لاخير فينا إن لم نقلها

 

د. عبدالله محي الدين الجنايني

*إن مأساة تجريد شعب من وطنه .. هي مأساة عظيمة بلا شك

فماذا يتوقع السكان من مليشيا مجهولة .. تتكون من مرتزقة من دول شتى .. وتجار وسماسرة حروب ..وهي تتمرد على القانون والشرعية في دولة من دول المجتمع الدولي وعضو في الأمم المتحدة.

*إن الدارسين لعلوم الفيوتشرلوجي وعلوم التاريخ يدركون أن هذه المحنة تتكرّر عبر التاريخ في حكايات الشعوب التي تُجبر على ترك أوطانها ، لكن يبقى التحدي في كيف لو انتصرت تلك المليشيات مجهولة الهوية وأضحت قادرة على السيطرة في الأرض التي تمردت فيها .

*إن الظروف ستُغري تلك المليشيا,فتُسخرها الأيدي الظالمة من أجل تحقيق غاياتها, ويُصبحُ السكان المُهجّرُون  ضحيةً لظروفٍ أوجدتها مليشيا مجهولة  تتشكّل من جنودٍ غير مُتعلمين ومرتزقة من دولٍ مختلفة ، تجمعهم رغبةٌ واحدةٌ هي  إستعباد الشعوب  وإرهابها ونهبها وسرقة ممتلكاتها ومالها وهدم مدنها وقراها.

*إن توقعات مُرعبة تنتظرُ السكان عند هجوم هذه المليشيا المجهولة الهوية على مناطقهم.

*فالذي حدث من العنف والفظاعةِ في التعامل مع الشعب السوداني في المناطق التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع كان متوقعاً من مليشيا عقيدتها النهب والسلب وتقتيل البشر المستقرين بحقد وفاشستية,وتعمل وفق ميكافيلية حقيرة في خططها.

*فقد تحوّلت المدُن والقرى التي اجتاحتها إلى مسارحَ للقتلِ والتدميرِ، تحكمُها يدٌ  قاسيةٌ  لا تعرف الرحمةَ  ولا الشفقةَ

وحدث التشريدُ القسري للسكان,وظلت أبواقهم تخرج  على منصات الإعلام في الدول التي تعينهم, لتقول أنهم يدافعون عن الديمقراطية, كم هي مضحكة هذه العبارة التي لاعلاقة لها بسلوك المليشيا القاتلة, وتقول أن المليشيا تفرض الأمن على مناطق سيطرتها.

*فعن أي أمن يتحدثون, وأين يقيم الشعب, هل يسكن في البيوت المُهدمة ؟ أم تحت الرصاص والدانات والقصف  وإحتلال البيوت غير المهدمة من تلك المليشيات؟ ,أم يبقى ليسلب مافي جيبه, ويؤخذ منه عنوة هاتفه وحتى قطعة الخبز التي في يده , إذ باتت في تلك الساعة الحياةُ  معلّقةً  بِحبالِ الهروبِ  من هذا الجحيمِ, فالقتل والتدمير والنّهبُ  والسلب والتحقير والإهانة ..هو سلوك المليشيا في كل أرض إحتلتها, حيث لا يُتركُ  شيءٌ  سليمٌ  في مسارِ هذه المليشيا ، إن فُلُولُهم تُسيطرُ على المواردِ في أي منطقة تدخلها  وتُدمرُ  البنيةَ التحتيةَ،  ويسود تلك المناطق الفقر والتدمير بل كل الشعب الموجود في تلك المناطق  يتعرّضُ  للاستغلال والتعذيب والتمييز والإهانة والمنع من العلاج والدواء وحتى الطعام , فيصبحُ  المُهجّرونَ  فريسةً  للمُتاجرينَ  بالبشر،  تُستغلّ  أجسادهم وتُستعبَدُ قواهم وتسخرها  لخدمةِ المليشيا.

*إن الفقدان للشباب الكبار والنساء والأطفال والتّشريد للسكان, كل ذلك يصبحُ  ذكرياتٍ سيئةٍ يسجلها التاريخ في السجل الإنساني , حيث يتجلى فيها عدم إحترام حقوق الإنسان وحقه في العيش على أرضه كريماً حر الإرادة .. وتظل كلّها  مُعلّقةً  بِحبالِ  التّشريدِ  والتّيهِ  في  أرضٍ  غريبةٍ  وُجدوا  فيها  فجأةً  بلا مأوى.

*وعجباً أن تؤيد تلك المليشيا دول في المُجتمعِ الدولي  بِصورةٍ تخدمُ مصالحها ويتغاضى عن إدانتها ذلك المجتمع.

*بل وتعتمدُ  هذه الدول على  التّضليلِ  والتّلاعبِ  بِمشاعرِ  الشعوبِ ، وُتُحاولُ  تبريرَأفعال تلك المليشيا بِدعاوى كاذبةٍ  لِكسبِ  الدّعمِ  والتّأييدِ.

*لذلك لابد من مُواجهة التّحدّي هذا .. لابد أن يقوم الجيش الشرعي والرسمي للدولة بمهامه وما يوجبه عليه القانون والأعراف في  مواجهةِ هذا التّحدّيِ ..والذي يعني في حال نجاحه إنهيار الدولة .. وإلغاء القانون .. وسيادة هذه الماليشيا بعقيدتها وفقهها في المعاملات وإذلال الشعب,ويجبُ  على  الذّين  يُواجهون التّشريدَ والتّدميرَ أن  يبذلوا كلّ جهدٍ لِحِمايةِ  أرواحِهم وِوِمُمتلكاتِهم بمساندة هذا الجيش الرسمي

والإنخراط في صفوفه وتدعيمه وتقويته .. وتنشيط الدبلوماسية وتبصير الشعوب الحرة في العالم بالحقائق وتشكيل رأي عام عالمي يعتمد على الحقائق والواقع .. وطلب الدعم منها والعون لتجاوز هذا التحدي.

*إذ أنه من الواجبُ  عَلى  الشّعوبِ  الأُخَرَى أن تعين الشعب الذي تشرد منه أكثر من إثني عشر مليوناً من البشر في داخل وخارج دولته في أكبر نزوح شهده التاريخ الإنساني. ..

*ولا  يُمكنُ  تجاهُلُ  هذه  المأساةِ التي تعرض لها الشعب السوداني المُهَجَّر .. حقاً إنها لمحنة عظيمة تحتاج من المجتمع الدولي أن يقوم بواجبه،  فُهُوَواجبٌ أخلاقيٌّ  وَإنسانيٌّ عَلى  جميعِ  الشّعوبِ في العالم , ولا مجال أمام هذه الشعوب غير أن  تُؤكّدَ  على  دعمِ الضّحايا  وَالوقوفِ  ضِدّ  كلّ  أشكالِ  الظّلمِ  وَالتّطرّفِ واللا إنسانية, فكيف يسمح العالم بدفن الإنسان حياً  وتعذيبه حتى الموت.

*إن هذه المآسي علمتنا أنه يُجبُ  أن  يُصبحَ  العالمُ  ساحةً  لِلتّعاونِ  والإنسانيةِ ،وَأن تُتّخذَ خطواتٌ لِحِمايةِ  حُقوقِ  الشّعوبِ  وَالحدّ من  إنتشارِ العنفِ وَالتّشريدِ ولابد من تفعيل الإتفاقيات الدولية الخاصة بالتعذيب والتمييز ومناهضة الحروب وممارسة الإرهاب وترويع السكان الآمنين والإعتداء على الدول ذات السيادة والتدخل في شئونها الداخلية.

*وعلى المجتمع الدولي أن يسعى نحو السلام في مجتمع آمن على هذه الأرض ..يسعى لرفاهة الإنسان وليس تشريده وإرهابه والعبث بمقدراته والطمع في ثرواته.