفوضية الأمم المتحدة بالنيجر التحرك لإيقاف ما تقوم به سلطات النيجر من إنتهاكات ضد اللاجئين السودانيين وأسرهم في النيجر، مع الأخذ في الإعتبار ان هذه الأسر بين خيارين خطرين: إما العودة للسودان، او المغادرة عبر البحر الأبيض المتوسط ومواجهة الموت غرقا.
وبالرغم من عدم معرفة السودانيين داخل معسكرات الإعتقال بدولة النيجر عن أسباب السلطات هناك بإعتقالهم، إلا ان مراقبين ونشطاء في حماية اللاجئين كشفوا عن الأسباب الحقيقية التي دعت السلطات الحكومية بالنيجر لإعتقال المواطنين السودانيين دون الجنسيات الأفريقية الأخرى بقولهم:
حملات إعتقال السودانيين بدولة النيجر بدأت منذ عهد الإنقاذ بحجة ان السودانيين إرهابيين، حسب ما صرح به عدد من أفراد الشرطة النيجرية، وأن السودان يرعى مجموعات إرهابية من شتى الدول الأفريقية، ولذلك تخشى الحكومة النيجرية ان تصاب بعدوى (بوكو حرام) في نيجريا، وبالتالي يتسرب الإرهابيون لداخل أراضيها ليحدث لها ما حدث لنيجيريا مع جماعة بوكو حرام الإرهابية.
المفوضية تنفي:
من جانبها نفت مفوضية اللاجئين بالنيجر مزاعم اللاجئين الأفارقة والسودانيين بأنهم تحت الإعتقال مشيرة أنهم داخل معسكرات للجوء، مشيرة أن نحو 2 ألف من اللاجئين الأفارقة ومنهم عدد مقدر من السودانيين، منهم 200 أسرة من النساء والأطفال، وصلوا إلى معسكر اللجوء بمدينة (أغاديز) بالنيجر، وأشارت المفوضية أنهم عازمون على السفر إلى أوروبا وكندا عبر البحر الأبيض المتوسط بالتهريب ومنهم سودانيين تم إبعادهم في وقت سابق من الأردن، إضافة لعدد من السودانيين الذين كانوا داخل معسكرات اللجوء بتشاد.